خلال افتتاح القمة الأوروبية الإفريقية صباح غد بالعاصمة الاقتصادية للكوت ديفوار، أبيدجان، سيحضر الوفد المغربي برئاسة الملك محمد السادس، قاعة ستعرف حضور وفد يمثل جبهة البوليساريو وقيادتها، باعتبارها عضوا في الاتحاد الإفريقي. مشهد هو الأول من نوعه منذ يوم 31 يناير الماضي، حين ألقى الملك خطبة العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بالقاعة الكبرى لمقر هذا الأخير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور وفد البوليساريو الذي كان يقوده زعيم الجبهة إبراهيم غالي. الملك محمد السادس وصل مساء أول أمس الأحد إلى أبيدجان، وخصّص له الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، استقبالا استثنائيا يجعل العاهل المغربي استثناء ضمن البروتوكول الموحد الذي عمّمه الموقع الرسمي للقمة الأوربية الإفريقية الخامسة، والذي وحّد إجراءات استقبال رؤساء الوفود المشاركين في القمة، وبالتالي، فإن ملك المغرب لن يحضر ويشارك في القمة بطريقة حضور ومشاركة جبهة البوليساريو. المشاركة الشخصية للملك محمد السادس في القمة الأوروبية الإفريقية، أعلنها البلاغ الصادر عن القصر الملكي عصر أول أمس، والذي حرص على إعلان هذه المشاركة إلى جانب إعلان انطلاق زيارة العمل والصداقة لدولة الكوت ديفوار. فيما لا تخلو القمة من أهمية بالنسبة إلى الأجندة الدبلوماسية للمغرب، حيث يعتبر الأمن والهجرة أهم أولويات رؤساء الدول والحكومات الذين سيشاركون، وأبرزهم من الجانب الأوروبي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. الشق الثنائي في الزيارة الملكية للكوت ديفوار، كشف عنه البرنامج الرسمي للرئيس الإيفواري الحسن واتارا، حيث تضمن الموقع الإلكتروني الرئاسي موعدين بين الملك والرئيس، أولهما يتمثل في محادثات على انفراد على الساعة الواحدة من يوم أمس الاثنين، تليها مباشرة عملية تدشين محطة تفريغ الأسماك الجديدة التي تحمل اسم محمد السادس، وتم إنجازها بتمويل مغربي. ارتباط غير مباشر بين قمة أبيدجان الأوروبية الإفريقية، وعودة المغرب إلى شغل مقعده القاري داخل الاتحادي الإفريقي، يكشفه الموقع الرسمي لقمة الغد. ففي الورقة التقديمية، يعلن الموقع منذ الوهلة الأولى، أن تحديد موعد ومكان انعقاد هذه القمة، جرى في قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت بالعاصمة الرواندية كيغالي صيف العام 2016؛ وهي القمة التي شهدت الإعلان الرسمي ولأول مرة، عن رغبة المغرب في العودة إلى شغل مقعده القاري، من خلال رسالة ملكية حملها المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري إلى القمة. تلك المحطة القارية، وبعدها قمة أديس أبابا التي شهدت حصول المغرب على العضوية، شهدتا تأكيد المملكة على لسان محمد السادس، أنها لم تقرر دخول الاتحاد الإفريقي لخلق الانقسام وتعطيل هذه المؤسسة القارية، وهو ما تجسّد في مسارعة الرباط إلى تفعيل انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي بالتصديق على أهم وثائقه والشروع في الاندماج ضمن آلياته. الباحث المغربي المتخصص في الشؤون لااستراتيجية، فؤاد فرحاوي، قال ل"اليوم24″ إن موضوع الحضور إلى جانب البوليساريو لم يعد إشكالا بالنسبة إلى الدبلوماسية المغربية، "حيث أصبح الثابت الرئيس هو البعد الاقتصادي، ومن خلاله يتم التأثير السياسي". وأوضح فرحاوي أن هذا التحوّل يتجسّد في كون أولويات المغرب حاليا ترتبط بانضمامه إلى منظمة دول غرب إفريقيا (سيداو) وإمكانية التخلي عن الدرهم لصالح عملة موحدة لهذه المنظمة، "وبالتالي، فإن الحضور عادي ولا يعني أي شيء، والرهان الحقيقي هو الحفاظ على المكاسب المحققة وتحقيق مزيد من الاختراقات، والدليل هو رسالة التهنئة الملكية السريعة إلى الرئيس الجديد لزيمبابوي الداعمة بقوة للبوليساريو". وعن تفسيره لمحاولة المغرب منع حضور البوليساريو في هذه القمة، قال فرحاوي إن الصراع "لا بد أن يبقى مطروحا، ولا يمكن التعامل مع حضورها كما لو كان أمرا عاديا، لكنه وفي الوقت نفسه، لا يعني الاعتراف بها". هذه الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية المغربية القائمة على أولوية الاقتصاد، تتجسد، حسب فرحاوي، في التعاطي المغربي مع الأزمة الخليجية الأخيرة، "حيث العلاقات قوية مع السعودية والإمارات، ويوم وقع الخلاف مع قطر قال إن أولويته اقتصادية ورفض الاصطفاف. لكنه قبل يومين عاد ليعلن أنه ضد أي تهديد لبلاد الحرمين. أما قمة يوم غد في أبيدجان، فيكفي أن نعرف أن الكوت ديفوار تستأثر منذ 2003 وإلى غاية 2015، بأكثر من ثلث الاستثمارات المغربية في إفريقيا". تفسير آخر يقدّمه الحقوقي والخبير بالأبعاد الاستراتيجية لملف الصحراء، عبدالجيد بلغزال. هذا الأخير قال إن حضور الملك في قمة تشارك فيها جبهة البوليساريو، مجرد تأكيد لخيار العودة إلى الاتحاد الإفريقي، "والذي لم يتم لطردها، وهذا هو أصل هذا التوجه الجديد، والموقع الذي يدبر منه الملك هذا الملف أكبر بكثير من موقع المدبرين المباشرين سواء الوزراء أو غيرهم". بلغزال أوضح أن موقع الملك يجعله يأخذ بعين الاعتبار المعادلة التي تفيد "أننا لن نطرد البوليساريو لأن الظروف لن تسمح لنا، وأننا دخلنا في علاقات جديدة مع جزء من الأصدقاء الذين يحتفظون بعلاقات مع البوليساريو تتقدمهم نيجيريا، وبين هؤلاء وبين أصدقاء المغرب التقليديين غير المعترفين بالبوليساريو، يتم إدارة العملية". عملية إدخال ملف الصراع مع البوليساريو تدريجيا في سياق جديد، تتجسد، حسب بلغزال، في وجود طرف يضغط لطرد الجبهة من الاتحاد الافريقي وباقي المحافل التي تضارك فيها، كما فعلت الكوت ديفوار حين حاولت رفض استقبال قيادة البوليساريو في قمة الغد، وطرف آخر يستمر في احتضانها. "هذا السياق الجديد هو ما يؤسس لأطروحة الحل المشترك، أي أن تجد غلافا جديدا لتنفيذ هذا الحل المحتمل. والمفتاح في كل ذلك هو أصدقاء المغرب الجدد الذين يحتفظون بعلاقات مع البوليساريو وهذا ما يؤسس للثقة الضرورية، والتي قد يكون دورها حاسما في مشروع الحكم الذاتي، وتحويل النزاع من فضائه المغاربي إلى الفضاء الإفريقي". ونبّه بلغزال إلى شروع المغرب في تجريب ما يعرف في تدبير النزاعات الدولية بعملية تحويل مسار النزاع، "وذلك في حالة ملف الصحراء بجعله يتموقع ضمن الحلم الإفريقي المشترك بما يعطي إمكانيات جديدة للحل، تعوض الفضاء المغاربي الجامد. هذه خيارات كبيرة ومعقدة لكنها واضحة، من بين مكوناتها دخول منظمة "سيداو" بكل ما تتطلبه من إكراهات من قبيل الانضمام إلى العملة الموحدة الجديدة".