صدم ربيع الثورات العقل العربي، فانطلق يتساءل عن أسباب الاندلاع المفاجئ لهذه الثورات وعن مآلاتها، في محاولة منه لتفسير هذا المد الاحتجاجي العارم الذي انطلق من تونس ولم يتوقف حتى الآن. هذه الأسئلة حاول الإجابة عنها جماعة من المفكرين، اشتركوا في ندوة نظمت بالعاصمة المغربية الرباط نهاية الأسبوع الماضي تحت عنوان "الربيع الديمقراطي العربي.. الحال والمآل". وأشرف على هذه الندوة أعضاء من وفد المنتدى العالمي للوسطية، هم الإمام الصادق المهدي من السودان والمهندس مروان الفاعوري والدكتور محمد الخطيب من الأردن والمحامي منتصر الزيات من مصر ومحمد طلابي من المغرب. واتفق المتدخلون أثناء الندوة على ثلاث خلاصات أساسية هي أن الثورة لا مفر منها في العالم العربي، وأنها ستنتهي ببناء دولة حديثة، وسيتولى التيار الإسلامي قيادتها في نهاية المطاف. قال رئيس حكومة السودان السابق الإمام الصادق المهدي إن "الصحوة الديمقراطية العربية" قد انطلقت و"ستجتاح الملكيات والجمهوريات" على حد سواء. والسبب في نظر المهدي هو أن الشعوب العربية لديها مظالم مشتركة، عبارة عن سلطان متحكم واقتصاد ظالم، وإعلام "طبال"، وأنظمة تستقوي بالخارج، كما أن لديها أيضا تطلعات مشتركة هي رغبتها في حكم رشيد واقتصاد يكفل المعيشة للجميع وعدالة اجتماعية وسلام عادل وعلاقة ندية مع الآخر، أي الغرب. ويضيف أمين سر المنتدى العالمي للوسطية محمد الخطيب من الأردن سببا آخر لاندلاع الثورات سماه ب"تحالف السياسة والثروة" الذي أدى إلى وجود الغنى الفاحش مقابل الفقر المدقع في العالم العربي. وحسب الخطيب، فإن الشعب العربي ثار في وجه حكامه لأنه لم يشعر يوما بالاستقلال، واستقر في وجدانه أن الاستعمار الذي قسم العالم العربي إلى دويلات ترك خداما له فيها. لكن الأمين العام لمنتدى الوسطية مروان الفاعوري يقول إن "الأنظمة الملكية كانت أكثر ذكاء" في معالجة أسباب الحراك الشعبي كما حدث في المغرب والأردن وغيرهما، في حين أن "الجمهوريات كانت أكثر غباء" لأنها تجاهلت الحراك. وانتهى المفكرون إلى خلاصة ثانية مفادها أن الربيع الديمقراطي العربي سينتهي حتما إلى إرساء قواعد دولة مدنية حديثة. ودعا المحامي المصري منتصر الزيات كل التيارات الفكرية والسياسية إلى إطلاق حوار مجتمعي حقيقي من أجل تشييد قواعد هذه الدولة. وسيكون من مهام هذه الدولة ضمان حقوق الأقليات وخدمة المواطنين ودعم الطبقات الفقيرة والرفع من الحد الأدنى للأجور وترسيخ حرية الإبداع والفنون والآداب. وبالنسبة لمدير مجلة الفرقان محمد طلابي من المغرب، فإن بناء مثل هذه الدولة المدنية يتطلب سنوات عديدة، وستتم في إطار تفاعل دائم بين إنتاج وإعادة إنتاج السلطة والثروة والقيم والكرامة الآدمية. ويرى أن الدولة الجديدة ستقوم على "الجهاد المدني" بعدما حاولت تيارات في السابق بناءها ب"الجهاد المسلح"، مستخلصا أن كل التيارات التي حاولت التغيير عن طريق العنف مآلها إلى زوال بما فيها تنظيم القاعدة. وذهب المتدخلون في خلاصتهم الثالثة إلى أن المستفيد الأكبر من ربيع الثورات العربي هو التيارات الإسلامية بصفة عامة بما فيها الاتجاه السلفي. وقال الفاعوري إن على هذه التيارات أن تتصالح فيما بينها، ومطلوب منها الآن أن تتحد في بناء الأوطان وأن تبتعد عن الإقصاء المتبادل الذي عانت منه طويلا. ورأى أن عليها أن لا تختزل الإسلام في تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود، كما أن على التيار العلماني في المقابل أن يقبل بقيادة الإسلاميين للربيع العربي وأن لا يقلب الطاولة عليهم محاولة منه لخلط الأوراق. ونصح الزيات بدوره الإسلاميين، سواء من تقلدوا السلطة منهم ومن هم في طريقهم إليها، أن يقبلوا بالتعددية وأن يتدربوا على قبول فكرة الرأي الآخر. وذكر الزيات الإسلاميين بأنهم انتقلوا من "رحاب الدعوة الواسعة إلى تصرفات الدولة المسؤولة"، فعليهم إذن أن يوفروا الحرية لغيرهم كما استفادوا هم منها في السابق. ومن جهته، يرى الخطيب أن التيارات الإسلامية بالرغم من أنها نجحت على مستوى صناديق الاقتراع، فإنها لم تنجح بعد في مسك دفة الحكم والدولة بشكل كامل. وبدا الباحثون أكثر تفاؤلا بالنسبة لمآل الربيع العربي، فتنبأ الصادق المهدي ب"نهضة وطنية وقومية جديدة" ستتبعها "وحدة إسلامية" تحقق "أشواق الشعوب". ومع ذلك لم ينكر المفكرون تخوفهم من كون المنطقة العربية مرشحة للدخول في حالة فوضى عارمة، إذا نجحت القوى المتضررة من الإصلاح في إحداث صراعات جانبية لتحويل الربيع العربي إلى خريف.