قبل الإعلان عن إحداث قناة تلفزيونية في المغرب، خاصة بالامازيغية، وفي خضم الجدل الذي قائما حول التصورات الممكن اعتمادها كإستراتيجية معقلنة، لضمان أداء إعلامي وظيفي يهتم بالجوانب الفنية والثقافية والتوعوية في مجالات فكرية واجتماعية سياسية راهنة. كان الرأي العام يتابع المخاض العسير الذي أطر إرهاصات تنزيل المشروع على أرضية الواقع ، ويتابع أكثر سلسلة التأجيلات التي كانت تدفع بالمشروع نحو المجهول أحيانا، سيما وأن حصيص الامازيغية في القناتين الأولى والثانية جد محتشم، رغم وجود دفتر تحملات يلزم كلتيهما بتخصيص نسبة ثلاثين في المائة للامازيغية ، وهو الأمر الذي لم يخضع لتتبع صارم ، فكان التنصل منه سيد الموقف . وحين أعلن عن الانطلاقة الرسمية للقناة منذ سنتين، كان معظم المهتمين يتذرعون بضرورة اخذ الوقت الكافي قبل محاولات التقييم الاولى، إيمانا من الجميع بكون الاحكام المتسرعة في ظل حداثة المشروع الاعلامي ذاك، قد تكون متعسفة ، مما يستلزم تتبع برامج القناة الثامنة بشكل كاف ، قبل بلورة مجموعة من الملاحظات القابلة للطرح والمساءلة والنقاش ، فمن خلال تتبع الصفحات التي تخصصها اليوميات المغربية لتتبع الاداء التلفزيوني الوطني، اتضح لنا الغياب المطلق لأي اهتمام بتتبع مسارات قناة تمازيغت، اللهم تغطية بعض الامور النقابية واحتجاجات بعض الصحفيين العاملين في تمازيغت ، وهو موضوع ليس من صلب موضوعنا في هذا المقام ، بقدرما سنركز على المادة الاعلامية التي تشكل العمود الفقري لشبكة برامج القناة السالفة الذكر . ان غياب استراتيجية واضحة ، ومعقلنة في تدبير شبكة برامج فاعلة ووظيفية، بعيدا عن تضخيم حجم البرامج الترفيهية والسهرات الغنائية التي لاتحظى بنسب مشاهدة عالية، امر يفرض نفسه بشكل مخيف أمام أي متتبع لبرامج القناة الثامنة ، سيما وأن مجالات عدة تبقى مغيبة ، كبرامج الطفل، والتي يتم فيها الى ادراج رسوم متحركة ناطقة بالعربية احيانا، او بالفرنسية تارة أخرى ، وقد يتم في حل ثالت اللجوء الى دبلجة مواد اجنبية بلغة امازيغية يقتصر فهمها على منطقة سوس ، دون مناطق امتداد تنويعات لسنية للامازيغية كالريف والاطلس ، بل، ان مجمل تلك الرسوم يتم اختيارها بشكل عشوائي غير مدروس، فيجد فيها الطفل الامازيغي اولى علامات محاولات تدجينه وتعويده على استلاب ثقافي هوياتي ، اكيد سينمو مع مراحل نموه العمرية . وتعتمد بعض برامج الطفل التي تبثها قناة تمازيغت على تغييب الاستعانة بمتخصصين في المجال، فيكون اعتماد اللعب والمسابقات بدون تاطير بيداغوجي او تربوي، بشكل لانلامس فيه اية خصوصية امازيغية، علما بأن التعامل مع برامج الطفل يتطلب الابتعاد عن الارتجال، واسناد الامور الى العارفين بعلم نفس الطفل، مع تكييف الابداع وخصائص نوعية الهوية التي من المفروض ان تغلفه . غياب استراتيجية واضحة سيتجلى كذلك في البرامج الفنية، وسنركز على برنامجين يهتمان يتشابهان تقريبا في طريقة الاعداد، حيث انهما عبارة عن سهرات فنية ، الملفت للنظر ان المكلفين باعدادهما حولا البرنامجين الى مجال للقيام بإشهار رخيص لفنانين مغمورين في الغالب ، علما بأن المشاركين غالبا لايتلقون ولو درهما واحدا عن المشاركة. الخطير في البرنامجين المذكورين، انهما يسيئان للاغنية الامازيغية سواء عن قصد او بدونه، ونعني بذلك، منحهما الاعتراف بفن مغشوش، ففي منطقة جنوب المغرب، لدينا حالات غش غريبة تقوم بها بعض شركات الإنتاج، حيث يتم تسجيل الأغاني بصوت صاحبها الفعلي، لكن توضع صورة شخص لا علاقة له بالفن اطلاقا، وهنا ننتقد كثافة اعتماد برامج السهرات الامازيغية على البلاي باك، بدل إلزام الفنان المشارك بالغناء المباشر، فهي طريقة على الاقل ستعطي مصداقية للفنان وللقناة التي تمرر ابداعه. على مستوى الانتاج الدرامي، تكتفي قناة تمازيغت بفتات ارشيف القناة الاولى، من خلال بث مسلسلات قديمة بعد دبلجتها الى الامازيغية، اضافة لبث مجموعة من الافلام المقتناة من شركات انتاجية محدودة الرأسمال، وإن مضى على توزيعها في الاسواق اكثر من عشرين عاما ، فالقناة لاتشعر بحرج في بثها وجلها صور بتقنيات عتيقة، مع ملاحظة تميز مجموعة من تلك الافلام ، والتي انتجت حديثا. المثير أن القناة تعمد الى تكرار بث الفيلم الواحد، الى درجة حفظ البعض لمقاطعها الحوارية، علما بأن ميزانية تمازيغت لاتمكنها حاليا من إبرام صفقات انتاج دراما تلفزيونية، وهذا عامل ندخله ضمن العوامل الكابحة لرسم اتسراتيجية واضحة ، ويرتبط بشروط قاسية لادخل للقناة فيها، بفعل غياب تمتيعها فوقيا بميزانية محترمة . المجال الرياضي في القناة ضعيف للغاية، وقس على ذلك البرامج الحوارية السياسية، الاقتصادية، اضافة الى اعتماد نشرات اخبارية مملة ، غير وفية لأبرز الاحداث العالمية بخط تحريري واضح، وكأننا امام استنساخ للنشرات الاخبارية المعتادة في القناة الرسمية منذ عقود ، مع الاشارة الى ضعف الجودة في برامج كثيرة من كل الاطياف . فما هوية الشركات الانتاجية التي تتعامل معها قناة تمازيغت؟ وماحدود علاقاتها بالامازيغية؟ هل هنالك إمكانية الحديث عن إقصاء المنتجين الشرفاء، واعتماد ' صيادي المال العام'؟ سؤال بدأ المهتمون يطرحونه، ويحتاج بالفعل الى متابعة ، وهو ما سنحاول تشريحه في دراسات قادمة. عن القدس العربي