في جمهورية إيران، يستأثر القائد الأعلى والمرجع الديني الأبرز، بما يشبه السلطة المطلقة. تم انتخابه من قبل مجلس الخبراء بالاقتراع العام المباشر. بينما ينتخب الرئيس وهو نفسه رئيس الوزراء، عن طريق الاقتراع العام المباشر لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، حيث أُلغي منصب رئيس الوزراء منذ العام 1989. لكن في الفترة الأخيرة اشتد صراع موازين القوى بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، وكانت الرسالة من الرجل الأقوى في إيران واضحة: يمكن إلغاء منصب الرئيس في المستقبل القريب أو البعيد، وفي هذه الحالة سيكون علينا استخدام نظام برلماني لانتخاب الحكومة. "لن تكون هناك مشكلة في تغيير الهيكل الحالي للنظام"، هذا ما صرح به المرشد الأعلى، علي خامنئي، في خطابه يوم 16 أكتوبر في مدينة كرمنشاه، غرب إيران. الخلاف بين علي خامنئي والرئيس محمود احمدي نجاد يمتد على أكثر من صعيد، سياسيا واقتصاديا وحتى على المستوى الشخصي، والطموح الزائد عند الرئيس نجاد، أفزع خامنئي وأقض مضجعه. المرشد الأعلى يأخذ الأمر على محمل الجد، بحيث يهدد بإلغاء منصب الرئيس نفسه. ولا يبدو الأمر، حاليا، أكثر من مجرد وعيد، لكنه تهديد لا يمكن تجاهله، خاصة من جانب أحمدي نجاد، الذي لن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية عندما تنتهي ولايته في حزيران 2013، إذ إن الدستور الإيراني يمنع الرئيس من الحكم أكثر من ولايتين متتاليتين. ولضمان خلافته، دعم أحمدي تجاد ترشيح ذراعه الأيمن وخليفته المنتظر، اسفنديار رحيم مشائي. ولا شك أنه يأمل في حال انتخاب أحد أبرز مقربيه، رئيسا، الاحتفاظ بموقع مهم داخل مؤسسة الرئاسة، تماما مثلما فعل فلاديمير بوتين في حكومة ديمتري ميدفيديف. منذ وصوله إلى مكتب المرشد الأعلى في عام 1989م، يشعر خامنئي دائما بقلق إزاء خليفته، واستبدت به الهواجس والشكوك، ولهذا، كانت علاقاته معقدة وصعبة مع الرؤساء السابقين، علي أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) ومحمد خاتمي (الرئيس 1997-2005) لكن أحمدي نجاد ظهر كنسمة من الهواء المنعش، حيث بدا رئيسا متواضعا زاهدا في السلطة لا طموح له، وتحديدا خلال فترة ولايته الأولى، حتى إن خامنئي كان يعتبره "الجندي المطيع لثورة الخميني". لكن هذه الفترة من "الهدوء" سرعان ما انقضت خلال العهدة الثانية للرئيس نجاد، وبدأت الهواجس تلاحقه مجددا، وقرر التنازل عن بعض صلاحياته لينهي الفترة الرئاسية بقدر من الهدوء، إذ لا يود أن يرى شخصا آخر ينازعه في سلطته شبه المطلقة، ومنصب الرئاسة يفزعه كثيرا، لأنه مصدر الهواجس والشكوك. لذا، فمن الممكن أيضا أن خامنئي يستعد لتحضير خليفته بنفسه ليرتاح من صداع "الطامحين"، وربما قرر بالفعل أن يخلفه ابنه مجتبى.