منذ أن فاز حزب العدالة و التنمية المغربي في الانتخابات المغربية و ترأس الحكومات المتعاقبة خلال العامين الماضيين، تأمل الكثير من الإسلاميين أن تكون هذه بداية تحول في المجتمع المغربي على صعيد القضاء على الفساد و إصلاح الأوضاع الاقتصادية و التعليمية و إيجاد بنية صحيحة لنظام الدولة، لكن الديمقراطية الغربية أحبطت آمال الإسلاميين مرة أخرى بعد تجارب وقعت في مصر وفي فلسطين وفي الجزائر، وفي هذا الصدد حاور موقع "البيان الإلكتروني" الشيخ حسن الكتاني أبرز زعماء السلفية في المغرب، و أكد خلال الحوار أن الإسلام محارب في المغرب أسوة بباقي الدول العربية تحت ذريعة محاربة " الإرهاب"، و إليكم تفاصيل الحوار: كيف أثرت أحداث الربيع العربي على التيار السلفي بالمنطقة العربية؟ في الحقيقة الربيع العربي هز جميع التيارات الموجودة في الساحة، ومن التيارات التي أثر عليها التيار السلفي، الذي كان كثير من فصائله يأبون الدخول في العمل السياسي، وبعد أن رأوا ما حدث من ثورة الشعوب وجمهور الناس على الحكام الظلمة الطغاة، ورأوا أن الشارع إذا لم يواكبوه سيتأخرون وسيلفظهم الناس، قررت الكثير من فصائلهم الدخول في العمل السياسي من باب أرفع المصلحتين وأدنى المفسدتين (باب دفع المفاسد وتقوية المصالح)، ولذلك رأينا الكثير من التيارات الإسلامية السلفية في مصر وفي ليبيا واليمن قررت الدخول في العمل السياسي. ما هي قراءتك لتجربة حزب النور السلفي بمصر؟ بالنسبة لي، الذي ينبغي أن يعلم هو أن حزب النور لا يمثل السلفيين في مصر، وإنما يمثل طائفة معينة، يمثل الشيخ ياسر البرهامي وتلاميذه ويمثل بالخصوص الدعوة السلفية في الاسكندرية، بل وحتى الدعوة السلفية الاسكندرانية لا يمثلها كاملة، وإنما يمثل جماعة ياسر البرهامي بالخصوص. ولذلك لما بدأ الحزب في الانحراف والميل إلى جبهة الإنقاذ، بدأ كثير من العقلاء والمخلصين الذين انضموا للحزب بالانشقاق عنه والانضمام إلى أحزاب إسلامية أخرى انشئت من أجل نصرة الإسلام ونصرة القضية الإسلامية ولذلك نجد هؤلاء جميعا دخلوا في التحالف الوطني لدعم الشرعية وكانوا ضد الانقلاب العسكري. أما الانحراف الذي مال إليه ياسر البرهامي ومن تبقى معه في حزب النور، فلا شك أنه موقف مدان وهي خيانة للقضية الإسلامية، والعلماء والدعاة إلى الله في العالم الإسلامي كله استنكروا ذلك على حزب النور. هل ستؤثر تجربة حزب النور في علاقات السلفيين مع الجماعات الحركية بباقي البلدان؟ لا، لأن حزب النور لم يجد من يسانده في مواقفه، ثم إن التجربة المصرية تختلف عن التونسية وتختلف عن الليبية وتختلف أيضا عن المغربية، فكل بلد له حالته وله وضعه السياسي سواء كان نظاما ملكيا أو جمهوريا فالوضع مختلف، ولا يمكننا أن نقارن الوضع المغربي بالوضع المصري، كما أنه لا يمكن أن نقارن الوضع الليبي بالوضع التونسي لا من ناحية الشعب ولا التجربة ولا العلاقة مع التيارات العلمانية، فلذلك كل بلد لها حالتها، أما أن يقال إن تجربة حزب النور ستؤثر لا بالعكس، تجربة حزب النور لن تؤثر على ذلك لا من بعيد ولا من قريب. ماذا يمكن أن تقول لنا عن ملف تفجيرات 16 مايو؟ النظام المغربي استخدم هذا الملف أو هذه القضية شماعة للتضييق على التيار الإسلامي كله، وليس على التيار الجهادي فقط، ولذلك نرى أنه استغلها للتضييق على الأحزاب الإسلامية التي تشارك في العمل السياسي، كما أنه استغلها في وضع بعض القوانين التي كانت مرفوضة من قبل، كذلك ورأيناه يغلق كثيرا من دور القرآن التابعة لتيار الشيخ المغراوي، إذن هذه الأحداث المشبوهة التي استنكرها الجميع استخدمت لضرب التيار الإسلامي ولازالت تداعياتها إلى وقتنا هذا وهي ملف مفتوح لم يغلق بعد. برأيك من هي الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات؟ لاشك أن هناك جهات علمانية متطرفة داخل الدولة، وهناك جهات منتفعة مما يسمى الحرب ضد الارهاب تستخدم هذا الملف لمصالحها الشخصية ولتسويق صورة معينة في الغرب، فهذه الاتجاهات تضغط باتجاه التضييق أو باتجاه عدم حل هذا الملف وتركه هكذا مفتوحا إلى أجل غير مسمى. هناك من يقول إن وجود حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة يزيد الملف تعقيدا، هل تتفق مع هذه القراءة؟ نحن كنا نتصور أن وجود حزب العدالة والتنمية سينهي هذا الملف أو على الأقل سيحلحله، ولكن حزب العدالة والتنمية في الحقيقة أعطي سلطة من غير سلطات ولم يتقدم لحل هذا الملف لا من قريب ولا من بعيد نظرا لأمرين للتضييق عليه وكذلك مخافة أن يتهم هو أيضا بأنه يميل إلى هؤلاء المغضوب عليهم. فلذلك الملف حقيقة ما زال يراوح مكانه ولم يتغير منه شيء، بل على العكس وجدنا تصريحات كثير من المسؤولين في حزب العدالة والتنمية يقولون إنه ليس لنا من الأمر شيء في هذا الملف والأمر أكبر منا، وهذا في الحقيقة مما يؤسف له ويبعث على الإحباط نسأل الله عز وجل أن يبعث لهؤلاء الإخوة المسجونين من يحل قضيتهم. إذن أنتم ترون أن لا حل في الأفق قادم؟ الأمل دائما في الله، ولكن حسب المعطيات التي عندنا، نرى أن الحكومة ليس بيدها شيء. وجهت نداء للملك دعوته فيه للتدخل من أجل حل ملف المعتقلين، هل من جديد؟ لما رأيت أن الأبواب كلها أغلقت في وجه الجمعيات الإسلامية إلى إطلاق سراح الإسلاميين وأن الأمر كله بيد الملك وهو السلطة العليا للبلاد، ارتأيت أن أوجه الخطاب مباشرة له، لعله يتدخل ويحل هذا الملف. حقيقة هو نداء وصل إلى السلطات العليا، لكن هل هناك نتيجة؟ (يحرك رأسه نافيا وهو يقول) نرجو أن تكون هناك نتيجة. إذن الإصلاح الذي وعد به حزب العدالة والتنمية المغاربة، سيبقى مجرد شعار في نظركم؟ أنا لا أشك في نية الذين يرفعون هذه الشعارات، ولكنهم يواجهون بمقاومة شرسة وأن الكثير من السلطات التي يفترض أن تكون في يد الحكومة هي مسحوبة منهم، كما أن الإسلاميين بالخصوص هم جزء من الحكومة وليسوا الحكومة كلها، فلذلك حتى بعض الأحزاب التي تحالف معها حزب العدالة والتنمية ظهر أنها مجرد أحزاب عبثية لم تلبث أن انقلبت عليه كما حدث مع حزب الاستقلال. هل تتوقع نجاح تجربة حكومة بن كيران؟ هناك إرادة دولية لإفشال أي مشروع إسلامي سواء كان مشروعا صعد بالانتخابات أم جاء بالثورة أم جاء بالجهاد، فلذلك نرى أن أي مشروع إسلامي إما يواجه بالحديد والنار أو يواجه بالمؤامرات لإفشاله. وتجربة العدالة والتنمية في الحقيقة نحن لا شك نرجو أن تنجح، ولكن الذي يظهر في الأفق أنها تواجه مواجهة شرسة وليس لها من أدوات الكفاح والنضال ما يمكنها من أن تواجه هذا الجيش من المؤامرات، والعلم يبقى عند الله في المستقبل. التحق قبل أشهر الشيخ أبو حفص ومعه عدد من السلفيين بحزب النهضة والفضيلة، لماذا لم تلتحق معهم؟ أنا كنت من الذين لا يرون الخوض في العمل السياسي، نظرا لأنني كنت منذ البداية متحفظا على الدستور الجديد، وأرى أن العمل السياسي ليس لديه مقومات في المغرب، نظرا لأن الذي يدخله يضيق عليه ولا يمكنه أن يتحرك إلا في إطار معين، ولذلك ما يؤخذ من دينه ومبادئه أكثر مما يعطى، هذا الذي يظهر لي، ولذلك أنا لم أر الدخول في العمل السياسي من أجل ذلك. أنت أقرب إلى جماعة العدل والإحسان في هذا الموقف؟ (يجيب وهو يضحك) لعله. ما موقفكم من دعوة "إدريس لشكر" لمراجعة أحكام الإرث القطعية ومتابعة الشيخ أبو النعيم قضائيا بعد تكفيره له؟ طبعا أنا بينت موقفي من الموضوع مرارا والحقيقة أن الخطورة في الأمر هي أنه قبل سنوات كانت مثل دعوات إدريس لشكر وهو زعيم سياسي ورئيس حزب كبير هو الاتحاد الاشتراكي، تواجه من قبل العلماء والجمعيات الإسلامية والدعاة إلى الله مواجهة قوية، فلم يكن أحد يجرؤ على أن يصرح مثل هذا التصريح ويكرره المرة تلو الأخرى، لأنه كان يواجه من قبل العلماء ومن ورائهم الشارع الإسلامي، لكن مع أحداث 16 مايو وما أعقبها من اعتقالات للدعاة إلى الله والحكم عليهم لسنوات طويلة من السجن ولد ذلك لدى الكثير من الناس الخوف من قول كلمة الحق. فأصبح العالم إذا قال كلمة الحق يواجه ويبقى وحيدا في الساحة، هذا حدث مع الشيخ عبد الله النهاري، والآن يحدث ثانية مع الشيخ عبد الحميد أبي النعيم، إذن هذان العالمان بدل أن يواجه من قال الباطل ويضرب على يده، نجد أن العلماء الذين تكلموا ودعوا إلى الله يجرون إلى المحاكم. صحيح الشيخ النهاري نجا في قضيته وبرأته المحكمة، لكن بمجرد أن يجر داعية إلى المحاكم لأنه قال كلمة الحق، هذا يولد الخوف لدى الناس من قول الحق. الآن في قضية الشيخ أبي النعيم، الذي تحدث بغيرة إسلامية واستنكر على هذا الرجل ما تفوه به، نرى أنه ثانية سكت الجمهور الأعظم من العلماء والدعاة إلى الله، بل من الناس من عاتب الشيخ ورأى أنه لم يحسن التصرف وغير ذلك من الأمور. في الحقيقة الآن نحن في حالة إما أن نكون أو لا نكون، إما أن نقف مع العالم الذي قال الحق ونطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، وإما أن نبقى متفرجين ويحاكم العالم من أجل قول الحق وأهل الباطل يزيدون انتفاشا وينطقون ويطالبون، بل يطبقون الباطل الذي يطلبون، وفي الحقيقة أن هذه مصيبة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، فإذا لم يجد الباطل من يدفعه فإنه ينتفش ويزيد، وكما قيل إذا ذهب موسى حل السامري. هل تقصد أن هناك خطة من أجل علمنة المغرب؟ هو لا شك، العلمانيون لن يرتاح لهم بال ولن يغمض لهم جفن حتى يحولوا المغرب إلى قطعة من أوروبا، هم يسعون إلى ذلك ويعملون كل جهدهم من أجل ذلك، فالجمعيات التي تسمى حقوقية تسعى إلى ذلك بصريح العبارة وتقول إنها تريد أن تكون التشريعات الكونية بزعمها فوق أي تشريع وطني، بما في ذلك الأحكام الشرعية. وهم يصرحون بالاستهانة بالأحكام الشرعية وأنها تجاوزها الزمن ويؤمنون بتاريخية النصوص وما إلى ذلك من الأمور، فلذلك يعتبرون المسلمين الذين يدعون إلى العمل بالكتاب والسنة متطرفين وإرهابيين ومنغلقين، إذن إذا لم يواجه هؤلاء بوقفة قوية من أجل الدين من العلماء والدعاة إلى الله، فإنه لا شك سيستمرون في خطواتهم إلى أن يحققوا جميع أهدافهم والعياذ بالله. ولدينا أمثلة، تركيا لما قام مصطفى كمال أتتورك، لم يرتح حتى سلخها من العالم الإسلامي، والآن ما نرى في بنغلاديش من قتل للعلماء والضرب على أيدي الشعب المسلم، حتى يعلمنوا الدولة، أيضا دليل على ذلك. ومصر أقوى مثال، فبمجرد أن انقلب الجيش ومن ورائه العلمانيون على الحركة الإسلامية صرحوا بما في قلوبهم بأنهم يريدون دستورا ليس فيه شيء له علاقة بالإسلام بل أنشأوا هذا الدستور وانتخبوا عليه والآن يسعون إلى إحلاله وفرضه بالحديد والنار، فإذن العلمانيون يسعون باللين في بادئ أمرهم، لكن بمجرد أن يتمكنوا فإنهم يفرضون أفكارهم بالحديد والنار. أي دور للمؤسسة الملكية في هذه المسألة؟ في الحقيقة المؤسسة الملكية ينبغي أن تنتبه لنفسها، لأن مشروعيتها من الإسلام، فإذا ألغي الإسلام لن يبقى لها مشروعية، لأن المؤسسة الملكية تحمل شعارات إسلامية، فهي تعتبر أنها الضامنة للإسلام وأن الملك هو رئيس المجلس الأعلى للعلماء وأنه أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، إذن فإذا لم تتحرك المؤسسة الملكية للحفاظ على العقيدة الإسلامية والشعائر الإسلامية فإن الأمر سيصبح خطيرا.