تلجأ أعداد متزايدة من النساء العاملات في المغرب إلى مهن كانت، في عهد قريب، مرفوضة، إما لصعوبة ممارستها، أو احتكار الرجال، منها جمع القمامة والجزارة، في محاولة للتغلب على صعاب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الشخصية، خاصة وأن بعض هذه المهن لا توافق تكوينهن الفيزيولوجي. لكن مشهد سيدة تقوم بجمع القمامة في شوارع المدن الكبرى لا يزال يثير فضول ودهشة البعض، في حين أن البعض الآخر يرى الأمر عاديا بحكم أن كثيرا من المهن لم تعد حكرا على الرجل. تقول الزهرة، التي تعمل في جمع النفايات بالرباط، إن كثيرا من الناس لم يعودوا يرمقونها بنظرات غريبة، أغلبها بدافع الفضول والاستغراب، إذ يتساءلون كيف لامرأة رقيقة الطبع وكائن محب للروائح الزكية أن تقبل بجمع القمامة. وتشير إلى أن الناس يحكمون عليها ويستغربون مزاولتها هذه المهنة، وهناك من احتقرها وصار ينفر منها فقط بسبب هذه المهنة. وتؤكد العاملة أنها لا تخجل من مهنتها رغم كل المصاعب، لكونها المهنة التي درأت عنها خطر التشرد والتسول، وتقول “لو اتبعت نظرات الناس وتعليقاتهم لما حصلتُ على رغيف أو لقمة عيش، فماذا أعطاني الذين احتقروا مهنتي واعتبروها مذلة ومهينة للمرأة؟ ومن فكر في أولادي وكيف يعيشون؟”، لتختم بالقول: “ما دامت حلالا وأحصل على لقمة عيشي بعرق جبيني، لا يهمني رأي الناس ولا نظراتهم”. “جزارة” ويعتبر بعض المغاربة أيضا أن مهنة الجزارة غير لائقة بطبيعة المرأة الرقيقة والناعمة، وهذا ما تؤكده جزارة في أحد الأحياء الشعبية بالرباط التي اعترفت بأن الناس لم يصدقوا أنها تعمل جزارة في الحي بعد وفاة زوجها الذي كان يمتهن نفس العمل. وتقول سعاد (في الأربعين من عمرها) إنها لم تجد غير هذا العمل، باعتبار المثل الذي يقول “ما حك جلدك مثل ظفرك”، فكان بالإمكان تشغيل شاب في المحل، لكنها ارتأت أنها أهل لهذه المهنة. ولا تعتبر هذه المرأة الجزارة مهنة تنقص من قيمتها “عكس ما يظنه البعض، فهي مهنة مثل باقي المهن، حيث تحتاج فقط لبعض القوة البدنية وقليل من الصبر وتحمل الروائح والدماء”. “عيش حلال” وحول طبيعة عمل النساء في مهن صعبة يرفضها جزء من المجتمع المغربي، يؤكد محمد بنقديم، مراقب أشغال عمال النظافة وجمع النفايات بالرباط، من خلال تجربته، أن المرأة العاملة في مثل هذه المهنة “تكون أكثر إخلاصا وإتقانا في أداء مهمتها كما ينبغي”. ويضيف أن “النساء اللوائي يشتغلن منظفات للشوارع بجمع القمامة، رغم قلة عددهن، إلا أنهن منضبطات من حيث الدقة والوقت ومواظبات في الحضور بشكل ملفت بخلاف أغلب العمال الرجال”. ويرى الباحث الاجتماعي رشيد بنطالب أن المرأة بصفة عامة لا تلجأ إلى احتراف مهنة صعبة أو يراها المجتمع مرفوضة بسبب احتكارها من طرف الرجال، إلا لدواعي اقتصادية وأسباب معيشية بحتة، فالنساء اللواتي اضطررن لركوب هذه المغامرة يشكلن نسبة ساحقة، مشيرا إلى أنه من الأجدى لهن أن يعملن في مهن كهذه على أن يقعن في محظور أخلاقي. وعزا الباحث المغربي لجوء هؤلاء النسوة لمثل هذه المهن الذكورية إلى تحولات اجتماعية كبيرة تحدث حاليا داخل المجتمع المغربي، “وعوامل الفقر والحاجة والهجرة من القرية إلى المدينة بدعوى أنها تتوفر على فائض في فرص العمل، لكن حين تصطدم الفتاة بالواقع المعيش بالمدينة، تضطر للاشتغال في هذه المهن الصعبة”. وأضاف “الأسر اليوم صارت تعولها نساء، منهن مطلقات وأرامل وغير متزوجات، يساهمن في المصاريف المادية للبيت، موضحا أن طموح المرأة المغربية يهدف إلى تأنيث المهن التي تسمى ذكورية لتأسيس إمكانيات وامتيازات لوضعيتها تخولها في ما بعد لمشاركة عادية وعامة في مجال المسؤوليات الأسرية والاجتماعية”.