هل سيقدم وزير ما يسمى بالعدل و الحريات المغربي، استقالته، وفاءا بوعد كتابي قديم، وقع عليه، و تعهد بموجبه للقضاة، بتحسين ظروفهم المادية خلال سنتين، أم أن ما فات مات و نحن أبناء اليوم. قبل سنتين و بالضبط خلال الحملة الانتخابية، خرج من رحم "الاستثناء" المغربي المزعوم، حزب يحمل راية الإسلام في يد، و في يد أخرى سيف الجهاد ضد الفساد. و كان قبل ذاك، بسنة إلا نيف، قد خرج في غزوته الأولى، ضد الحراك المغربي الذي جاء في سياق الربيع العربي، و قادته حركة العشرين من فبراير، واصف أعضاءها و أنصارها، على لسان أمينه العام، عبد الإله بن كيران، بالضلاليين الذين ينوون بالبلاد خرابا و تقسيما و يهددون استقرارها و يعادون ملكيتها... و بعد أن صعد هذا الحزب الذي تجلت فيه كل صور الإسلام؛ بسماحته و وفاءه و صدقه و أمانته، عن طريق الوعود المغلفة بغطاء الدين، التي بشر منتخبيه بتحقيقها فور تحصله على ثقة الشعب –الذي يحبه حسب تعبير بن كيران- و التي ستخرج المغاربة من عيشة البؤس إلى حياة الرغد و السعادة و الكرامة.. اليوم، و بعد سنتين على تنصيب الحكومة في نسختيها، الأولى و الثانية، جاء من يذكرنا، و الذكرى تنفع المومنين كما يردد الثقاة على الدوام، بالعهد الذي بين الحزب الحاكم و الشعب المحكوم، و هو عهد حمل من الوعود ما يسود صفحة الإيمان في قلب المؤمن المتقي إن هو خالف الوفاء بها، و جاء هذه المرة من أهل الدار، أي من داخل الحكومة، و من وزير، تزعزعت دار "المخزن"، عندما ذكر اسمه في لائحة الوزراء التي تقدم بها رئيس الحكومة للملك لتعيينها قبل سنتين، خوفا من عنجهيته و بأسه في مواجهة، كانت افتراضية مع رموز الفساد داخل الدولة العميقة، مثلما عهد عنه، أيام المعارضة، عندما كان يصرخ على الدوام في وجوه سادة القوم، تحت قبة البرلمان، مبشرا بيوم تحاسب فيه كل الرقاب عن أعمالها، دنيويا قبل الحساب الرباني. إلا أن أيام المعارضة على ما يبدو، تبقى في المعارضة، فهي لا تزيد في شيء عن تلك المعروفة لدى التربويين بأيام المراهقة، التي يتجاوزها الفتى بعد بلوغه مرحلة الرشاد، كما يتجاوزها عند تقلد المسؤولية التي تفرض التنصل من المثاليات و التعامل مع الواقع بالمنطق العملي بعيدا عن العواطف، بعيدا عن المشاعر، بل بعيدا عن الإنسانية، أيضا، إن اقتضت الظروف و المصلحة؛ مصلحة الحزب قبل مصلحة المواطن و الوطن، طبعا. كثيرة جدا، هي الوعود التي وعد بها بن كيران و إخوانه في العدالة و التنمية ذو التوجه الإخواني، لكن قليلة جدا، إن لم نقل معدمة، وفاءاته بتلك الوعود المعسولة التي ظل ينثرها كما المزارع ينثر حبات القمح في الأرض المعطاء. و إن كان وزيره في العدل المفقود و الحريات المظلومة، المحامي السابق، الأستاذ مصطفى الرميد، قد رضخ أخيرا، مرغما لا مخيرا، مذعنا لواحد من المطالب التي رفعها القضاة منذ نزول حركة العشرين من فبراير إلى شوارع القرى و المدن المغربية، و هو مطلب مادي من بين مطالب أخرى إدارية، بعد تكتل قوي، و تهديد بتعميم الاحتجاجات في المحاكم المغربية و ما لذلك من انعكاسات قوية على قطاع واسع من المتقاضين؛ معنويين و مؤسسات، و بعد نشرهم في الصحافة الكتاب الذي وعد و وقع عليه وزير ما نسميه، تجاوزا، بالعدل و الحريات، رغم استمراره في التماطل بخصوص باقي المطالب. إلا أن الحكومة و باعتبارها جسد واحد إذا أصيب عضو منه بمرض، فان الجسد ككل، بالمفهوم الطبي يعتبر معتلا، خاصة بعد أن ينتشر الداء عبر الشرايين نحو باقي الجسد، و هذا ما حدث مع حكومتنا طيلة فترة حكمها، و هي ليومنا هذا تأبى الاعتراف بحالتها الصحية و بخطورة مرضها، و رغم كل الأصوات و الصراخات المتعالية و التحذيرات... فهي أيضا، ما تزال رافضة الاعتراف بخطورة هذا المرض على البلد ككل، و على مستقبل وطن يحوي 40 مليون نسمة؛ مستقبلهم و مستقبل أبناءهم و سبع أجيال من بعدهم يهدده خطر الأزمة و مخطط الهيكلة الذي يحضره البنك الدولي للمغرب، في إطار مساطر و إجراءات منح القروض، و التي ما لبت أن شرع رئيس الحكومة في جلبها لسد العجز الموازناتي في الخزينة. فبسبب مرض خطير يسميه العارفون ب "النفاق و الكذب المزمن" كان قد أصاب أعضاء الحزب الحاكم منذ سنين و لم تظهر أعراضه، و للأسف، إلا بعد تقلدهم مناصب حساسة، فان استقرار الوطن بات قاب قوسين أو أدنى من التفتت، و أمن المواطن الاجتماعي و الاقتصادي بات هو الآخر مهدد اليوم قبل الغد، أما الاقتصاد الوطني فهو و بحسب الأرقام الرسمية الوطنية و الدولية و حسب تحذيرات المنظمات الدولية و المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة وطنية رسمية)، فهو الآن، و بفضل سياسة الفشل المتبعة، قد أمسى هو الآخر في طريقه نحو الانهيار. و إن كان رئيس الحكومة إلى حد كتابة هذه السطور، يرفض الاعتراف بجريمته الاقتصادية و ما ترتب عنها من أضرار اجتماعية، و هي وصول الدولة إلى الإفلاس غير المعلن، على يده، و هي جريمة خطيرة، من المفروض أن يحاكم عليها أمام القضاء الإداري. فان واقع الحال و الحياة اليومية للمواطن و تهديدات النقابات بتفجير الوضع الراكد و بث الشلل التام، و حالة الاحتقان الاجتماعي، تؤكد بالدليل الملموس، أن استقرار البلاد أضحى مهددا، أكثر من أي وقت مضى؛ إذا لم تتخذ إجراءات استعجاليه، و إذا لم يقتنع السيد رئيس الحكومة، بما يفرضه عليه واجب المسؤولية، قبل منصبه الرفيع و الحساس، في هذه الظروف الهشة، من التزام بالمصداقية، و تحلي بالشجاعة لإعلان الحقيقة المرة، و هي" إفلاس الدولة"، ثم تقديم الاستقالة، و إفساح المجال للسلطة المركزية داخل مؤسسة الدولة لاتخاذ الإجراءات الاستعجالية و الاستثنائية لمواجهة خطر الأزمة المحدق. فإذا كان السيد مصطفى الرميد، قد وفى أخيرا، و لو بجزء من وعده، بتحقيق مطلب وحيد يتعلق بالزيادة في أجور القضاة من بين المطالب المرفوعة من طرف نادي قضاة المغرب، فان رئيس الوزراء، السيد عبد الإله بن كيران، هو الآخر ملزم أخلاقيا و سياسيا، بالوفاء و لو بوعد واحد من وعوده؛ ألا و هو الاستقالة، كما سبق و وعد الشعب المغربي عند تعيينه من طرف ملك البلاد، رئيسا للحكومة، مؤكدا أنه إذا ما رأى نفسه غير قادر على تفعيل برنامجه الانتخابي سيستقيل. و يبقى وعد الحر دين عليه، يا معشر الوزراء.