صارت عادة البوهالي ولد حمدان كلما حار في فهم مشهد عبثي، ينثر عيون عينه المُرَكَّبة ثم ينتظر ما تحصد له من فتات المشاهد. لا مناص من فعل ذلك وإلا فهو حجم الواقع المخيف في عين مخلوق ضعيف. تخمة العبث البشري حتمت عليه تناول الشذرات من كل شيء. الفهم الجامع مستحيل لانعدام منطق ناظم، إلا أن يستحضر نظرية العوالم الممكنة المتداخلة فيفتحها في شكل ويندوزات متوازية يلج من واحدة لينسلك في ثانية ثم ثالثة. عساه يفهم شيئا من أحوال الناس. فإن كل واحد منهم في "ويندوز" لا تنفتح حتى تنغلق الأخرى وقد انفتحت عليه جميعها دفعة واحدة. وبعبارة أدق... في دَقَّةٍ واحدة. وهل كرَهْنا الفهم؟ بعد حيرة مصر، حار البوهالي ولد حمدان في أمر بلده. أواه. مصر أكبر دولة عربية لها حركة "تمرد" واحدة وفي المغرب اثنتان. للمغرب مثل حظ المِصْرَين. أو المصران؟ مثنى مصر مرفوع وليس المُصران. بضم الميم. حركة تمرد مصر اليتيمة قامت بما قامت به وكانت سندانا، وليس فقط سندا، لطَرْق حديد "الإخوان" قبل أن يبرد. لكنَّ الإخوان ليسوا سندانا بل سِنديانا. شجرٌ معمِّر طويل أمد الحياة. يموت مَن حوله ويمكث شامخا. وقد يموت ويبقى واقفا. وقد يكذب شجر الدردار ويُخلف موعده كما في المثل الفرنسي لكن السنديان شاهد على انقلابات…السنين. وقد تورق بعض أغصانه وهو ميت فيحيا. وقد يموت. لكنه قائم بحجة خافتة في دهر قاس. وقد يكون ميتا في ما يبدو للناس. وقد يفنى كل شيء غيرٍ عاقل وكل شاءٍ عاقل، صادق أو كاذب "ثم عند ربكم تختصمون". دعنا من سندان تصهره حرارة الميادين ومن مصر وسنديانتها اليتيمة في مأدبة اللئام. في بلاد البوهالي حركتا تمرد. الأولى تعلن أنها فنيق من حركة عشرين شباط، عفوا عشرين فبراير. ما لي ولفبراير التقويم السرياني. مساكين السريان كان لهم شباطهم. يقولون شباط ما عليه رباط. شهر خديج أو كبيس. والثانية ربيبة حزب الأشقر العتيد. أشقر أو أشجر أو أشغر؟ ربما من الشغور والفراغ وما يُغَمغم يُقمْقم ويُجَمجم بجيم عادية او جيم مصرية. ماذا تريدان؟ حركتا تمردان مغربيتان. الإطاحة بما هو أصلا طائح ومطاح ومُطوَّح به تطويحا منذ توليه؟ وما أكثر الطوائح والمطبات أمام أي ديمقراطية تأتي ب"الإسلاميين". مع تحفظي على الاسم لأن الإسلامي في تراثنا المغربي هو الكتابي المعتنق للإسلام. السّْلامِي والسّْلامية. ولكن لا مُشاحَّة في الإصطلاح ما دام الإبداع واردا وما دام المسمى معروفا وما دام لسان حال السياسة العربية يقول لهم "وراكم معروفين!" في إحدى حلقات سندباد كان للبَحَّار الصغير مغامرة في إحدى الجزر مع أربعة من المردة. كل مارد يمثل عنصرا من العناصر الأربع. زيادة على مارد آخر ليس من العناصر ولكنه أهمها على الإطلاق في زمننا الحاضر. مارد الثلج، والثلج من عنصر الماء. ومارد النار. ومارد التراب. ومارد من هواء في شكل ريح وعواصف. والخامس الحاسم في معادلاتنا العربية. مارد الزيت الأسود. في مصر التقت مصالح تمرد مع مارد الزيت الأسود في رَبع الجزيرة الخالي العالي المتطاول في البنيان. ونجم شرطة الزيت الأسود يقول أن الإخوان عدو أخطر من إسرائيل. سينضب زيت العرب الأسود ولم يكن قط أداة لحل قضيتهم المصيرية. فلسطين ولا لإنقاذ القدس. وهل كرهنا...الفهم؟ وفي بلادنا؟ كيف سيكون الحال يوم 17 غشت سواء أتحالف التمردان أم تنافرا أم تحالف كلاهما مع مارد الزيت الأسود أم تحالف معه أحدهما دون الآخر. أو الآخر دون الأحد. والأحد يوم عطلة. ربما لا حاجة لهما في التحالف أصلا مع مارد الزيت الأسود لأنه تحالف سيكون يومها بدون موضوع. قد يكون يومئذ بن كيران رئيسَ حكومة سابق أو مخلوع بعد الاستقالات أو الاستقلالات الاستقلالية المتوالية. ستحلو رؤيته في اليويتيوب وهو يصرخ في وجه العفاريت والتماسيح على قناة ناشيونال-هسطوريك. هكذا. كان يا ما كان في حاضر الزمان وراهنه... حين يتابع البوهالي برنامج كاميرا خفية مغربي يسبب له هو أولا فضلا عن المسكينِ ضحيةِ الحلقة مرض بوصفير الرُّعَابي، يقول يا ليت المغاربة يتركوا الكاميرا. وحين يتابع البوهالي مباراة كرة قدم مغربية يكون فيها اللاعب منبهرا بخصمه مسلما له بالفوز المسبق البديهي بدل أن يقاتله كرويا في الميدان وتنتهي النتيجة بثمانية "بيوت" في يوم الثامن من رمضان، يقول البوهالي يا ليتنا نترك الكرة وشأنها. ويحمد البوهالي الله أن لم تكن المباراة ليلة السابع والعشرين. وحين يتابع البوهالي السجال والشجار داخل المؤسسة الدستورية الكبرى يقول يا ليتنا نترك السياسة. ونشتغل بماذا؟ يتساءل البوهالي. أضروري أن تكون هناك أحزاب وحكومة وبرلمان؟ أليست السياسة أصلا تدبيرا وحكامة جيدة؟ ألا يكفي الموظفون في الوزارات لتسيير الدواليب؟ ما إضافة كل وزير وزير؟ حقيبة وزارية في سيرة حزبه المهنية؟ ألا تضحي الحسابات الحزبوية بكل شيء مقابل فوز انتخابي يستشيط بسببه الخصم السياسي غضبا أن سُحِب البساط من تحته ثم تستعر الحرب الضروس هدرا لزمن البلاد والعباد ومقوماتها؟ حتى في الديمقراطيات العريقة... حين سمع البوهالي بحركتي تمرد المغربيتين قال يا ليتنا نترك التمرد ونتعاطى التمريض. إننا مرضى يا قوم، متقابلين على أسِرَّة مصطفة على مد البصر في مارستان شاسع كبير عائم على امتداد أرض الثورات العظمى أو أرض الإصلاح العظيم. ألا فليرفق كل مارستاني بجاره المارستاني مثله. ثائرا كان أم مصلحا... أم متمردا. ريثما يكتمل عقل الجميع...أو تقوم قيامة تيهنا في الأرض!