عبد الاله مسلك : تروي نكتة موغلة في المجتمع المغربي كيف كان – وربما لازال- يحصل رجال الأمن على الغلة، دون أن يخطيء السائق، وتقول النكتة ان أحدهم مريومه جهاما وخداجا دون أن ينعش خزينة جيبه، فقررألا يعود خاوي السرة، أوقف أحد السائقين بالرغم من أن هذا الأخيركان في وضعية سليمة مائة بالمائة، قال الدركي للسائق: ألديك شريط أو قرص مدمج لموسيقى شعبية؟ السائق: نعم، فالمغاربة يحبون موسيقاهم الشعبية حتى النخاع، الدركي: أسمعني اياها وبصوت مرتفع لوسمحت ودع أجيجها يحولني الى تيس أثول، السائق: تفضل سيدي اسمع! بسأ الرجل بايقاعات “الجرة والطعارج” الجميلة وراح يرقص كأنه في عرس حفل زفاف مليء بالخندريس في شتوكة أوعبدة، تعجب السائق ولم يصدق ما يراه وطلب السماح له بالانصراف كونه على عجلة من أمره...الدركي: “شحال وأنا كنشطح وأنت ما عقتيش”؟ السائق: لم أفهم، الدركي: عندما تحوم حولك الراقصة وتهزكل أعضائها ماذا تفعل؟ السائق: أعطيها “الغرامة” الدركي: اوى غرم علي آولدي؟ هذه النكتة توحي أن بعض أفراد الشرطة والدرك لازالوا في عباءة الماضي القميء لم يستوعبوا العهد البلوج الذي دخله المغرب، محاولا قطع العلاقة مع سنوات الحيف والترح وأن عهد استغلال أخطاء السائقين لخدمة الأرصدة في البنوك قد ولى لا رجعة فيه، فقبل تنفيذ بنود قانون مدونة السيرتم تحسين رواتب أجهزة الأمن وان كان بعضهم مازال يمتهن “الجقير” لمد يده لجيوب المواطنين متجاهلا دورالتكنولوجيا في فضح هذه الممارسات ولعل الفيديوهات المنتشرة على الشبكة العنكبوتية خيردليل على سنون المثالب اذ أصبح الهاتف المحمول والكاميرات الرقمية الصغيرة خيررقيب وأداة لفضح الممارسات الرعناء لبعض رجال المرور. تحت وطأة الفقرالمدقع كثرت مظاهر ووسائل “الجقير”، في الشارع، الحافلة، أمام المسجد، على الشاطيء، وفي المقهي، لكن أكثر “الجقير” استفزازا أن يصف أحد سيارته في ضواحي المدينة حتى وان كانت خاوية على عروشها، وبمجرد ما ينزل منها، حتى يجد أمامه الرجل الأزرق – حارس السيارات- مطالبا بالأجرة مسبقا، فمعظم هؤلاء الرجال الزرق الذين “يجقرون” ليس لديهم أي ترخيص لمزاولة مهنة الحراسة، السؤال المحير: كيف تسمح السلطات لهؤلاء بنهب المواطنين علنا؟ وبسلوك حقف ينهالون على السائق بالسباب والشتائم حين يرفض دفع الأجرة قبل أن يرى الرخصة... ولعل للون الأزرق دلالة كبيرة عند المغاربة عموما، ورجال التعليم على الخصوص، فهؤلاء ينعتون الطالب الكسول بالفتى ” الزرك” أي الفاشل في الدراسة والغبي. انتشرالرجل الأزرق في كثيرمن الأحياء المغربية لحراسة سيارات ودراجات السكان ليلا، وبأجر شهري، ففي يوم من الأيام استيقظ أحد السكان للذهاب الى عمله فلم يجد سيارته وعلم المسكين أنه راح ضحية سرقة، بعق الرجل في الكلام مع الحارس حتى اشتبكا ووصل الأمرالى الشرطة لينتهي بصاحب السيارة أن يفوض أمره لله ويصب الماء على بطنه، اذن ما دور الرجل الأزرق اذا كان لايستطيع حماية السيارات، ولا يقدرعلى تعويض المتضررين؟ اللهم “الجقير” في آخركل شهرمطالبا بالأجر. قد يكون الشخص جالسا في بيته يشاهد التلفازأويستريح من منغصات الحياة اليومية، يرن جرس بيته أويطرق بابه وبعد أن يفتح يجد شابا وغالبا ما تكون فتاة مبرقشة تحمل أغراضا وسلعا وما هي الا ثواني حتى تبدأ نوعا آخرمن “الجقير” متفننة في شرح مزايا المنتوج ومهما يحاول المسكين التخلص منها فغالبا ما يفشل. وذات مرة تمادت احدى البائعات في تسويق منتوجها مما استدعى تدخل وزارة الداخلية –المقصود هنا: الزوجة- التي ذهبت بها الظنون بعيدا فانهالت على البائعة بالضرب المبرح كادت الأخيرة أن تلقى مثواها الأخيرمن جرائه. “الجقير” ليس مقتصرا على بني البشر فقط ، ففي قرية “تافضنا” المطلة على أحد أجمل الشواطيء في المغرب الواقعة بين مدينتي الصويرة وأكاديرتدخل الكلاب أيضا غمارهذا المجال، فكثرة عددها يزعج المصطافين ليلا بالنباح، ونهارا بالتجمع ” جاقرة” أمام البيوت تنتظربقايا الطعام، وما أن ينتهي موسم الاصطياف حتى تحتل هذه الكلاب القرية. في الواقع ليس الكلاب وحدها من يسيء لتلك القرية بل من تركها دون ماء صالح للشرب، ودون شبكة الهاتف النقال، اذ بمجرد من تطأ أقدام المرء أرض “تافضنا” حتى ينقطع عن العالم، كأنه في معتقل سياسي سحيق أو كوكب خارج الأرض، ناهيك عن الأزبال المنتشرة هنا وهناك، ومباشرة عند الخروج من قرية “سميمو” متوجها الى شاطيء “تافضنا ” يستقبل الدرك الزوار بطريقة منافية لكرم المغاربة المعهود، ضاربين بعرض الحائط حرمة العيد وحملة تشجيع السياحة، قائلين ان مدونة السيرالجديدة سيف مسلط على رقاب الجميع ولن ينفع “الجقير” مع البريء فكيف سيكون الأمر مع المذنب؟. [email protected] *