قال غسان الأمراني، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، إن حكومة العثماني في قاعة الانتظار كيف تترقب الدخول السياسي لثاني حكومة بعد دستور 2011؟ بعد الأحداث التي عرفها ولازال يعرفها الريف، وبعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، والذي صب جام غضبه على المسؤولين وعلى الوزراء، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الحكومة، حيث أظهرها مسؤولة بطريقة أو بأخرى عن الأوضاع الاجتماعية وعن الاحتقان الذي تعرفه بعض مناطق المغرب، وخصوصا الريف، فالحكومة توجد في وضع حرج. وهذا الوضع الحرج يعود في الأصل لظروف تشكيل الحكومة، وأنا أعتبرها من أضعف الحكومات في تاريخ المغرب، فهي حكومة هجينة، جد ضعيفة ومكونة من مجموعة من الأحزاب لا يجمعها أي شيء، وإرادة تشكيلها نعلم أن جهات معينة وراءها، وبالتالي لا رئيس الحكومة ولا الأحزاب المشكلة للحكومة هي في وضع لا تحسد عليه، سواء أمام الرأي العام أو أمام الجهات العليا وأمام الملك، ودخولها سيكون صعبا وصعبا للغاية. بالتركيبة الحزبية المتناقضة كما وصفتها، هل ستستطيع الحكومة أن تنتج فعلا سياسيا منسجما؟ لا أظن أنها ستنتج فعلا منسجما، هي كباقي الحكومات وبشكل أكثر حدة، على الأقل الحكومة التي سبقتها كانت صنيعة إرادة مكونات الأغلبية، أي العدالة والتنمية وبعض الأحزاب الأخرى، هذه الحكومة التي شُكلت برغبة من جهات معينة، وليست نتيجة لصناديق الاقتراع وللإرادة الشعبية أو حتى لإرادة الأحزاب، لمسنا أنها حكومة كانت عاجزة عن أي رد فعل، وهذا ما أظهرته الأزمة الأخيرة التي أفرزها حراك الريف، لم تحرك ساكنا ولم تقم بأي رد فعل ولو بالكلام، وبالتالي هذا يُبين أنه لا استراتيجية لها، حكومة انتظارية تنتظر، أكثر من حكومة بنكيران، أن تأتي المبادرة من المؤسسة الملكية. وبالتالي لا أنتظر في هذا الدخول أو في هاته السنة أنه سيكون لها فعلا هامش للحركة، يعبر عن تصور معين أو استراتيجية معينة للإصلاح، أو للجواب عن العديد من التطلعات والمشاكل، كل المؤشرات تدل على أنها حكومة في غرفة الانتظار. بالنظر إلى الوضعية التي يعيشها حزب الاستقلال، وكذلك "البام" بعد استقالة إلياس العماري من رئاسته، هل ترى أن المعارضة يمكن أن تلعب دورها في هذا الدخول؟ لا أظن، فالمشاكل التي يعاني منها حزب الاستقلال ومحاولة الانقلاب من الداخل على القيادة بدعم من جهات معينة، تجعله مقبلا على انفجار داخلي، وضعه هش وبالتالي لن يكون في استطاعته لعب دور المعارضة. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فنعلم جيدا أنه حتى ولو لم تكن هناك استقالة العماري، فالحزب بعد نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016 انكمش، لأنه كان معولا عليه أن يحتل الرتبة الأولى، وما إن أُعلنت النتائج حتى انسحب وترك المجال لأخنوش وللتجمع الوطني للأحرار كحزب استعاضت به السلطة عن البام، وبالتالي لا يمكن أن يكون له مردود في المعارضة، لأنه أولا بكل بساطة، لم يخلق ليكون في المعارضة منذ الأول، وثانيا فوضعه الحالي بعد الرجة التي عرفها بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، لا تجعل منه حزبا قادرًا على لعب دور المعارضة وأصبح حزبا من الماضي، إذن فما نعيشه هو فراغ، فراغ في الأغلبية لأنها غير منسجمة وغير ناتجة عن صناديق الاقتراع، ومعارضة منقسمة وغائبة. في ظل هذا الوضع الذي تعيشه أحزاب الأغلبية والمعارضة، أي أثر سيكون للعثماني كرئيس الحكومة؟ إن الأداء الباهت للعثماني يساهم فيه عامل موضوعي، وهو الذي تحدثنا عنه، وعامل ذاتي. فاختيار العثماني لم يكن اختيارا من باب الصدفة، بل لأنه أقل حدة وأقل نزوعا للاستقلالية من بنكيران، وأقل كاريزمية منه ومعروف بمواقفه المهادنة، وخلال تشكيل الحكومة، نحن نعلم أن الحزب كان يرفض شروط الأحرار ودخول الاتحاد الاشتراكي، لكن حين كُلف العثماني تجاوز الحزب شيئا ما هذا الأمر، باعتباره شخصية مهادنة يحاول أن تكون له علاقات ودية وطيبة مع الجميع. في القيادات دائما هناك دور الشخصيات، دور الزعيم، هل هو فعلا قادر على قول لا؟ قادر على التعبير عن الاستقلالية. والعثماني في اللحظات التي يجب أن يعبر فيها عن استقلاليته، هو دائما يساير الدولة. إذن فبالنظر لهذا الجانب الذاتي وكذلك للعامل الموضوعي، كيف يُنتظر من حكومة ومن رئيسها أداء معين في حين وبالعودة لدستور 2011 هي حكومة تتناقض مع هذا الدستور، وتتناقض تماما مع ربط المسؤولية بالمحاسبة ومُشكلة من مجموعة من الوزراء لم ينتخبوا، ومن خليط من الأحزاب كأننا في حكومة وحدة وطنية، وكأننا في حالة حرب، وبالتالي لا يمكن انتظار من هاته الحكومة أن تنتج أي فعل سياسي كيفما كان، وهي تعبير عن إرادة التوافق وإرادة إدماج الجميع وإرادة كسر العدالة والتنمية أساسا. هل ما إذا اختار البيجيدي في مؤتمره القادم تبني فصل المهمة الحزبية عن المهمة الحكومية، يمكن أن يهدد الأمر استقرار الحكومة؟ لا أظن، فمسألة الفصل هي مطروحة بسبب وجود بعض الوزراء في قيادة الحزب، والذين أسميهم المؤلفة قلوبهم، أي تيار في العدالة والتنمية سار في اتجاه المهادنة وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه الاتحاد الاشتراكي سنة 2002، والذي يبرر موقفه بأنه تم تدشين أوراش ومن غير المعقول الانسحاب، وهي مبررات واهية، ومجموعة من الوزراء تبعوا هذا الخط، وهو خط تراهن عليه الدولة في أفق تحقيق هدفين: أولا؛ لما لا خلق انشقاق داخلي داخل الحزب وإضعافه كما هو شأن الأحزاب الأخرى، وإن لم يكن انشقاق فزرع بذور خلاف داخل الحزب، وثانيا؛ إضعاف ظاهرة بنكيران باعتباره يزعج الجهات العليا، وبالتالي حتى وإن تم نهج الفصل بين الحزبي والحكومي، فالأمر لن يكون له تأثير على استقرار الحكومة، فهذا ليس هدفا للجهات العليا بقدر ما الهدف هو إبعاد ظاهرة بنكيران وإنهائها، لاسيما وأن هناك قاعدة حزبية معه وهي غاضبة من أداء الحزب وتعتبره انبطح وهادن الدولة.