كان خفض درجة التصنيف الائتماني ضربة لموقع فرنسا في اوروبا تبدو معها مشكلة أكثر منها قوة قائدة في القارة رغم ان الخفض كان متوقعا. ويجعل التخفيض من الأصعب على فرنسا ان تدعي بأنها ند المانيا في قيادة الاتحاد الاوروبي الذي خضع تقليديا لهيمنة الشراكة الفرنسية الالمانية. وهذا بدوره سيجعل من الصعب على فرنسا وايطاليا واسبانيا ان تتحدى وصفة المانيا التقشفية للدول الثلاث وان تطالب بسياسات تدفع عجلة النمو من البنك المركزي الاوروبي. وكان خفض درجة التصنيف الائتماني ضربة سياسية ايضا لفرص ساركوزي في الانتخابات القادمة. وتبين استطلاعات الرأي ان هموم الناخبين تتركز على حجم مديونية فرنسا وغلاء المعيشة والبطالة وانعدام الأمن الاقتصادي عموما. ولا يفوُّت منافسو ساركوزي فرصة لتحميله مسؤولية هذه المشاكل ، حقا او باطلا. واعلن المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند المتقدم في الاستطلاعات ان سياسات ساركوزي هي التي خُفضت درجتها الائتمانية وليس فرنسا واصفا سجل ساركوزي بالكارثة. ولكن هولاند لم يقل شيئا يُذكر عن خططه هو لمعالجة هذه المشاكل. ويقول ساركوزي ان الأزمة المالية العالمية في عام 2008 هي المسؤولة عن هذه المشاكل ولكن الاقتصادي والمؤرخ نيكولا بافريز يؤكد ان المشكلة هي النموذج الاقتصادي والاجتماعي الذي لم تعرف فرنسا سواه منذ ثلاثين عاما. ويشير بافريز الى ان ثلثي النمو الاقتصادي تقريبا اعتمد على الاستهلاك الممول في جانب منه من التحويلات الاجتماعية التي كانت بدورها تمول من الدين العام الذي ارتفع الى 86 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 2011 بالمقارنة مع 20 في المئة عام 1980. وتنصب الانتقادات الموجهة الى ساركوزي على تخلفه عن تنفيذ وعده بتحديث الاقتصاد وتواضع ما حققه في مواجهة المعارضة السياسية والنقابية ما عدا تأخير سن التقاعد. ومن المستبعد ان يبدي الاشتراكيون شجاعة أكبر إذا فازوا في الانتخابات باصلاح النظام الضريب والسياسة الاجتماعية اصلاحا جذريا وليس شكليا كما هو متوقع منهم. وأصبحت ازمة اليورو والديون السيادية التي ادت اليها بمثابة سجن سياسي للرئيس ساركوزي وغيره من القادة الاوروبيين الآخرين. فالقادة يلجأون عادة في مواجهة ارتفاع البطالة وركود النمو الى الانفاق لحفز الاقتصاد بالاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتدريب المهني. ولكن ساركوزي اضطر الى خفض الانفاق وزيادة الضرائب في سنة انتخابية تحت ضغط الأسواق ووعوده هو بخفض العجز المالي. وتنقل صحيفة نيويورك تايمز عن فرانسوا هايسبورغ من معهد الأبحاث الاستراتيجية في باريس ان محاولات ساركوزي في هذا المجال جاءت "قليلة وبعد فوات الأوان". وبدت افكار ساركوزي التي جاءت متأخرة للخروج من الأزمة مذعورة تذكِّر الناخبين باصلاحات اخرى اقترحها ولم يُترجم شيء منها على ارض الواقع. والأهم من ذلك ، كما يرى اقتصاديون ، ان هذه الأفكار لا تتصدى لمشاكل فرنسا الرئيسية وهي مشاكل تاريخية وبنيوية على السواء. فالانفاق الحكومة يشكل الآن 56.6 في المئة من الاقتصاد الفرنسي بالمقارنة مع نحو 46 في المئة في المانيا وايطاليا. وقال الاقتصادي والمؤرخ بافريز ان فرنسا "رجل اوروبا المريض" مضيفا ان المشكلة الرئيسية هي سيطرة الحكومة على الاقتصاد. ونقلت صحيفة نيويورك عن بافريز ان عدد العاملين في قطاع الدولة يبلغ في فرنسا "نحو 5.5 مليون شخص ، أو ما يزيد بنسبة 18 في المئة على عددهم في عام 2002 ونحو 500 الف على عددهم في المانيا ، وهي دولة فيدرالية عدد سكانها 82 مليون نسمة ، يزيد بنسبة 26 في المئة على سكان فرنسا". وفي حين ان هولاند اعلن ان الاشتراكيين سيلتزمون بالاجراءات التقشفية فان المحللين يستبعدون انه سيقدم على ترشيق جهاز الدولة. كما تتراجع فرنسا عالميا على مستوى المنافسة والانتاج. فان صادرات فرنسا تنخفض باطراد بسبب قلة الشركات المتوسطة التنافسية فيها ، في حين ان مثل هذه الشركات تمثل مصدر قوة كبيرة للاقتصاد الالماني. وقال بافريز ان هناك نحو 185 شركة يزيد عدد العاملين فيها على 5000 شخص وهي شركات ناجحة جدا. ولكن عدد الشركات الصناعية انخفض اجمالا منذ عام 2000 وفُقدت مع انخفاضه 500 الف وظيفة. وفي بلد سكانه 65 مليون نسمة هناك 4200 شركة فقط عدد العاملين فيها بين 250 و5000 شخص. وفي حين ان الانتاجية الفرنسية عالية فان العامل الفرنسي يشتغل ساعات اقل من غالبية العمال الاوروبيين الآخرين. ويعود احد اسباب هذه المشكلة الى اعتماد اسبوع عمل من 35 ساعة بقرار اتخذه الاشتراكيون وأبقى عليه ساركوزي. وبحسب دراسة جديدة فان الفرنسيين يعملون اياما تقل في المتوسط ستة اسابيع عن ايام عمل الالمان في السنة ويعملون ساعات أقل من عمل اليونانيين وتقل ساعات عمل الفرنسيين 236 ساعة سنويا عما كانوا يعملونه في سنة 1998. وتتمثل مشكلة فرنسا الأخرى في تراجع قطاعها الصناعي ، وارتفاع نسبة البطالة فيها ارتفاعا مزمنا لا سيما بين الشباب حيث تبلغ 24 في المئة والمهاجرين حيث تبلغ 43 في المئة. وآخر مرة بلغت نسبة البطالة الفرنسية 7 في المئة كانت في عام 1977. عن موقع إيلاف