أثار فوز حركة النهضة الإسلامية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مخاوف أعداد كبيرة من الشباب التونسي الذين اتهموا الحركة بتبني خطاب مزدوج. منير سويسي تجول في شوارع تونس ورصد آراء بعض الشباب في التحقيق التالي. خرج في اليومين الماضيين مئات من الشبان من الجنسين في مظاهرة أمام مركز الإعلام التابع للهيئة العليا المستقلة للانتخابات (مؤسسة غير حكومية) منددين بفوز حركة النهضة في الانتخابات. واتهم المتظاهرون الحركة بتقديم رشى للمواطنين للتصويت لها مطالبين بفتح تحقيقات في هذا الشأن. إحدى المشاركات في المظاهرة لم تستطع التحكم في انفعالاتها وأجهشت بالبكاء أمام كاميرا عدد من التلفزيونات الأجنبية التي جاءت لتغطية الانتخابات التونسية. وعبرت السيدة عن مشاعر الإحباط والحزن التي غمرتها بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات معتبرة أن "وصول الحركة إلى الحكم يعني نهاية الحريات التي تنعم بها المرأة التونسية منذ أكثر من نصف قرن". وذهب عدد من الشباب الذين استطلعت دويتشه فيله آراءهم إلى القول إن العيش تحت حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي أفضل من العيش تحت حكم "الخوانجيّة"، أي الإسلاميين وذلك في إشارة إلى حركة النهضة.
"حداد بسبب فوز النهضة ونكسة اليسار" نادية طالبة جامعية تعيش في منطقة المنار الراقية شمال العاصمة تونس تؤكد في حوار مع دويتشه فيله أنها "لم تفق بعد من صدمة" نتائج الانتخابات التي "نزلت عليها كالصاعقة" على حد تعبيرها. وأضافت هذه الطالبة الجامعية بالقول:"الخوانجية هم أكبر تهديد للحرّيات الشخصيّة والعامة وخاصة حرية المرأة". وبدت ناديا واثقة من كلامها حين قالت إنها تتوقع أن "يلغوا (الإسلاميون) عند تغلغلهم في الحكم مجلة الأحوال الشخصية" الصادرة سنة 1959، التي تعطي المرأة في تونس وضعا حقوقيا فريدا من نوعه في الدول العربية. ولاحظت الطالبة التونسية ناديا أنه "رغم مسارعتهم بعد تأكدهم من الفوز إلى طمأنة الداخل والخارج على مستقبل الحريات في تونس إلا أن حيلهم لا يمكن أن تنطلي علينا...إنهم يتجملون وعندما يتمكّنون سيكشفون لنا وجههم الحقيقي". ولم تكن ناديا وحدها تتبنى هذا الموقف، شاب آخر قدم نفسه لدويتشه فيله باسم هيثم تساءل بغضب: "خلّصتنا الثورة من دكتاتورية بوليسية (نظام بن علي) أما الانتخابات فجلبت لنا دكتاتورية دينية (...) جميع أصدقائي في فيسبوك في حالة أشبه بالحداد بعد فوز النهضة ونكسة اليسار". واعتبر هيثم أن "الدكتاتورية الدينية أخطر بكثير لأن القائمين عليها يتحدثون باسم الله وبمنطق الحلال والحرام ويكفّرون كل من يخالفها الرأي وتريد فرض تصورها للحياة على الآخرين بالقوة". وأضاف هيثم لدويتشه فيله: "نخشى أن يأتي يوم نترحّم فيه على أيام بن علي". شاب آخر يدعى منتصر أكد على رأي ناديا وهيثم وأضاف أنه يتوقع أن "تتغير الحياة إلى الأسوأ في تونس بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة". وقال منتصر لدويتشه فيله: "لا أستبعد أن يأتي يوم يفرضون فيه الحجاب على كل النساء بالقوة ويكرهون الرجال على إطلاق اللحية ولبس القميص الخليجي ويبيحوا تعدد الزوجات ويغلقوا الملاهي الليلية ويحظروا الكحول ويمنعوا الجنسين من الاختلاط في المدارس والجامعات وفي كل الأماكن". "يجب تجريبهم" وإلى جانب هذه الآراء المناهضة للنهضة والخائفة من فوزها في الانتخابات هناك أصوات أخرى بين الشباب التونسي تدعو إلى إعطائهم فرصة قبل الحكم عليهم. وفي هذا الإطار قال شاب يدعى سفيان إن "علينا عدم التسرع في الحكم على النهضة من الآن بل تجريبهم، فلعلّهم يكونون صادقين في ما يقولونه رغم ما يتهمون به من ازدواجية في الخطاب". وذكر سفيان بأن كل قياديي النهضة قالوا إن حركتهم ستستأنس بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي يراوح بين الأصالة الإسلامية والحداثة الغربية. ويعتقد سفيان بوجود "تفاهمات مسبقة" بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وحركة النهضة و"إلا بماذا نفسّر الزيارة التي قام بها في مايو/ أيار (2011) حمادي الجبالي (أمين عام حركة النهضة) إلى أمريكا". سفيان يعتبر أن واشنطن، التي "تكبدت كثيرا من المتاعب في المنطقة العربية وراهنت على قمع الأنظمة للحركات الإسلامية، تريد أن تكون تونس أول دولة عربية تستنسخ فيها تجربة حزب العدالة والتنمية التركي وإن نجحت فستقوم بتعميمها في بقية الدول العربية". "التونسيون لم يتخلصوا من فزاعات بن علي" في المقابل اعتبرت فاطمة (ربة منزل) وهي من أنصار حركة النهضة أن حالة الخوف التي انتابت كثيرا من التونسيين نتيجة صعود حركة النهضة في الانتخابات "أمر طبيعي". ولاحظت فاطمة في مقابلة مع دويتشه فيله أن "الحركة كانت محظورة طوال فترة حكم بن علي الذي زجّ بالآلاف من أنصارها في السجون وعزل عائلاتهم عن المجتمع وجعل من التخويف من الإسلاميين فزاعة داخل تونس وخارجها". وأضافت الناشطة التونسية أن: "الكثير من الناس ينظرون إلى النهضة على أنها تنظيم إرهابي مثلما كان يروّج له بن علي" مقرّة بأن "اطمئنان المجتمع إلى الحركة يتطلب شيئا من الوقت". ودعت فاطمة خصوم الحركة إلى الحكم عليها من خلال أفعالها لا من خلال ما كان يروجه حولها النظام السابق، قائلة بوثوق: "الأيام ستثبت أننا ليس كما يعتقدون". أما سمية الغنوشي، ابنة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فشددت على أنه في الأنظمة الديمقراطية يتم احترام نتائج صناديق الاقتراع، مشيرة إلى أن الانتخابات التي جرت في تونس كانت "ذات مصداقية وشفافية" كما شهد به المراقبون في بعثة الاتحاد الأوروبي. وأضافت سمية، وهي أستاذة بجامعة لندن لدويتشه فيله: "إن كانت الأحزاب تفرق التونسيين فإنه لا يجب أن ننسى أن تونس تجمع كل التونسيين وعلى الجميع العمل معا من أجل مصلحة تونس". "لا لتضخيم النهضة أكثر من حجمها" أما جمال فيرى أن أي تيار سياسي سيصعد إلى الحكم في تونس "ما عندو ما يعمل" (لا يمثل أي خطر) لأن الشعب الذي أطاح بواحدة من أعتى الدكتاتوريات في العالم (نظام بن علي) لن يسمح بعودة أي ديكتاتورية جديدة"، على حد تعبيره. وأضاف جمال لدويتشه فيله "لا أعتبر أن أغلب التونسيين من أنصار النهضة ولا يجب تضخيم هذه الحركة أكثر من حجمها، واعتقد أن حالة الخوف التي اعترت التونسيين من النهضة تدل على أن غالبية الشعب ليس من النهضة". وأوضح: "لقد شارك فقط 4 ملايين تونسي في الانتخابات من أصل أكثر من 7 ملايين يحق لهم الانتخاب. وقد صوّت أكثر من مليون للنهضة أي أن هناك 6 ملايين ليسوا مع النهضة". منير سويسي تونس مراجعة: أحمد حسو حقوق النشر: دويتشه فيله 2011