ذكرت جريدة الشرق الأوسط في عددها ليوم الجمعة 8 يونيو أن أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط في المغرب رسم صورة قاتمة للأوضاع الاقتصادية في البلاد، مع توقعات متشائمة خلال هذه السنة، حيث دعا إلى ضرورة إعادة النظر في النموذج التنموي المتبع والإسراع في إطلاق إصلاحات هيكلية بهدف تطهير المالية العمومية، وإعادة النظر في برمجة وتخطيط الاستثمارات الحكومية، والقطيعة مع اقتصاد ووضعيات الريع لصالح تعبئة جيدة للادخار والاستثمار المنتج، وملاءمة النموذج الاستهلاكي للمجتمع المغربي مع واقعه الاقتصادي. وتتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يهبط معدل النمو الاقتصادي في المغرب خلال هذه السنة إلى 2.4 في المائة، كما تتوقع استمرار تراجع تحويلات المغاربة المهاجرين، واستمرار تفاقم العجز التجاري مع الخارج ليصل إلى 16.3 في المائة خلال العام الحالي، واستقرار عجز الميزانية الحكومية في مستوى 5.2 في المائة. وتوقعت أن ينزل حجم الاحتياطي من العملات الأجنبية خلال هذه السنة إلى ما يعادل قيمة 3.9 أشهر من الواردات مقابل 5.2 في السنة الماضية. وأشارت المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة دستورية مستقلة عن الحكومة، في تقريرها عن تقديرات النمو الاقتصادي خلال العام الحالي وتوقعات العام المقبل، أن النموذج التنموي المعتمد من طرف المغرب، والمرتكز على إنجاز استثمارات ضخمة، خصوصا في برامج البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، أدت إلى تفاقم متواصل لعجز الميزان التجاري وعجز الميزانية. ونتج عن هذا العجز تدهور مستمر للقدرات التمويلية للمغرب لدرجة أصبحت معها معدلات الحاجات التمويلية للنموذج التنموي المغربي غير قابلة للتحمل حسب تقديرات سنة 2012 وتوقعات سنة 2013، وذلك رغم المحدودية النسبية لمديونيته الخارجية (25% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2011) مما يقلص بكيفية ضاغطة هوامش السياسة المالية والنقدية للحكومة. في سياق دولي يتسم بوضعية اقتصادية ومالية وسياسية صعبة ويصعب التنبؤ بتطوراتها. وأضاف التقرير أن إشكالية قابلية استمرار النمو الاقتصادي في المغرب أصبحت اليوم مطروحة بحدة، ولم يعد من الممكن تجنب إصلاحات بنيوية من أجل مواجهتها. ودعا أحمد الحليمي خلال تقديم التقرير أول من أمس في الدارالبيضاء إلى ضرورة إطلاق حوار وطني شامل حول قضايا النمو الاقتصادي وتوزيع نتائجه بين مختلف الشرائح الاجتماعية، والوصول إلى توافقات وطنية جديدة حول توزيع الموارد بين الاستهلاك والاستثمار، وتوزيع الاستثمارات بين البرامج التنموية ذات المردود البعيد المدى وتلك التي تعطي تمارها في الأجل القريب، وكذلك حول أنماط وعادات الاستهلاك التي يجب أن تكون أكثر رشدا وأكثر واقعية. وقال الحليمي: «من غير المعقول أن يستمر بعض المغاربة في صرف أموال طائلة في شراء السيارات الفارهة في زمن الأزمة. كما أن علينا أن نعيد النظر في كيفية التنقل، والاعتماد أكثر على وسائل النقل الجماعية بدل السيارات الخاصة». وأضاف الحليمي: «علينا أن نستفيد من خصوصيات المرحلة الحالية التي تعرف إصلاحات وتحولات سياسية عميقة من أجل أن نفتح أمام بلادنا، من خلال حوار ديمقراطي واسع، حقبة توافق وطني جديد يعتمد على نظرة مستقبلية للصالح العام وتبنٍّ جماعي لنموذج تنموي تكون فيه تحملات التنمية وفوائدها موزعة بشكل عادل». وتوقعت المندوبية السامية للتخطيط استمرار تفاقم الاختلالات التي يعرفها الاقتصاد المغربي، والتي تجعل الجزء الكبير من الجهد الذي يبدله سواء من حيث الاستثمار أو الاستهلاك لا ينعكس على معدل النمو الاقتصادي بسبب اعتماده الكبير على الواردات. ويقول الحليمي: «كلما استهلك المغاربة أو استثمروا يضطرون إلى الاستيراد بسبب نقص الإنتاج المحلي ومحدوديته، لذلك فبدل أن يشكل الاستهلاك والاستثمار محركات لعجلة نمو الاقتصاد الوطني فإن المستفيد منها هي اقتصادات البلدان التي نستورد منها. بسبب الاختلال في نموذجنا التنموي فنحن نساهم في خلق فرص التشغيل في تلك البلدان التي نستورد منها بدل خلقها عندنا. لذلك أصبح المفروض علينا أن نعيد النظر في هذا النموذج».