خلال المحاضرة التي ألقها بمدرّج المعهد العالي للقضاء، تطرّق الأمين العام للحكومة لمواضيع مثيرة وجديدة، تتعلّق بالتقنيات الجديدة لاستعمال الجينات البشرية والتخصيب وتجاوز العوائق البيولوجية للحمل والولادة. محاضرة كشفت جانبا جديدا من اهتمامات هذا الفقيه القانوني والقضائي، والذي يعتبره البعض حارسا ل»ثلاجة» القوانين داخل الحكومة.
زوجة تستعمل مني زوجها بعد موته أول المواضيع المثيرة التي طرحها الضحاك خلال محاضرته حول المستجدات البيو تكنولوجية وعلاقتها بالقانون والقضاء، ما قال إنه قرأه قبل فترة في الصحافة، عن شاب في ال34 من عمره، عمل على تخزين كمية من حيواناته المنوية قبل خضوعه لعلاج كيماوي مضاد لمرض خطير أصيب به. الخطوة لم تكلّف هذا الشاب حسب الضحاك سوى 2000 درهم في السنة، وذلك كاحتياط في حال إتلاف قدراته الإنجابية خلال العلاج، «ومنذ ذلك الوقت وأنا أتساءل ماذا لو أن هذا الشخص توفي وهو مصاب بمرض خطير، هل يمكن لزوجته أو أبنائه إن وجودوا، أن يطلبوا استعمال حيواناته المنوية وإنجاب ابن أو بنت منه، خصوصا أن دوافع قد تكون وراء ذلك من قبيل أن يكون له بنات فقط، وبالتالي سيكون هناك مطالبين آخرين بالإرث، أي أنه سيكون من مصلحة الأم أن تستعمل الحيوانات المنوية لتحصل على ذكر خاصة إذا لجأت إلى هذه العملية مباشرة بعد وفاته، وبالتالي سيكون من الصعب التمييز، هل وقع الحمل قبل أم بعد وفاته؟». وأوضح الضحاك أن فرنسا شهدت نقاشا قويا بعدما طالبت زوجة باستعمال السائل المنوي لزوجها بعد خمس سنوات من وفاته.
أبناء يطالبون الوالدين بتعويض عن ضرر إنجابهم من بين المخاوف التي عبّر عنها الضحاك، تلك الخاصة بكيفية تحديد شركات التأمين الأقساط التي يجب أن يدفعها المؤمنون في حال الشروع في العمل بالهوية الجينية للأشخاص. «فشركات التأمين تلجأ حاليا إلى جداول الوفاة لتحديد أقساط التأمين وتقوم بدراسات إحصائية اكتوارية لتحديد أقساط متساوية للمؤمنين، وإذا أصبح للناس هوية جينية، قد يتم استعمالها لهذه الأغراض، وبالتالي، قد تصبح أقساط التأمين تحدد حسب التمايز في الهوية الجينية». تطوّر فسّره الضحاك بالقول إنه إذا كان هناك شخص يحمل هوية تدل على احتمال تعرضه لأمراض خطيرة، «هل من حقه إنجاب أولاد؟ وهل للأولاد أن يطالبوا بتعويض عن الأضرار التي تسببا فيها وهما يعلمان أنهما سينجبان أولادا في وضعية صحية خطيرة؟ الأمر لا يكلف أكثر من ألف دولار وعبر نقطة دم تعطيك هويتك الجينية وما ورثته عن والديك وما ستصاب به من أمراض، وبالتالي وجود هذه الهوية، قد يؤدي إلى خلخلة قانونية صعبة».
أعرف شخصا عولج بخلايا جنينية قال إدريس الضحاك في محاضرته العلمية، إن خلايا جسم الإنسان تتوزّع بين أنواع، أبرزها الخلايا العادية والخلايا الجذعية والخلايا الجذعية الجنينية. هذه الأخيرة أصبحت حسب الضحاك دواء ثمينا ضد أمراض مستعصية. وتتشكّل هذه الخلايا خلال الأسبوع الأول من الحمل، حيث يكون الجنين عبارة عن خلايا قابلة للزرع في الأعضاء المريضة من جسم الإنسان. «وقد عشت مؤخرا تجربة حقيقية لأحد الأشخاص الذين أعرفهم، لهم ابن ولد معاقا بسبب ازدياده قبل الوقت ووضع في الحاضنة الاصطناعية، وبينما كان في المصحة، انقطع الكهرباء ففقد الأوكسيجين ومن ثم الإعاقة». نموذج قال الضحاك إنه وقف على محاولات والديه علاجه عبر زرع خلايا جنينية في مخّه، وهو ما تم بالفعل في آسيا «حيث هناك اليوم أطباء يشتغلون بهذه الخلايا الجنينية أفضل من أوربا، زرعوا لهذا الطفل في تايلاند خلايا جذعية جنينية، وأصبح يتحدث بشكل طبيعي».
مجرمون في المستشفيات بدل السجون قال الأمين العام للحكومة إن التطوّر العلمي أثبت وجود بعض الجينات المسؤولة عن ارتكاب العنف في جسم الإنسان، «وبالتالي سنرى بعض فصول القانون الجنائي تتحول إلى وسائل للعلاج، وسيصبح هذا القانون علاجيا وتتحول بعض السجون إلى مستشفيات، هذه أول مرحلة ستوصلنا إليها هذه الاكتشافات العلمية». وأوضح الضحاك أن هناك أغنياء يرتكبون السرقات نتيجة مرض يعالج بالصدمة الكهربائية، «وإذا كان المتهم فقيرا ولا يملك الإمكانيات للعلاج بهذه الطريقة، كيف سيحكم عليه القاضي بالسجن؟ يجب أن يخضع للعلاج».
العلم أثبت أن الحب ليس في القلب من بين النتائج المترتبة عن التطوّرات العلمية الحديثة، ما قال الضحاك إن أول عملية لزرع القلب في تاريخ البشرية، والتي تمت في الستينيات، أدت إلى دحض فكرة اعتبار القلب مسؤولا عن مشاعر الحب. «العامة يعتقدون أن القلب هو مصدر الحب، بينما أبانت أول عملية لزرع القلب عن أن زوجة الرجل الأبيض الذي استفاد من العملية، ترى قلب زوجها الذي أحبها مرميا على الأرض، وقلب رجل أسود أحب امرأة أخرى هو الذي ينبض، في وقت كانت فيه سياسة الميز العنصري على أشدها في جنوب إفريقيا». وخلص الضحاك إلى أن كثيرا من المعتقدات ستزيلها هذه الاكتشافات العلمية، «وعلى فقهائنا أن يطلعوا عليها ويفكروا ويبدعوا لنا أحكاما جديدة، المجاميع الفقهية تناولت هذه المواضيع بطريقة سطحية، هذا حلال، هذا حرام، وعليها أن تتخلّص من ذلك».
ما العمل حين يسرق رجل آلي؟ اعتبر الأمين العام للحكومة أن القانون لا يساير التطورات التكنولوجية، وضرب مثالا بقوله إنه «أصبح بالإمكان تسخير روبو ذكي للقيام بالسرقة بدل الإنسان، والدول توجهت لمحاربة الإرهاب والمخدرات والإجرام الكلاسيكي، وبقي الفراغ في هذا المجال». إدريس الضحاك قال إن الدول المتقدمة تضخ إمكانات مالية كبيرة لتطوير هذه الاكتشافات العلمية بهدف السيطرة على العالم، «وهناك صراع قوي بين ذوي الإمكانات في هذا المحال ومن يفتقرون لها من الدول الأخرى».