"أقسم بالله لن نخون، أقسم بالله لم ولن نبيع الوطن"، صوت قسمٍ جاء من وراء الغرفة الزجاجية، علت به حناجر 19 معتقلا من شباب حراك الريف، خلال أطوار جلسة محاكمة المجموعة الأولى، يوم أمس الثلاثاء، في القاعة رقم 8 داخل محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء. أجواء محاكمة أبناء الريف لم تكن عادية، والحدث حوَل محكمة الاستئناف إلى نقط تفتيش متتالية، والمراقبة الأمنية، كانت لأول مرة مشددة، إذ شهدت المحكمة تفتيشا مدققا، عند بابها الرئيسي، وآخر عند باب الولوج إلى بهو القاعات، ووضعت لجنة خاصة عند مدخل الممر، المؤدي إلى القاعة رقم 8، التي ستشهد أطوار محاكمة المجموعة الأولى من المعتقلين. وتضم المجموعة الأولى، التي يطلق عليها اسم "مجموعة نبيل أحمجيق"، 23 معتقلا، 3 منهم تتم متابعتهم في حالة سراح، بينما يقبع فيه 19 معتقلا في السجن المحلي عين السبع، الذين أضربوا جميعهم عن الطعام، الذي كانت أقل مدده، 21 يوما. وبدأت أطوار محاكمة "مجموعة نبيل أحمجيق" في الساعة الثالثة بعد الزوال، واستمرت إلى غاية منتصف الليل، بحضور عشرات الأعضاء من هيأة الدفاع، وعائلات المعتقلين، الذين حدقوا طويلا في غرفة زجاجية، صبغت بالأبيض، حجبت عنهم الرؤيا، خصوصا عن الأمئات، اللائي قطعن مئات الكيلومترات لرؤية أبنائهن. المشهد جُسد كما لم يكن متوقعا، والمعتقلون المضربون عن الطعام، دخلوا غرفة المحاكمة، بإذن رئيس الجلسة، عاجزين عن الحركة، يحملون خطواتهم ثقلا بسبب تأثير الإضراب عن الطعام، إذ خارت قواهم، إلا أنهم على الرغم من ذلك، لم يعجزوا عن رفع شارات النصر لأمهاتهم، وعائلاتهم. دخل المعتقلون إلى قاعة المحاكمة، واحدا تلو الآخر، محمد مكوح، وأنس الخضابي، وجواد بنعلي، ومحمد النعيمي، وخالد بركة، وكريم أمغار، ونبيل أحمجيق، وأحمد ماكيمي، وعبد المحسن إثري، وبدر الدين بولحجل، ومحمد الهاني، ولم يستمر حضورهم في القاعة سوى بضع دقائق ليأمر رئيس الجلسة بإعادتهم مرة أخرى إلى الغرفة الزجاجية. الدقائق القليلة، التي قضاها المعتقلون خارج القفص الزجاجي، أججت غضبهم، وهيأة دفاعهم، إذ قال نبيل أحمجيق أمام رئيس الجلسة، وفي ظهره والدته: "نحن لم، ولن نخون الوطن، عائلاتنا كتجي 700 كيلومتر من الحسيمة للدارالبيضاء، وفي الأخير نجلسو في غرفة زجاجية.. علاش كتصورونا بالكاميرات؟ ممكن ما نعيشوش حنا لكن الوطن غادي يعيش". قرار رئيس الجلسة بإعادة المعتقلين إلى العازل الزجاجي، رفضته هيأة الدفاع، التي تساءلت كيف سترافع عن أشخاص تعتبرهم المحكمة متهمين، وذلك في غيابهم، لكن احتجاج الهيأة لم يغير شيئا، واستمرت المحاكمة في غياب المعتقلين. واستغربت نعيمة كلاف، عضو هيأة الدفاع، قرار رئيس الجلسة بإخراج المعتقلين من قاعة المحاكمة، وإعادتهم إلى الغرفة الزجاجية، على الرغم من عدم قيامهم بأي فعل مخالف. من جهته، قال النقيب عبد الرحيم الجامعي، عضو هيأة الدفاع عن معتقلي الحراك، خلال مرافعته للمطالبة بتمتيع المعتقلين بالسراح المؤقت، إن "المعتقلين على عتبة الموت، وهل ينتظر الوطن تأزيم الوضع أكثر ما هو عليه، بسبب الوضعية الصحية المتردية للمضربين عن الطعام، مطالبا بنقل المعتقلين إلى مستشفى عمومي من أجل إنقاذهم". ومقابل ذلك، رأت النيابة العامة، في شخص حكيم الوردي، في تعقيبها على مرافعات هيأة الدفاع، رأت بأن المعتقلين يواجهون تهما لا تسمح لهم بالحصول على السراح المؤقت، مؤكدة أن "سبب تدهور الحالة الصحية للمعتقلين، والذي قدمته هيأة الدفاع، سببا غير كاف، باعتبار أن المعتقلين يتلقون العناية الصحية الكاملة داخل مصحة المؤسسة السجنية". المشادة بين هيأة الدفاع، والنيابة العامة استمرت طوال أطوار المحاكمة، بعدما اتهم نائب وكيل الملك هيأة الدفاع بتحويل القاعة إلى منصة خطابة، والركوب على قضية المعتقلين، من أجل كسب الشهرة. مرافعات المطالبة بالسراح المؤقت، استمرت إلى منتصف ليلة أمس، ليعلن رئيس الجلسة تأجيل النظر في ملتمسات هيأة الدفاع إلى، يوم غد الخميس، بينما أجلت الجلسة إلى يوم 17 من أكتوبر الجاري. انتهت أطوار المحاكمة المؤجلة لأبناء الريف، يوم أمس الثلاثاء، وبدأت معه تفاصيل يوم جديد، اليوم الأربعاء، موعد الزيارة الأسبوعية، إذ زارت عائلات المعتقلين أبناءها في سجن عكاشة.