نتساءل أولا عمن هم أهل الله؟ ونتساءل ثانيا عما يعنيه كون لحومهم مسمومة؟ ونتساءل ثالثا عن هوية من ادعوا هذا الادعاء أو زعموا هذا الزعم؟ ونتساءل رابعا عما إذا كانت مقولتهم نتيجة لتجربة أو لتجارب؟ ونتساءل خامسا عما إذا كان مصدرها النقل أو العقل أو مجرد الهوى والاستحسان؟ وجدنا ذكرا لأهل الله عند ابن ماجة في سننه. وعند الإمام أحمد في مسنده. فعند الأول نقرأ قوله ص: "إن لله أهلين من الناس". قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "أهل القرآن أهل الله وخاصته". وعند الثاني نقرأ قوله: "إن لله أهلين من الناس". فقيل: من أهل الله منهم؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". وقبل لجوئنا إلى كتب السنن للبحث عن عبارة "أهل الله" بهذه الصيغة، لجأنا إلى النظم الكريم الذي لم نجد فيه غير "أهل الكتاب" و"أهل الإنجيل" و"أهل يثرب" و"أهل القرى" و"أهل المدينة" و"أهل البيت" و"أهل مدين" وأهل قرية" و"أهل بيت" و"أهل القرية" و"أهل الذكر" و"أهل التقوى" و"أهل المغفرة". فصح لدينا في ضوء كتاب الله وسنة رسوله، كيف أن "أهل الله" عبارة مقبولة لا غبار عليها ولا مغمز فيها، ولم يبق بعد القبول بها غير الشروع في محاولة استخلاص ما قيل ويقال عنها ودار ويدور حولها، سواء من حيث مدلولها الحقيقي، أو من حيث مدلولها الباطل المبتدع. وحتى نتجنب التشبيه، نشير إلى أن "أهل" في العلاقات البشرية هم جمع أهال وأهلون. نقصد الأقارب المنتمين إلى عائلة واحدة. غير أن هذا المفهوم منتف بخصوص العلاقة بين العبد وربه. فإن كان لله أهل، فهم المقربون الذين يحظون بمكانة خاصة عنده. إنهم أحباؤه المرضيون الذين أدركوا ما أدركوه بعملهم الذي تلخصه استجابتهم له عز وجل ولرسوله. ثم إنهم أيضا خاصته كأهل الذكر، وكأهل التقوى، وكأهل المغفرة. يعني أنهم أولياؤه سبحانه لاتصافهم بهذا الثالوث المرتبط بعضه مع بعض. قال تعالى: "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". وبما أن الذكر هو القرآن، فإن أهل الذكر هم أهل القرآن، وفي الوقت ذاته أهل الله، كما ورد في الحديثين المتقدمين. يقول ابن زيد: "اسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن". وقال جابر الجعفي: "لما نزلت هذه الآية، قال علي رضي الله عنه: "نحن أهل الذكر". يعني أهل الله. ومن هنا جاء إجماع علماء الأمة الإسلامية على أن العامي ملزم بتقليد عالم يخشى ربه في حركاته وفي سكناته. أي في كيفية تدينه وفي كيفية تعامله الديني والدنيوي جملة وتفصيلا. إذ العامي أشبه ما يكون بالأعمى الذي يحتاج إلى من يأخذ بيده، بدليل قوله تعالى: "هل يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور"؟ وبدليل قوله عز وجل: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"؟ مع التذكير هنا بأن أهل القرآن ليسوا هم حفظته الذين يحملونه على ظهورهم كما يحمل الحمار الأسفار! فهؤلاء لا يمكن عدهم من العلماء بإطلاق. خاصة متى انخرطوا في تفسير بعض من آيات الذكر الحكيم وهم لا يميزون حتى بين الفاعل والمفعول به! فعندي من انخراط هؤلاء في تضليل الناس والاستهزاء بكلام الله، ما لا يتسع المقال للإحاطة به. فقد أخبرني أحدهم بنكتة مصدرها قول الله عز وجل: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". هذه الآية معناها بالأمازيغية السوسية "تعب الله وأنت لم تتعب بعد"!!! ثم يزعم حملة القرآن كيف أن مشروب "كوكا كولا" العالمي الانتشار وارد في الكتاب المبين! إنه قوله سبحانه: "وتركوك قائما"! إلى آخر ما تبقى في ذاكرتي منذ أعوام، كنت خلالها من جملة هؤلاء الذين يتاجرون بالقرآن ويتلاعبون به داخل المساجد، وداخل المنازل، وداخل الأضرحة على اعتبار أنهم يملكون من البركات ما يوزعونه على طلابها مقابل ولائم أو أموال عينية في مناسبات بعينها!!! فأهل الله إذن، أو أهل الذكر، لا بد أن يتصفوا بالعلم والتقوى والإيمان الخالص الذي هو عند علمائنا: القول باللسان، والتصديق بالقلب، والعمل بالجوارح. فتأكد لنا أن العلماء بهذه الصفات هم كذلك أولياء الله "الذين آمنوا وكانوا يتقون". إذ كلما تمكن أحدهم من العلم، كلما كانت خشيته لله أوضح في عمله اليومي "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، يعني أن عمل الولي والعالم لن تكون له قيمة إن لم يقم على التقوى. فقد تحدث ص عن "أهل التقوى" و"أهل المغفرة" الوارد في القرآن مفسرا الآية بقوله: "أنا أهل أن أتقى. فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له" إنما بشرط أن يتوب مما اقترفه من فواحش. ما ظهر منها وما بطن. أو مما وقع فيه من آثام ناجمة عن انعدام التقوى عنده. وانعدام التقوى مصدره غياب الطاعتين عند كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. نقصد انعدام التزامه بالأوامر وبالنواهي الإلهية من جهة. وبالأوامر وبالنواهي النبوية من جهة ثانية. إن الولي إذن مهما يكن مبلغه من العلم، لا بد له لإدراك مرتبة ما في الولاية من شرطين. ورد ذكرهما في القرآن حيث يقول عز وجل: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون" إلى حد أنه كلما حدث أي خلل في إيمانه وتقواه، كلما قلت درجة ولايته، وقد تتدنى إلى الحضيض. وقد تنغمس في الإضمحلال والتلاشي، عند من يديرون ظهورهم للاعتصام بحبل الله المتين، وبنهج رسوله المبين الذي هو سنته. يعني بصريح العبارة أن الحديث عن ولاية المبتدعين المخالفين في الأقوال والأفعال، لما عليه النبي المرسل، مجرد مضيعة لوقت ثمين من حياة مسلم، كان عليه أن يستنكر الضلال المبين، بدلا من الانخراط في امتداحه بالانتماء إلى أهله. والحال أنه ص يقول: "من أحدث حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"! والمبتدعون في الدين، أو السائرون على سبيل المبتدعين، هم الذين ناظرت أحدهم منذ ما يقرب من عقدين على متن إحدى الجرائد المستقلة. وكان من جملة ما ورد في كلامه – وهو يحذرني من مغبة عدم توقيري لأمثاله - : "لحوم أهل الله مسمومة"! والطرقيون بأدلة لا تحصى ليسوا من أهل الله الذين هم أهل القرآن كما حددنا صفتهم قبل الآن! فمن يدعون بأن طريقتهم مصدرها الرسول ص كذابون! خاصة وأننا أمام طرق عدة! بينما الواقع الديني يخبر بوجود طريقة واحدة مقبولة في التعبد. إنها طريقته أو سنته ص. فمن رغب عنها، ليس من النبي في شيء كما ورد عنه في حديث له. يعني أن كل من أصر على الاقتداء بغيره، بعيد كل البعد عن الولاية لله الحق! وحتى يتجنب المبتدعة استنكار العلماء العاملين لما هم عليه من الضلال والتضليل، أوجدوا عبارات وأساليب، يدفعون بها الحجج الدامغة التي تفضح تشويههم للدين وتحريفهم له! إنهم لم يكتفوا بمخالفة الرسول في أداء جملة من العبادات فحسب، بل إنهم بالغوا في تشويه المعتقدات إلى حد ادعائهم بأن الله والعالم شيء واحد (= وحدة الوجود). وأن الدنيا لم تخرج من العدم إلا بفضل محمد ص (= الحقيقة المحمدية)! وأن تصرفهم في الأكوان وارد لا شك فيه! يكفي أن كتبهم مليئة بهذه الادعاءات المعروفة عندهم بالكرامات! وحتى "إن سلمنا بأن ما ظهر على أيديهم كرامة من الله، فإنها لا تعني صلاحهم! إذ لا تلازم بين الولاية وظهور الأمور الخارقة للعادة. فكثير من أولياء الله الصادقين من الصحابة والتابعين، لم تحدث لهم خوارق! وهم من هم في الفضل والسبق! قال الليث بن سعد صديق مالك بن أنس: "لو رأيت الرجل يمشي على الماء فلا تصدقه حتى تعرض عمله على السنة". يعني أنه لا نقبل بخوارق من يدعي الولاية لله، أو يدعيها له غيره، حتى نعرض عمله التعبدي وسلوكه الأخلاقي، على كتاب الله وسنة رسوله. فالخوارق التي "تحدث للعباد (بالتشديد على الباب المفتوحة) وتجري على أيديهم، منها كرامات رحمانية، ومنها خوارق شيطانية. وضابط الكرامة لزوم الاستقامة. يقول الحسن بن علي الجوزجاني: "كن طالبا للاستقامة، لا طالبا للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة". فإذا استقام العبد على كتاب الله وسنة رسوله ص. فلا يبعد أن تحدث له كرامة رحمانية، كما حدثت لكثير من الصحابة. وفي الحديث "قد كان في الأمم قبلكم محدثون. فإن يكن من أمتي أحد منهم فعمر منهم". وكان الزاهد المتصوف المشهور أبو سليمان الداراني يقول: "إنها لتقع في قلبي النكتة – أي المسألة – من نكت القوم (= المتصوفة)، فلا أقبلها إلا بشاهدين اثنين: الكتاب والسنة"! فالولي إذن "لا بد أن يكون مقتديا في أقواله وأفعاله بالكتاب والسنة، وأن ذلك هو المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل. فمن ظهر منه شيء منها يخالف هذا المعيار فهو رد عليه، ولا يجوز لأحد أن يعتقد فيه أنه ولي لله، فإن أمثال هذه الأمور تكون من أفعال الشياطين"! والادعاء بأن الولي يتصرف في الكون، معتقد باطل. "وقد أفتى علماء المسلمين بكفر من اعتقده"، إلى حد أن بعض جهلاء الصوفية يقولون: فلان أعطي كلمة "كن". ويسأل الكثيرون منهم أن يعطوها وهي الواردة في قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكن". ومقتضى هذا الطلب الشركة في الملك وهو كفر"! ثم إن الضلاليين غالوا في الأولياء "حتى جعلوا فيهم شيئا من صفات الربوبية، وأنهم يتصرفون في الكون، ويعلمون الغيب، ويجيبون من استغاث بهم بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله، ويسمونهم الأغواث والأقطاب والأوتاد. يهتفون بأسمائهم في الشدائد وهم أموات أو غائبون". فضلا عن كونهم يصفون الأولياء بكونهم معصومين. وقد يدعون - تجنبا للفضيحة – أنهم محفوظون! مع أن أحدا من صحابة الرسول ص لم يدع العصمة لنفسه. فقد كان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة – وهو من ضمن أكبر أولياء الله – "وربما يرى رأيا فيذكر له حديث عن النبي ص فيعمل به ويدع رأيه". وهو الذي قال: "السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا حد الرأي سنة للأمة"! وكان يأخذ بعض السنة عمن دونه في قضايا متعددة، وكان يقول القول فيقال له: أصبت. فيقول: ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه"! وإذعان عمر للحديث النبوي، هو استجابته لقوله تعالى: "وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر". ولم يقل سبحانه وتعالى: فردوه إلى مشايخ طرقكم الذين هم اليوم عندنا قادة الضلال والظلام! وبما أن أسماعنا سئمت من تكرار "الأسطوانة" التي وردت في منظومة ابن عاشر الفقهية، والتي تعني كوننا كمغاربة على فقه مالك! وعلى عقيدة الأشعري! وعلى طريقة الجنيد في التصوف! فإننا نقدم لمن لم يملوا مثلنا من تكرارها قول إمام الطرقيين الجنيد بن محمد البغدادي القواريري، في ضرورة عرض ما تم الاختلاف حوله على الكتاب والسنة. قال: "الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام"! وقال: "من لم يحفظ القرآن الكريم، ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة"! لكن الجنيد - صاحب هذين القولين – في واد! وما ادعاه ويدعيه مشايخ الطرق وأتباعهم المخدوعون في واد آخر!!! لقد طغى عليهم الجهل، وخالفوا الكتاب والسنة في الأقوال والأفعال! فالرسول لم يقم "الحضرة" أو "العمارة"! ولا ذكر ربه بالاسم المفرد "الله الله" لأنه ليس جملة مفيدة! حتى الطفل المتعلم لن يسلم بأن كلمة واحدة جملة، أو كلام مفيد بالوضع! إنه ص لم يتعبد بالاسم المفرد في جماعة! ولم ييتعبد به لوحده عندما يذكر ربه! ولا وصلنا خبر كونه يذكر ربه بالضمير الغائب "هو هو"! ولا توقف عن إبلاغ رسالة ربه إلا بوفاته. ومن يدعون من الطرقيين (وخاصة مشايخهم) بأنهم ورثة الأنبياء، هم اليوم خدمة لدى الحكام! لا يجرأون على النهي عن المناكر! لكنهم يملأون البطون والجيوب بالحرام الذي هو جزاؤهم مقابل سكوتهم، الذي به باعوا آخرتهم بدنيا الظلمة خصوم الدين وأعداء السنن! ومتى اعتقد الطرقيون بأنهم أهل الله – وهم على الحال الذي وصفناه – صح أنهم مسمومون لأنهم لا يبثون فيمن حولهم غير السموم! فعندما قفزوا إلى الواجهة ليعتبروا لحومهم مسمومة، فلكي يتجنبوا مواجهة المتسننين لهم بأدلة دامغة! وما اعتبروه مسموما لم يكن مصدره، لا النقل ولا العقل! وإنما مصدره الأهواء التي كذبت التجربة مدلولها ولا تزال حتى الآن تكذبها! بينما الواقع المر الذي لا يستسيغ الطرقيون التخاطب معه بمنطقي الدين والعقل، يسير بأهله من الشباب المثقف إلى اتخاذ مواقف صارمة لفضح كل ألوان الفكر الظلامي الديني في المجالات التي يحاول جهده أن يفرخ فيها بمساعدة المروجين له، على اعتبار أن الترويج له – في نظرهم – يدخل في إطار مسمى تدبير الشأن الديني! هذا التدبير الذي يقوده من قبلوا بكامل وعيهم، وفي واضحة النهار، تعميق القطيعة بينهم وبين الدين الحق! والذي نستغربه منذ أعوام، هو غياب المثقفين التقدميين والثوريين، والحداثيين والعصرانيين عن مواجهة لون من ألوان الاستعمار الفكري، وهو يغزو عقول الكبار والصغار في الحواضر وفي البوادي، وكأن حنين العقول المغربية إلى الظلام لا يزال مهيأ للاستمرارية التي هي امتداد لعقلية أناس، خدعوا من طرف الخرافيين، الذين هم بمنتوجهم الظلامي أفلحوا في بث سمومهم داخل مجتمع، عقول أهله كانت آسنة في الماضي! فيكون من عيبنا كمثقفين أن نتحدث عن العقل العربي، دون أن نركز على الجانب المظلم منه بامتياز! تعلق الأمر بعقل المصريين! أو بعقل السوريين! أو بعقل الجزائريين! أو بعقل المغاربة الذي لا يزال يتواصل مع أهل الظلام إن بالمشاركة المباشرة فيما يمارسونه، وإن بالسكوت عنهم كمجاراة منهم للحكام الذين يعرفون كيف يجنون ثمار الفكر الظلامي الديني ولو بمبالغ مالية ضخمة، جنبا إلى جنب مع اعتماد الدهاء والمكر والخداع!!!