أدت الثورات العربية في دول المغرب العربي ووصول الإسلاميين إلى السلطة إلى فتح نافذة، يحاول الرئيس التونسي المنصف المرزوقي النفاذ منها، من أجل إحياء الإتحاد المغربي العربي، إلا أن الخبراء يرون أن الجزائر قد تشكّل حجر عثرة في وجه هذا المسعى. بدأ الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي في تحريك عجلة "قطار المغرب العربي"، من خلال الجولة التي يقوم بها إلى دول المنطقة. شملت هذه الجولة كل من موريتانيا، والمغرب والجزائر، حيث أعلن المرزوقي أن تونس ستحتضن في القريب العاجل أعمال القمة المغاربية المقبلة. وتتطلع شعوب المنطقة إلى عودة الحياة إلى رفات "المرحوم" اتحاد المغرب العربي، الذي رأى النور، في يوم 17 شباط/ فبراير من سنة 1989، بعدما وقّع آنذاك زعماء الدول المغاربية الخمس، في مراكش معاهدة ميلاده. ويرى مراقبون أن صعود الإسلاميين إلى الحكم في كل من تونس والمغرب، وسقوط نظام القذافي في ليبيا، سيساهم في تعبيد الطريق من أجل عودة الروح إلى الاتحاد. وصرّح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض في مراكش إدريس لكريني ل"إيلاف" إن "اقتصار زيارات المرزوقي على المنطقة المغاربية ينطوي على بعد مهم، يتمثل في الاتجاه نحو دعم بناء الاتحاد، وأعتقد أن هذا المطلب يجد مجموعة من المبررات التي تدعمه". وأوضح إدريس لكريني أن "هناك تكلفة كبيرة تترتب على عدم تفعيل آليات اتحاد المغرب العربي، ومنها التكلفة الاقتصادية، التي تتزايد مع هروب الرساميل المغاربية إلى دول أخرى، إلى جانب عدم دخول حتى الرساميل الأجنبية إلى هذه الدول، نتيجة مجموعة من الاعتبارات المرتبطة بالثقة، وعدم فتح هذه الأسواق وغيرها". وبيّن أستاذ العلاقات الدولية أن "هناك مجموعة من المعاملات الاقتصادية والتجارية بين الدول المغاربية تتم، في كثير من الأحيان، عن طريق طرف ثالث، وهذا يجعل الدول المغاربية تخسر حوالى 2 في المائة من الدخل العام، نتيجة اعتماد هذه الطريقة". وأشار إلى أن "تونس بدأت تستفيد من التضحيات، ودخلت المرحلة الثانية من البناء، خصوصاً بعد الانتخابات، وحدوث نقاش مجتمعي متنوع، شاركت فيه مجموعة من القوى". وأضاف الخبير المغربي "يبدو أن الرئيس التونسي يضع نصب عينيه تفعيل هذا الاتحاد، وتجاوز المعضلات والمشاكل أو الإكراهات التي تقف دون تطويره، حتى لا يكون في مستوى التكتلات الدولية الرائدة". ورغم الثقة التي تملأ قلوب الإسلاميين من النجاح في مهمة تذويب الخلافات، إلا أن انتباه "الصناع الجدد للقرار" يبقى مشدوداً نحو الجزائر، حيث يمكن أن يؤدي صعود الإسلاميين فيها إلى تسهيل مهمة إخراج الاتحاد من جموده في أقرب فرصة. في هذا الإطار، أكد سعيد الكحل، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، ل"إيلاف" أن "التصريحات التي صدرت من التنظيمات الإسلامية المغاربية، خاصة التي تقود الحكومة في تونس والمغرب وليبيا، تفيد بتشبثها باتحاد المغرب العربي، كإطار سياسي، وسعيها إلى تفعيله بعد الجمود أو الموت السريري، الذي يوجد عليه منذ 1994، تاريخ الاعتداء الإرهابي في مراكش، الذي تورّط فيه جزائريون". إلا أن تفعيل الاتحاد المغاربي، بنظر سعيد الكحل "ليس رهين نوايا، بل تتحكم في تفعيله عوامل سياسية، ترجع بالأساس إلى الموقف العدائي، الذي تتخذه الجزائر من الوحدة الترابية للمغرب. واعتبر أنه "طالما لم تغير الجزائر من موقفها العدائي تجاه الوحدة الترابية للمغرب، فإن كل محاولات إحياء الاتحاد وتفعيل دوره ستبوء بالفشل، إذ إن فوز الإسلاميين في المغرب وتونس لن يكون له أي تأثير، طالما أن ظل العسكر في الجزائر هو المتحكم في اللعبة السياسية". وأوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أنه "لا يمكن للجزائر أن تغير من موقفها العدائي تجاه المغرب إلا في حالتين اثنتين". الحالة الأولى تتمثل في "فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية والرئاسية في الجزائر، بما يمكنهم من الوصول إلى رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وفي هذه الحالة لن يتمكن العسكر من فرض خياراته على الإسلاميين". إلا أنه رأى أن هذا الاحتمال تبقى فرص نجاحه "ضئيلة"، مضيفًا أنه "قد يفوز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، لكنهم لن يفوزوا برئاسة الجمهورية لسبب بسيط، هو أن الجيش الذي يعطيه الدستور الجزائري حق التصويت في الانتخابات الرئاسية، يشكل كتلة ناخبة مهمة، ومتحكم فيها، تحسم مسبقًا الفائز في الانتخابات الرئاسية". أما الحالة الثانية، ف"تكمن في تدخل المجتمع الدولي للضغط على الجزائر من أجل قبول المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، نظرًا إلى المخاطر التي باتت تشكلها مخيمات تندوف على الأمن الإقليمي، بسبب تزايد مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة، بعدما تأكد الجانب الدولي من تورّط عناصر البوليساريو في أعمال إرهابية بتنسيق مع فرع القاعدة في المغرب الإسلامي". وشدد سعيد الكحل على أن دون هذين الاحتمالين "لن تعرف حالة الاتحاد المغاربي أي تغير، بسبب تشدد موقف الجزائر، وقد أدرك الرئيس التونسي المرزوقي هذه الحقيقة، وأعلن أن الجزائر هي العائق في وجه إحياء اتحاد المغرب العربي". يشار إلى أن الخلاف بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء يشكل حجر عثرة في وجه بناء اتحاد المغربي العربي، علمًا أن الرباط وجّهت في أكثر من مناسبة دعوة إلى الجزائر من أجل فتح الحدود البرية.