الفوز الكاسح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات التشريعية بالمغرب ب 107 مقاعد من أصل 395 مقعد بالبرلمان المغربي متقدما بفارق كبير عن الأحزاب التاريخية كحزب الإستقلال وحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية جعل بعض المثقفين والفنانين يتخوفون على الإبداع الفني في ظل الحكومة المقبلة التي يقودها الإسلاميون، وهم يستندون في الدفاع عن موقفهم إلى المعارك الدينية العديدة التي قادها الحزب الإسلامي المغربي ضد أهل الفن والثقافة ن ويتوقع المراقبون أن مرحلة المعارك الفنية توشك على الإندلاع بين مجموعةٍ من المبدعين الذين يُؤمنون بعلمانيةِ الفن، الذي يطرُق مختلفَ القضايا، وبين التياراتِ الجديدةِ المقبلة على عالمِ الفن بشعاراتِ الالتزامِ والتحفظ في ظلِ غِيابٍ واضح لمفهومِ الرقابةِ في ظل الدستور الجديد للمملكة، حيث يتذكر المراقبون الضجة الكبرى التي أثارها حزب العدالة والتنمية ضد مشهد من مسرحية " كفر ناعوم أوطو صراط " والتي ظهرت فيها الممثلة المغربية لطيفة أحرار وهي تتجرد من "ملابس رجالية تعبيرا عن موت جسد المرأة" وتبقى بلباس البحر للحظات قبل أن تضع برقعا في إشارة أخرى لا تخلو من دلالة. هذه اللحظات المسرحية كانت كافية لتأجيج الضجة التي أقيمت حول " العري" في الأعمال الفنية المغربية حيث وصفت جريدة " التجديد " الناطقة بإسم حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية المشهد المذكور حينها ب " السلوك الساقط والمتدني "، نفس الضجة أقامها إسلاميو العدالة والتنمية ضد الفيلم المغربي " حجاب الحب " لمخرجه عزيز السالمي وبرر الاسلاميون هذا الهجوم ليس فقط لكونه أول فيلم مغربي يتناول قضية الحجاب، ولكن أيضا لتناوله إقامة البطلة المحجبة علاقة جنسية انتهت بحملها خارج إطار مؤسسة الزواج. وذهب احد نوابهم الى الدعوة بمنع عرض الفيلم وذهبت جريدة الحزب أبعد من ذلك حين هاجمت المركز السينمائي المغربي (هيئة حكومية) حيث وصفه صاحب المقال انه "لا يدعم ولا يشجع إلا الأفلام التي تسيئ لديننا الإسلامي وهويتنا العربية وإلى حضارتنا ولغتنا التي هي لغة القرآن "، بالإضافة إلى الحملة التي قادها حزب العدالة والتنمية في ماي 2010 ضد مشاركة المغني البريطاني إلتون جون في مهرجان موازين بالرباط حيث قال مصطفى الرميد رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية لوكالة فرانس برس، نرفض رفضا قاطعا مشاركة هذا المغني (التون جون) لأن ذلك قد يشجع الشذوذ الجنسي في المغرب كما أودعت الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية طلبا لدى مجلس النواب يدعو إلى منع مشاركة التون جون في المهرجان. هذا الموقف يرفضه عدد من الفنانين بالمغرب ومنهم الفنان الساخر الحسين بنياز المعروف ب " باز " الذي يرفض وصف إسلاميي حزب العدالة والتنمية بالمتزمتين مشيرا الى أن مواقف حزب العدالة والتنمية ظلت دائما صريحة وواضحة مشيرا الى ان الفن – بالنسبة إليه – ينبغي أن يكون راقيا وأن لا يتضمن مشاهد تخل بالحياء العام وأضاف " مع احتراماتي للسيدة أحرار فإنه بالإمكان تجسيد المشاهد الخليعة بطرق فنية مبتكرة دون اللجوء الى " العري " الذي يخدش الحياء العام، فلا يعقل – يضيف – أن جميع الأفلام المغربية حاليا تتحدث عن مشكل الجنس فهل نحن نعاني من الكبت الى هذه الدرجة – يتسائل بنياز، لقد نشئنا في مجتمع محافظ يسوده الحياء ولدينا العديد من المشاكل مثل مشكل البطالة، مشكل الإدارة، المشاكل العائلية التي من الممكن تناولها في السينما والتي تعود بالنفع على المجتمع، وأشار أيضا الى ان جل الأفلام المغربية لايمكن عرضها في التلفزيون دون اللجوء الى أسلوب " المقص " لحذف بعض المشاهد. وفي سؤال ل " إيلاف " حول ما اذا كان متخوفا من الرقابة في ظل حكم الإسلاميين أشار الفنان المغربي الحسين بنياز " لست متخوفا من الرقابة ويمكنكم أن تسألوا أي قيادي في حزب العدالة والتنمية حول ما اذا كان يستمع مثلا لأغاني عبد الوهاب الدكالي أو محمد عبد الوهاب أو أم كلثوم فأكيد سيكون جوابه ب" نعم " داعيا الى إعطاء الأولوية للفنانين المغاربة في المشاركة بالمهرجانات الوطنية بدل الأجانب، فحزب العدالة والتنمية – يضيف بنياز في تصريحه ل " إيلاف " يريد الذوق الفني الرفيع الذي يناسب مستوى الذوق الفني للجمهور المغربي " كما دعا أيضا الى احترام الدستور المغربي الذي نص على تعيين الوزير الأول من ضمن الحزب الذي فاز بغالبية المقاعد بالبرلمان واحترام رغبة الشعب المغربي الذي صوت لفائدة حزب العدالة والتنمية. من جهته قال رشيد فكاك (مخرج وممثل مغربي وأستاذ الدراسات المسرحية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء) أنه ليس لديه أي تخوف من حزب العدالة والتنمية او تجاه أي حزب آخر فيما يخص المسألة الفنية مشيرا الى أنه يرفض المزج بين الدين والثقافة، فالدين – حسب رأيه – ممارسات واعتقاد فردي وجماعي قائم بذاته والممارسات الثقافية شيء آخر، والحكومة المقبلة يصرح فكاك – لها مسؤولية بالغة فهي ستكون مجبرة على احترام مقومات الدستور الجديد الذي دستر الشان الثقافي حيث أصبح التمتع بالفرجة حقا دستوريا للمواطن، وعلى الدولة أن تشجع الإستثمار الخصوصي وفق لمضامين الدستور الجديد وقال في ذات السياق إن السياحة التي يراهن عليها المغرب لايمكن ان تتطور دون إيجاد آليات للتنشيط الثقافي والفني بعيدا عن التراث الفني، كما دعا الى ضرورة فصل البناء الثقافي (مسرح، سينما، غناء، آداب) عن ما وصفه ب " السياسة الحزبية الضيقة " فالثقافة – يضيف – ينبغي أن تكون ضمنها كافة القوى متضامنة لأنها تهم الطفل والشاب المغربي كيفما كانت انتماءاتهم السياسية كما حث الحكومة المقبلة على فتح حوار وطني مع مختلف الأطياف الفنية والثقافية لإيجاد أرضية ثقافية مشتركة تتناسب مع معطى كون المغرب بلد منفتح على الكون ومنفتح على مختلف الثقافات والقيم الإنسانية محذرا من المس بالهوية المغربية التي تتضمن جانبا محافظا خاصة في التلفزيون، وقال إنه يرفض إعطاء حكم مسبق على حزب العدالة والتنمية كما انه لا يمكن الحكم عليهم انطلاقا من احداث معينة، معتبرا فوز حزب العدالة والتنمية بالشيء الجديد بالمغرب والذي سيكون حافزا لتحرك العقل المغربي فلا يكفي – حسب قوله – تداول السلطة بل يجب أيضا تداول الفكر والنظريات مشيرا الى أن الإنفتاح على الثقافات الإنسانية كان دائما حاضرا في التراث الثقافي المغربي وشخصيا ليس لدي أي تخوف من حزب العدالة والتنمية لأنه داخل الشعب المغربي هناك دائما الدهاء في التواصل مع الغير فهناك دائما تآلف داخل الشعب المغربي. الفنان المغربي الطيب لعلج (تعددت مواهبه بين تأليف وشعر وتمثيل، زجال ومسرحي) فدعا هو الآخر إلى ضرورة منح الإسلاميين فرصة لمعاينة تجربتهم وانتقد في حديث مع " إيلاف " التهميش الذي يطال المبدعين بالمغرب حيث فتحنا الفرص – يضيف – لكل من هب ودب وبالأثمان الباهظة لنرى التفاهات متسائلا عن غياب الأغنية الكلاسيكية بالتلفزيون المغربي والتي حل محلها التراث الغنائي وحذر لعلج من كونه " يرفض التدجين والإحتواء حيث رفضناه في فترة حكم العلمانيين ونرفضه بكثير من الإحترام للإسلاميين وأضاف قائلا " إننا مسلمون وقد نكون أكثر أسلمة من أصحاب اللحى الطويلة المسهبة والدنانير السوداء ". وفيما يخص تأثير المرحلة المقبلة على الإبداع الفني قال الفنان الطيب لعلج " ليس هناك أقصى من الرقابة الذاتية فنحن نبدع أولا وقبل كل شيء لإرضاء نزوعاتنا الذاتية ولنا نحن المبدعون إن نتقبل النقد بكل أريحية وعلينا أن نتذكر ونحن نبدع بكل حرية أننا في بلد إسلامي له تقاليده وأعرافه ومثله وقيمه التي لاينبغي التفرريط فيها " ودعا الفنانين بالمغرب في حديثه ل " إيلاف " إلى تجنب الكلمة الملتبسة وانتقد استفزاز الناس ب " العري " أو بالكلمات الهابطة – في إشارة إلى بعض أغاني الراب – أو المجاهرة بالشذوذ، فالمبدع – حسب رأيه بإمكانه أن يقول كل شيء وأن يفضح كل الأشياء بما فيها المثيرة والمخدشة أحيانا دون أن يستفز شعور الجمهور مشيرا إلى أنه ليس لديه أي تخوف من أي حزب يختاره الشعب المغربي فحزب العدالة والتنمية – يضيف – فيه أناس متشددون وفيه أناس وهم كثر منفاحون وأملي أن يكون المغاربة قد توفقوا في اختيار الأفضل. هشام ناصر