بالنظر إلى واقع الموقف التفاوضي المغربي قبل وبعد القرار الأممي الأخير رقم 2099 حول الصحراء نلحظ معالم نكسة دبلوماسية رسمية واضحة، يجسدها تقدم الحليف الاستراتيجي والتاريخي للملكة المغربية في قضية الوحدة الترابية الولاياتالمتحدةالأمريكية بمقترح خلق جهاز أممي مستقل لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. إن تقدم الولاياتالمتحدةالأمريكية بمبادرتها هاته من دون مشاورات مع المغرب يكشف أن قنوات التواصل مع المغرب شبه منقطعة رغم التوقيع بواشطن بين هيلاري كلينتون ووزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني على الحوار الاستراتيجي الأمريكي المغربي. تراجع التواصل المغربي الأمريكي جسده عدم تبادل المكالمات الهاتفية بين الملك محمد السادس وباراك أوباما اللهم المكالمة الوحيدة بينهما خلال الأيام القليلة أي مباشرة بعد سحب الولاياتالمتحدةالأمريكية لمبادرتها الحقوقية وصدور القرار الأممي الأخير بالصيغة التي عليها اليوم. معالم تراجع الدبلوماسية المغربية تجسدت أيضا في كونها تفاجأت بالمبادرة الأمريكية على الرغم من أن المغرب عضو بمجلس الأمن الدولي، أي أن الدبلوماسية المغربية علمت بالقرار كباقي الأعضاء، عنصر المفاجأة في تحرك الدبلوماسي المغربي وتداعياته أيضا وهو ما أورده كريستوفر روس في إفادته أمام مجلس الأمن الدولي يوم 22 أبريل 2013 حين يقول: "كان الملك محبطا ومتأسفا كثيرا، وكان قد سمع بهذا الخبر للتو". معالم تراجع قوة المغرب في شبكة العلاقات الدولية كشفه إستبعاد باريس رفع الفيتو في وجه القرار الأمريكي على الرغم من علاقاتنا الإستراتيجية مع فرنسا، ورغم استقبال المغرب بعد أيام على القرار الأمريكي في استقبال رسمي كبير تم خلاله التوقيع على حوالي 19 اتفاقية بين البلدين. وبناء عليه، فإن الدبلوماسية المغربية واحتفلت بالقرار الأممي الأخير من دون توسيع صلاحيات بعثة المينورسو، فإن ذلك لم يكن أن يتأتي من دون الالتزام بتعهدات مجحفة للموقف التفاوضي المغربي درءا لتداعيات سياسية لها ما بعدها على حد قول رئيس البرلمان الجزائري مؤخرا. كما أن سحب المبادرة الأمريكية لا يعني أنه تم استبعادها بصورة نهائية، بل إنها تعد تمديدا زمنيا أمام المغرب لتحسين حقوق الإنسان في الصحراء، وقد وردت هذه العبارة بشكل مركز في القرار الأممي 2099 حين ينص "على ضرورة تحسين وضعية حقوق الإنسان في الصحراء في مخيمات تندوف"، وحث الأطراف "على التعاون مع المجتمع الدولي لوضع وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان". تضاءل الحضور المغربي على المستوى الدولي، يبرز واضحا في انتقاص شخصيات مصرية اليوم على دور لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس، واقع يترجمه التحرك الملكي في الجولة الخليجية قبل شهور، وجولته الأخيرة في محاولة لاستعادة هيبة الدبلوماسية المغربية. إن المصادقة على القرار الأممي الناسخ لمقترح القرار الأمريكي واستبعاد اعتراض فرنسا على ذلك بورقة الفيتو كشف عن هشاشة التحالف الاستراتيجي الدولي لشبكة علاقات المغرب، وفشل بنية دبلوماسيته التي عاشت على وقع الصدمة لما اقترحت أمريكا قرارا ضد حليفها الاستراتيجي المغرب. وعلى الرغم من سحب القرار الأمريكي إلا أن القرار الناسخ تبقى له تداعيات جيوسياسية خطيرة جدا على المغرب، ومنها تهديد توازنه في معادلة الصراع الإقليمي لصالح الجزائر، والإضرار بوضعه الجيوسياسي إفريقيا، في حين يمنح الجزائر امتيازا في طموحاتها بالهيمنة على المنطقة المغاربية ويضمن لها نفوذا مجاليا وجيوسياسيا على المستوى الافريقي. وبناء على ما سبق فإن هذا القرار يهدد الأمن القومي للمغرب شئنا أم أبينا، سيما وأن تداعياته تهدد عناصر القوى السياسية والسيادية للمغرب بما فيها هيبة القوى الأمنية والقوى العسكرية والقوى الفكرية والدينية في المنطقة. واقع الحال هذا يكشف عن ملامح مستقبل سياسي تتراجع فيه قيم الوحدة والاجماع المغربي بخصوص قضايا الوحدة الترابية والكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، لاسيما أن المغاربة يستشعرون الكثير حيال القضية الوطنية الأولى، المربوطة كما قال الحسن الثاني ببنية العرش. وكذا لما كلفت المغاربة من التعبئة المادية والبشرية والسياسية والأمنية والعسكرية. إن التراجع عن قرار توسيع صلاحيات المينورسو ليس تراجعا نهائيا، وهو ما يفيد ببداية تشكيل ملامح جديدة للوضع السياسي للأقاليم الصحراوية تتجاوز وضعها السياسي والتاريخي الخاص، في افق تنميطها بمضمون سياسي دولي يجعل منها منطقة نزاع دولي. وبناء عليه، فإنه يتوقع أن لا ينتج عن المفاوضات التي يستعجلها مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير 2099 الصادر في 25 أبريل 2013 بنيويورك أي حل لنزاع الصحراء، ذلك لأن إطالة أمد النزاع يصب في صالح الجزائر وتنظيم البوليساريو، في انتظار ربح مكاسب حقوقية بزيادة الضغط على المغرب دوليا واقليميا. وعلى العموم يبقى أمام الدبلوماسية المغربية الكثير من المعطيات القوية لدعم موقفه التفاوضي في الصحراء، حيث أكد روس على وجود كثافة سكانية جد مهمة من المؤيدين لمقاربة الحكم الذاتي، منبها إلى أن حالة التدبير الفاشل المتواصلة في أقاليم الجنوبية ستزيد من شدة الاحتقان الاجتماعي الذي يتصيده انفصاليو الداخل للخروج به نحو مظاهرات سياسية تطالب بالإنفصال عن المغرب. وللمغرب أيضا إمكانية لاحتواء التظاهرات على قلتها عبر إصلاحات تستهدف الحكامة الجيدة في تدبير الشأن المحلي، وتطبيق مبدأ الإشراك والمشاركة نحو تحقيق عدالة اجتماعية، لاسيما أن دوافع المظاهرات لا تعدو أن تكون نكاية بحالة الفساد في التسيير وانعدام العدالة الإجتماعية، بدليل أن مطالب العديد منهم للمبعوث الشخصي كريستوفر روس جد محدودة منها المطالبة بحياة أفضل وإشراكهم في المفاوضات على المستقبلهم بشكل معقول، وكذا المطالبة بتطبيق الحكم الذاتي بضمانات أممية. وعليه فإن للدبلوماسية المغربية الكثير من الدفوعات لإضعاف البوليساريو التي لا زالت تعارض العديد من القرارات الدولية، حيث أعادت التأكيد على مواصلة تعنتها، حينما رفضت حوارا شاملا بين سكان الصحراء لتحديد مستقبلهم، وكذا بعد التأكيد على رفضها طلب روس بشأن التسجيل الفردي للاجئين.