في مساء 29 غشت 2012، تجمع خمسة رجال في بستان لنخيل البلح خلف المسجد المحلي في قرية خشامر بجنوب اليمن الشرقي. وبعد لحظات قامت طائرة أمريكية تطيّر عن بعد، أو ما يعرف بالطائرات بدون طيار، بإطلاق 3 صواريخ "هيلفاير" على المجموعة. تسببت الغارة في قتل أربعة من الرجال على الفور، ناثرة أشلاءهم على الأرض، ولحقت هبّة الانفجار الناجم عن صاروخ رابع بالرجل الخامس وهو يزحف مبتعداً، فثبتته إلى جدار بعد أن فارقته الحياة. وصفت وزارة الدفاع اليمنية ثلاثة من الرجال بأنهم من أعضاء "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وهي الجماعة المسلحة التي تستوطن اليمن وتحارب الحكومة اليمنية، وتطلق عليها الحكومة الأمريكية صفة أنشط منتسبي القاعدة. قالت الوزارة إن الرجال قتلوا "وهم يقابلون رفاقهم". غير أن "الرفيقين" اللذين كانوا يقابلونهما لم يكن لهما ارتباط معروف بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل كانا بالأحرى عضوين مرموقين في مجتمعهما، هما سالم بن أحمد بن علي جابر، رجل الدين والوالد لسبعة أطفال، الذي طالما حمل في خطبه على الأساليب العنيفة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكان الآخر ابن عمه، وليد عبد الله بن علي جابر، أحد رجال المرور القلائل في القرية. قال أقارب الرجلين إن أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية الثلاثة المزعومين طلبوا مقابلة رجل الدين لأنه كان في خطبة الجمعة الأسبق قد وجه إدانة شديدة اللهجة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية في المسجد المحلي. انضم وليد جابر للاجتماع كاحتياط أمني. كانت غارة خشامر واحدة من ست هجمات عسكرية أمريكية غير معترف بها على أعضاء مزعومين في القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن، ويتولى هذا التقرير فحصها. تحمل كل واحدة من الغارات أمارات ما يسمى بالقتل المستهدف، وهو قيام إحدى الحكومات بقتل شخص معروف تحت غطاء قانوني ظاهرياً. خالفت اثنتان من تلك الغارات القانون الدولي الإنساني قوانين الحرب على نحو واضح، حيث أنهما لم تصيبا سوى مدنيين، أو استخدمتا أسلحة عشوائية عديمة التمييز. أما الحالات الأربع الأخرى فربما تكون قد خالفت قوانين الحرب لأن الشخص الذي تمت مهاجمته لم يكن يمثل هدفاً عسكرياً مشروعاً أو لأن الغارة تسببت في أضرار مدنية غير متناسبة وهما استنتاجان يتطلبان المزيد من التحقيقات. في العديد من تلك الحالات، أخفقت الولاياتالمتحدة أيضاً في اتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين كما تشترط قوانين الحرب. ولعل بعض الذين استهدفتهم القوات الأمريكية باعتبار أنهم إرهابيون مشتبه بهم لم يكونوا في الواقع يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة. فحيثما انطبقت قوانين الحرب، يمكن استهداف المقاتلين بالهجوم على نحو مشروع. أما الأشخاص الذين يرافقون الجماعات المسلحة النظامية أو يدعمونها، إلا أن أنشطتهم لا تتعلق مباشرة بالعمليات العسكرية، كأنشطة التجنيد أو الدعاية، فلا يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة. حيثما تصرفت الولاياتالمتحدة كطرف في النزاع المسلح بين الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن تحركاتها العسكرية تقع ضمن نطاق قوانين الحرب. وإذا لم يلب القتال بين الولاياتالمتحدة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية معيار النزاع المسلح فإن أية هجمات يجري تنفيذها في استقلال عن نزاع اليمن والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك بعض الهجمات الوارد تفصيلها هنا، تندرج تحت القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولا تسمح قوانين حقوق الإنسان باستخدام القوة المميتة إلا في وجود تهديد داهم لأرواح البشر. وبغض النظر عن الاعتبارات القانونية الدولية فإن الأدلة توحي بقوة بأن الغارات لم تلتزم بسياسات القتل المستهدف التي أفصح عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب في مايو/أيار 2013. إن تلك السياسات، التي تعكس نموذج أقرب لإنفاذ القانون منه للحرب، تنص على أن الولاياتالمتحدة لن تشن الغارات إلا على أولئك الأفراد "الذين يشكلون تهديداً داهماً للشعب الأمريكي"؛ وعند توافر "ما يقرب من اليقين بعدم تعرض مدنيين للضرر أو القتل"؛ وفي وجود الهدف. قال الرئيس أوباما أيضاً إن الولاياتالمتحدة "لا تشن غارات حين تمتلك القدرة على الإمساك بالإرهابيين الأفراد؛ فتفضيلنا دائماً هو الاعتقال والاستجواب والملاحقة القانونية". ورغم أن الهجمات المفصلة في هذا التقرير تسبق خطاب أوباما زمنياً، إلا أن البيت الأبيض قال في يوم الإعلان عن تلك السياسات إنها "إما معمول بها فعلاً أو سيجري العمل بها بمضي الوقت". اعترفت الحكومة اليمنية بأن اثنتين من الغارات الست الموصوفة في هذا التقرير قد أدتا إلى وفيات وإصابات في صفوف مدنيين. كما دفعت مبالغ مالية لعائلات بعض المدنيين المقتولين، لكنها أخفقت في صرف تعويضات مناسبة لكثيرين غيرهم. ولم تعترف الحكومة الأمريكية علناً بتورطها في أية غارة من الست، وبينما يقول مسؤولون أمريكيون إنهم يتعاونون مع السلطات المحلية لتوفير "تعويضات تعزية" للضحايا المدنيين، إلا أننا لا نعرف أية أدلة على قيامها بهذا في اليمن. وبصرف النظر عن مدى مشروعية غارات بعينها فإن وفاة العديد من المدنيين وغياب التعويض لمعظم العائلات قد أديا إلى تغذية الغضب والإحباط الشعبي في اليمن ضد الولاياتالمتحدة، على نحو يفيد القاعدة في شبه الجزيرة العربية دون شك. قال فيصل بن علي جابر، أحد أقارب رجل الدين ورجل المرور المقتولين في خشامر، "إننا نحن اليمنيون من ندفع ثمن‘ الحرب على الإرهاب‘. لقد علقنا بين الطائرة دون طيار من ناحية والقاعدة من الأخرى". القتل المستهدف تقدر منظمات بحثية أن القيادة الأمريكية المشتركة للعمليات الخاصة، وهي ذراع عسكرية شبه سرية، ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه)، قد قامتا بتنفيذ 81 عملية قتل مستهدف في اليمن، إحداها في عام 2002 والبقية منذ 2009. وتسببت غارات الطائرات بدون طيار أو الطائرات الحربية أو صواريخ "كروز" في قتل ما لا يقل عن 473 مقاتلاً ومدنياً، حسب إحصاءات متباينة. كما أجرت الولاياتالمتحدة المئات من عمليات القتل المستهدف، باستخدام الطائرات بدون طيار في المقام الأول، في باكستان، وعدداً صغيراً من تلك الغارات في الصومال. وبعد سنوات من الامتناع عن تأكيد تلك الغارات أو نفيها، بدأ الرئيس أوباما وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين في الاعتراف العلني ببرنامج القتل المستهدف في 2010. إلا أن الإدارة لم توفر سوى النزر اليسير من المعلومات عن الغارات الفردية، متذرعة بمخاوف على الأمن القومي. على سبيل المثال، لم تكشف السلطات الأمريكية عن عدد الغارات، ولا عدد المدنيين والمقاتلين المزعومين الذين قتلوا أو جرحوا فيها، ولا عن أهدافها، اللهم إلا باستثناءات محدودة. علاوة على هذا فإن التكييف القانوني الذي تستخدمه الإدارة لعمليات القتل هذه، والذي عرضت خطوطه العريضة في خطب و"ووريقات حقائق" مختلفة أصدرتها الحكومة في العامين الماضيين، كان يتسم بالقصور. أشاد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي علناً بحملة الطائرات بدون طيار الأمريكية في اليمن، لكن حكومته التزمت صمتاً يكاد لا يقل عن الصمت الأمريكي فيما يخص التفاصيل. دراسات الحالة أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقات في الغارات الست أثناء رحلتين إلى اليمن في 2012 و2013. تسببت تلك الغارات، التي تعود إحداها إلى 2009 والبقية إلى 2012 و2013، في قتل ما لا يقل عن 82 شخصاً، بينهم على الأقل 57 مدنياً. وقد تمت أربع من الغارات على الأقل بطائرات دون طيار، والخامسة بطائرات دون طيار أو بطائرات حربية، والسادسة بصواريخ "كروز" تطلق ذخائر عنقودية، وهي أسلحة عشوائية عديمة التمييز تمثل أخطاراً لا يمكن قبولها على المدنيين. ويقيم هذا التقرير مدى التزام هذه الغارات بقوانين الحرب، كما يدرسها من ناحية الأدلة الإرشادية التي أفصح عنها الرئيس أوباما في مايو/أيار 2013 بشأن عمليات القتل المستهدف. تبدو هذه الأدلة الإرشادية وكأنها تعكس القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يحظر استخدام القوة المميتة في مواقف إنفاذ القانون إلا عند الضرورة القصوى لحماية الأرواح. إضافة إلى غارة خشامر، يفصّل هذا التقرير الغارات التالية: • وصاب العالي، 17 أبريل/نيسان 2013: قامت طائرتان بدون طيار بإطلاق ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ من طراز "هيلفاير" على سيارة في وصاب العالي، وهي بلدة بمحافظة ذمار في وسط اليمن. تسببت الصواريخ في قتل رجل يشتبه في أنه من القادة المحليين للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو حميد الردمي، واثنين من حراسه. ويبدو أن الغارة لم تمتثل لخطوط إدارة أوباما الإرشادية لأنه كان بالإمكان على ما يبدو أسر الردمي بدلاً من قتله. كان الردمي من أبرز شخصيات وصاب العالي، فكان يتنقل جهاراً للتوسط في النزاعات بين السكان، ويقابل مسؤولين أمنيين وسياسيين بانتظام. ورغم ارتباطه بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية إلا أنه لا توجد أدلة على قيامه بدور في عمليات عسكرية، كان من شأنها أن تجعله هدفاً عسكرياً مشروعاً. • المصنعة، 23 يناير/كانون الثاني 2013: تسبب صاروخ أو أكثر من طراز "هيلفاير"، تم إطلاقها من طائرة دون طيار، في قتل جميع الأشخاص الأربعة الذين كانوا يستقلون شاحنة في قرية المصنعة مسافرين إلى بلدة سنحان القريبة، على بعد 20 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة صنعاء. كان اثنان من الركاب من أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية المشتبه بهما، بينما كان الآخران، السائق وابن عمه، مدنيين استأجرهما عضوا القاعدة المشتبه بهما لقيادتهما إلى سنحان. وبحسب الأهمية العسكرية لعضوي القاعدة في شبه الجزيرة العربية المستهدفين، يمكن أن تكون الغارة قد تسببت بموجب قوانين الحرب في ضرر غير متناسب للمدنيين. برأ وزير الداخلية اليمني ابني العم من أي ارتباط بالهدفين في خطاب لعائلتهما، لكن أقاربهما قالوا إنه لا الحكومة اليمنية ولا الأمريكية قد قدمت أي تعويض للعائلة. • قرية بيت الأحمر، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012: تسببت غارة طائرة بدون طيار في قتل المقدم عدنان القاضي، وهو ضابط في إحدى الوحدات المتميزة بالجيش اليمني وكان يشتبه في أنه من قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية المحليين في بيت الأحمر، وهي بلدة عسكرية تبعد 15 كيلومتراً عن صنعاء. أدت الغارة أيضاً إلى قتل أحد حراسه. وفي تناقض مع خطوط إدارة أوباما الإرشادية، توحي الأدلة بأنه كان من الممكن أسر القاضي بدلاً من قتله. كما لم يتضح قيامه بدور عسكري عملياتي لحساب القاعدة في شبه الجزيرة العربية. في أبريل/نيسان 2013 أصدرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقطع فيديو "يعترف" فيه صبي عمره 8 سنوات، محتجز مع أبيه الجندي، بأن بعض ضباط الجيش أوعزوا إليه بزرع أداة تعقب في سيارة القاضي. • قرية حمة صرار، 2 سبتمبر/أيلول 2012: بينما كانت طائرتان بدون طيار تحلقان، قامت طائرتان حربيتان أو طائرتان بدون طيار بمهاجمة سيارة تتجه شمالاً من مدينة رداع وسط اليمن. تسببت الغارة في قرية حمة صرار في قتل 12 من الركاب، بينهم 3 أطفال وسيدة حامل، في انتهاك للحظر الذي تفرضه قوانين الحرب على الهجمات التي لا تميز بين المدنيين والمحاربين. نجا السائق والراكب الثالث عشر. أما هدف الغارة الظاهري، الزعيم القبلي عبد الرؤوف الذهب، فلم يكن في السيارة، ولم يتضح ما إذا كان من أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية أصلاً. اعترفت الحكومة اليمنية بأن الغارة كانت خطأ، لكنها لم توفر لعائلات الضحايا سوى تعويضات محدودة طيلة شهور: 100 بندقية هجومية من طراز "كلاشنكوف" ومبالغ نقدية مقابل تكاليف الدفن. وفي يونيو/حزيران 2013 فقط، حين أثارت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى القضية مع الولاياتالمتحدة، قامت السلطات اليمنية بتعويض العائلات عن الوفيات. • المعجلة، 17 ديسمبر/كانون الأول 2009: ألقت البحرية الأمريكية ما قد يصل إلى خمسة صواريخ "توماهوك" عابرة للقارات ومسلحة بذخائر عنقودية على قرية المعجلة بمحافظة أبين الجنوبية. وصف مسؤولو الحكومة اليمنية الغارة بأنها غارة جوية يمنية قتلت 34 "إرهابيا" في معسكر للتدريب. وبحسب تحقيق الحكومة اليمنية، تسببت الغارة فعلياً في قتل 14 مقاتلاً مشتبهاً به للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بمن فيهم الهدف الأساسي الظاهري، محمد صالح الكازمي، لكنها قتلت أيضاً 41 مدنياً محلياً من المقيمين في مخيم بدوي، بينهم 9 سيدات و21 طفلاً. كما تسببت مخلفات الذخائر العنقودية فيما بعد في قتل 4 مدنيين إضافيين وجرح 13 آخرين. والأصح أن تعتبر الغارة مخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. ولكن حتى بقصر التحليل في نطاق قوانين الحرب فإن الهجمة استخدمت الذخائر العنقودية العشوائية عديمة التمييز، وتسببت في خسائر مدنية عشوائية وقد تكون غير متناسبة. لم تتلق العائلات أية تعويضات عن الوفيات أو الإصابات. لم يرد المسؤولون الأمريكيون أو اليمنيون على أسئلة مكتوبة من هيومن رايتس ووتش تتعلق بالحالات الست وبسياسات القتل المستهدف. اعترف مسؤول حكومي يمني مطلع على الغارات، وتحدث مع هيومن رايتس ووتش بشرط حجب هويته، بأن وضع الهدف من حيث انتمائه لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان في بعض الحالات يقع في منطقة رمادية: لم يتضح في بعض الحالات ما إذا كانوا قادة عسكريين بالفعل أم مجرد منفذين للهجمات. لكنهم يقومون بعمليات التجنيد جهاراً... وشن الغارات ليس أكثر المواقف أخلاقية [في بعض الحالات]. لكن إذا لم تضربهم، هل سيجندون المزيد؟ هذا هو الجدل الدائر. قال المسؤول إن الحكومة اليمنية ليس لها أي سيطرة تقريباً على أقسام كبيرة من اليمن، وبالتالي فهي "أضعف" من أن تقبض على الكثير من المشتبه بهم: "إن جهازنا الأمني في حالة من الفوضى... فماذا نفعل؟ الحل الأسهل هو أن نقضي عليهم". القانون الدولي والسياسة الأمريكية تتوقف مشروعية "القتل المستهدف" بموجب القانون الدولي على ما إذا كانت الهجمة قد أجريت أثناء نزاع مسلح أو أثناء عملية لإنفاذ القانون. ينطبق القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، أثناء النزاعات المسلحة بين دول أو بين دولة وجماعة مسلحة غير حكومية. وينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في كافة الأوقات، باستثناء ما تجبّه قوانين الحرب المحددة. ولا تسمح قوانين الحرب بشن هجمات إلا على المقاتلين الأعداء وغيرهم من الأهداف العسكرية. ويشمل المقاتلون أفراد الجماعات المسلحة المشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، لكنهم لا يشملون من يؤدون أدواراً غير عسكرية خالصة. ولا تعد كافة الهجمات المؤدية إلى وفيات أو إصابات مدنية منتهكة لقوانين الحرب بل فقط تلك التي تستهدف مدنيين، أو لا تميز بين المدنيين والمقاتلين، أو تسبب خسائر مدنية مفرطة بالقياس إلى المكسب العسكري المتوقع. وعلى أطراف النزاع اتخاذ كافة الخطوات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين، بما في ذلك عن طريق عدم الانتشار في المناطق كثيفة السكان. ويقع على الدول التزام بالتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لقوانين الحرب وملاحقة من تثبت مسؤوليتهم عنها جنائياً. أما في مواقف إنفاذ القانون، التي ينطبق عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، فلا يجوز استخدام القوة المميتة إلا كملجأ أخير حيث يوجد تهديد داهم ووشيك لأرواح البشر. ويبدو أن المعايير التي وضعتها إدارة أوباما لعمليات الهجوم المستهدف تعكس هذا التوجه المشابه لإنفاذ القانون، حيث تشترط أن يمثل الهدف تهديداً داهماً للولايات المتحدة، ولا يمكن القبض عليه على نحو معقول، ويمكن مهاجمته دون تعريض مدنيين للخطر. إلا أن الإدارة لم تقل إنها تتبنى توجهاً يتفق مع قانون حقوق الإنسان. واستخدام الطائرات بدون طيار لا يؤثر مباشرة في التحليل القانوني لأية هجمة بعينها، فتلك الطائرات التي يجري توجيهها عن بعد، وما تحمله من صواريخ وقنابل موجهة بالليزر، لا تخالف القانون. وعند استخدام الطائرات بدون طيار على النحو الصحيح فإن قدراتها المسحية العالية يمكن أن تساعد في تقليل الخسائر المدنية في العمليات القتالية. لكن عمليات الطائرات بدون طيار، كغيرها من الغارات الجوية، قد تلقى التعويق من رداءة المعلومات الاستخباراتية أو الإخفاق في تقليل مخاطر الإضرار بمدنيين. وحتى إذا كانت بعض الغارات الموصوفة في هذا التقرير لا تخالف قوانين الحرب، فإنها فيما يبدو تقصر دون المعايير التي وضعتها إدارة أوباما لتنفيذ عمليات قتل مستهدف. والهجمات التي لا تلبي لبية معايير الأدلة الإرشادية للسياسة الأمريكية من شأنها أن تخالف معايير إنفاذ القانون بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. أما انطباق نموذج الحرب على العمليات الأمريكية ضد القاعدة فهو موضع تساؤل متزايد. إن الأعمال العدائية بين دولة وجماعة مسلحة غير حكومية تعد نزاعاً مسلحاً حين يبلغ العنف عتبة حرجة، وحين تمتلك الجماعة المسلحة القدرة والتنظيم اللازمين للالتزام بقوانين الحرب. وقد تصاعدت الأعمال العدائية بين القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحكومة اليمنية إلى مستوى النزاع المسلح في السنوات الأخيرة. لكن هذا أقل وضوحاً فيما يتعلق بالأعمال العدائية بين القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحكومة الأمريكية. وهذا التمييز مهم من الناحية القانونية لأن الولاياتالمتحدة تؤكد أنها تنفذ عمليات ضد القاعدة و"القوى المرتبطة بها" لحماية المصالح الأمريكية، وليس لأنها طرف في النزاع بين اليمن والقاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي ظل هذا التكييف القانوني، لا يجوز للحكومة الأمريكية أن تطبق نموذج الحرب على عمليات مكافحة الإرهاب التي تجريها في اليمن إلا في وجود نزاع مسلح حقيقي بين الولاياتالمتحدة والقاعدة في شبه الجزيرة العربية. وإلا تعين على الولاياتالمتحدة التصرف بما يتفق مع المعيار الأعلى لاستخدام القوة بموجب معايير إنفاذ القانون المنطبقة والواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. إن القاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة غير الحكومية التي تعتبرها الولاياتالمتحدة "قوى مرتبطة بها"، من قبيل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تواصل تهديد المصالح الأمريكية، إلا أن الرئيس أوباما قد تبرأ منذ وقت طويل من نموذج "الحرب العالمية على الإرهاب". كما أن الطبيعة المتفرقة، والنطاق الصغير لأية عمليات ناجحة شنتها هذه الجماعات ضد أهداف أمريكية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، تقلل انطباق هذا النموذج أكثر وأكثر. فإذا واصلت الولاياتالمتحدة عمليات القتل المستهدف في اليمن دون معالجة عواقبها المتمثلة في قتل مدنيين، ودون تحمل مسؤولية وقائع القتل غير المشروع، فإنها تخاطر بإذكاء نيران الغضب لدى الكثير من اليمنيين، وتسليم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ورقة جديدة لتجنيد الأتباع. وقد أصدرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية، رداً على عمليات القتل، تصريحات تتهم الولاياتالمتحدة بخوض حرب لا ضد القاعدة فحسب، بل ضد جميع المسلمين. وقد نصب السكان حواجز على الطرق ونظموا مظاهرات هتفوا فيها بشعارات مناهضة للولايات المتحدة. كما أن مؤتمر الحوار الوطني اليمني، المكلف بصياغة خارطة الطريق السياسية والدستورية الجديدة للبلاد، قد دعا إلى عقوبات جنائية بموجب القانون الوطني على أي عمليات قتل مستهدف تخالف القانون الدولي. أما في خشامر فقد شاهد كل رجل وسيدة وطفل صور سالم ووليد جابر، رجل الدين وضابط الشرطة، بعد إصابتهما بالصواريخ المنطلقة من الطائرة بدون طيار. وتظهر في الصور جثتا الرجلين وقد تفحمتا وتناثرتا أشلاءً قال الأقارب إنهم تعرفوا على سالم جابر من عظام وجنتيه، وعلى وليد جابر من بقايا مسدسه وحزامه المزخرف. وقال قريبهما، فيصل جابر: "الآن حين يرى أهل القرية تلك الصور، فإنهم يفكرون في أمريكا".