نعترف، أنتم على حق، كل مطالبكم مشروعة، ومع ذلك، لن نطلق سراحكم .. سنشيد في مدينتكم مستشفى وجامعة وطريقا سيارا، سنحقق كل أمنياتكم العادلة، وربما، أكثر، وسنفخر بتدشينها في نشرة المساء، ولن تكونوا هنا، لأننا لن نطلق سراحكم.. نعترف بأنكم كُنتُم راقين ونبلاء وأبطالا ومبدعين في احتجاجكم، وبأنكم أدهشتم العالم بالصور الفريدة لوقفاتكم ومسيراتكم. نعترف بأننا أيضا انبهرنا بلوحات غضبكم، وأنتم تغنون نشيد الحرية، وأنتم ترفعون بالونات النصر، وأنتم "تُطنطنون"، وأنتم مبتسمون، وأنتم أنيقون، وأنتم تنظرون لقوى قمعنا بعيون مشرقة بوميض صدق مستفز. نعترف بأنه تتملكنا، أيضا، مثل كل البشر قشعريرة الدهشة أمام شجاعتكم ومشاعر الفخر بكوننا ننتمي مثلكم إلى الوطن نفسه، ومع ذلك، ولأنكم، كذلك، لن نطلق سراحكم.. نعترف بأنكم أبرياء، فقد تعبنا كي نجد دليلا مقنعا لاعتقالكم، اضطررنا للنبش في ماضيكم البعيد، وللتأويل المغرض لأحلامكم، ولتتبع مصدر الضوء في صوركم، تنصتنا على أحاديثكم العفوية والتافهة وحتى الحميمية، حللنا نصوص كل تدويناتكم ورسائلكم، بحثنا في الاستعارات والمجاز وما بين السطور، واطلعنا على حساباتكم البنكية البئيسة، وتذكرنا حساباتنا المتضخمة، هنا وهنالك؛ شعرنا بخجل عابر، ومع ذلك لم نطلق سراحكم.. نعترف بأننا لم نجد براهين كافية تورطكم أو تثبت بأنكم متآمرون ضد الوطن، لكننا وجدنا وشاة ومحققين وقضاة وقادة أحزاب وصحافيين نابوا عنا مشكورين في حبك سناريوهات تهمكم، وفِي تهويلها، وفِي خدش رمزيتكم؛ نعترف بأن ما صاغته أناملهم سريالي وفيه الكثير من التضخيم، نأسف لذلك، ونأسف لوجود أمثالهم، لكننا لن نطلق سراحكم.. نتابع عن كثب حجم الغضب والاستياء والإدانة لظروف اعتقالكم، اطلعنا على كل المراسلات وأخذنا علما بكل العرائض، وبما تكتبه الصحف العالمية والوطنية عن عدالة قضيتكم، وتوصلنا بتقارير موضوعية من منظمات حقوقية عن خرقنا لكل المواثيق في مطاردتكم واختطافكم وترهيبكم وتصويركم عراة، تسامحنا مع المبادرات المدنية التي قادها أصدقاء لنا وأصدقاء لكم، وعدناهم خيرا في العيد الصغير والعيد الكبير وعيدنا وعيدكم، لكننا وكي نكون صريحين، لا نزال مترددين، ولا نية لنا اللحظة في إطلاق سراحكم.. هكذا نحن، تعرفون تاريخنا مند زمن الرصاص، تعرفون أننا نلين ونقسو بمزاجنا ولا نخضع للمنطق والقوانين، هكذا نحن عنيدون ومستبدون، لا صوت يعلو على صوتنا ولن نسمح بخدش هيبتنا، لن نتراجع أمام صمودكم، وإن أضربتم عن الطعام، وأضربتم عن الماء، وإن جفت عروقكم، وإن ذرفت أمهاتكم أنهار دموع، وإن صاح المناضلون في الشارع العام، سنعتقلهم جميعهم بتهمة الصياح، سنكسر نظاراتهم أمام الكاميرات، سنواجههم بالقنابل المسيلة للدموع، وسنسحلهم، وأنتم، لن نطلق سراحكم .. موتوا من الغيظ. اشربوا البحر المتوسط. استنجدوا بالضفة الديمقراطية للمتوسط إن شئتم، سنجعل من مدينتكم منارة للمتوسط، وأنتم ستظلون هنا، في سجوننا المهينة، لأننا مع أسفنا الشديد لن نطلق سراحكم. أنتم على حق، نعترف، كل مطالبكم مشروعة، ومع ذلك سنساند المحتجين في شوارع "كراكاس"، وسنحتج ضد دولة فنزويلا كي تطلق سراح معتقليها السياسيين، وأنتم؟ لا تحلمون!.. فلن نطلق سراحكم. أرجو أن تتفهموا موقفنا، إننا نبني للمستقبل البعيد، لأننا سنحتاجكم، كي نؤسس من أجلكم لجنة إنصاف ومصالحة، ونؤسس بكم حزبا جديدا، وقد تصبحون سفراء ووزراء ورؤساء أو مديري سجون. أما الآن، فنحن آسفون أيها الشباب الطيب، فلن نطلق سراحكم.