كشف الملتقى السنوي لشبيبة العدالة والتنمية، الذي حمل شعار: «الديمقراطية أولا»، عددا من الحقائق عن البيت الداخلي لحزب المصباح، وعن طبيعة مواقف شباب الحزب من مشاركة حزبهم في حكومة العثماني.. شباب في مقتبل العمر، جامعي في أغلبه، ومتحرر من سلطان المصالح ونزعة المحافظة اللذين يتملكان، في الغالب، الكهول والشيوخ، وهذه أبرز الملاحظات التي يمكن للمراقب أن يسجلها من خلال أسبوع من تتبع النقاشات السياسية التي عرفها الملتقى الثالث عشر، والتي زادها طقس مدينة فاس الحار سخونة. أولا: ازدادت شعبية بنكيران داخل شبيبة الحزب بعد إزاحته من رئاسة الحكومة، وبعد صموده خمسة أشهر كاملة دفاعا عن روح انتخابات السابع من أكتوبر. أكثر من هذا، رفع الشبان في القاعة، على مدى أيام الملتقى، شعار: «الشعب يريد ولاية ثالثة»، تعبيرا عن رفضهم عملية إعدام بنكيران سياسيا، وتشبثا بخط سياسي يحاول العثماني القفز فوقه بادعاء أن حكومته تمشي على نهج سابقتها، وأن جوهر مشروع العدالة والتنمية اجتماعي وثقافي أساسا، وليس سياسيا فقط، هروبا من المحاسبة على التراجعات الخطيرة التي عرفها المغرب خلال الثلاثة أشهر الماضية على المستوى السياسي والحقوقي والتشريعي. ثانيا: كشفت مداخلات قادة الحزب، الذين شاركوا في الملتقى، وجود جناحين مختلفين داخل الحزب، لا مجال لإنكار وجودهما. الأول هو جناح الاستوزار، الذي يقرأ المرحلة الراهنة انطلاقا من موقعه في الحكومة، وهذا التيار، الذي يقوده العثماني، يبرر المشاركة في الحكومة بسياسة الأمر الواقع، والانحناء للعاصفة، والبحث عن مدخلات جديدة للإصلاح غير تلك التي سلكها بنكيران، وهؤلاء، وإن كانوا لا يتوفرون على رؤية ولا حتى على طرح متماسك، فإنهم يسوقون خطابا تبريريا لموقفهم، ويحذرون من مغبة الانجرار للاصطدام بالملكية حتى وإن اصطدموا بآمال الشعب ونتائج الاقتراع، فهذا لا يهم، فالناس سيتفهمون موقفهم في النهاية! والجناح الثاني يقوده بنكيران، ويعتبر أن البلاد والحزب في خطر، وأن مشروع الإصلاح أجهض، وأن نتائج الاقتراع بددت، وأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى عرض سياسي جديد قائم على تعديلات دستورية، وعلى إصلاحات سياسية معقولة، وعلى شراسة الدفاع عن استقلالية القرار الحزبي، وعلى رد الاعتبار للسياسة، فالتوافق، في النهاية، منهجية اشتغال، ومسلك لمرور الإصلاح، وليس هدفا بحد ذاته. ثالثا: كشفت مداخلات الشباب وشعاراتهم أن قاعدة الحزب لم تستوعب أطروحة: «المشاركة في حكومة أخنوش التي يرأسها العثماني»، وأن موجة خرق حقوق الإنسان، التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة على خلفية التصدي لحراك الريف، فتحت أعين الشباب على الكلفة الباهظة التي يدفعها وسيدفعها المغاربة بسبب إعطاء جزء معتبر منهم أصواتهم للعدالة والتنمية، وكأن هناك من يريد أن ينظم حفل عقاب جماعي للذين صوتوا لبنكيران، وأعطوه تفويضا لقيادة المرحلة المقبلة. أكثر من هذا، ظهر في الملتقى توجه لإدانة بعض الوزراء، سياسيا وأخلاقيا، لأنهم وقعوا للدولة شيكا على بياض، واختاروا الطريق السهل، وباعوا ثقة المغاربة بمناصب وزارية محدودة، إما خوفا من السلطة، أو طمعا في المنصب، أو ادعاء حماية «الدعوة»، ممثلة في حركة التوحيد والإصلاح. إذا كان شباب الحزب، في أغلبهم، غير مقتنعين بصفقة العثماني، فكيف سيقتنع بها باقي المغاربة؟ هذا السؤال لم يتأمله الرباح والهيلالي ويتيم، بل جنحوا إلى تحميل الصحافة مسؤولية اللعب بعقول الشباب، وكأن هؤلاء قاصرون، وهذه، لعمري، أكبر إساءة لشباب الحزب الذي يعتبر، في جل الأحزاب الحقيقية، ضميرا حيّا وغير مخدر، وليس ورقة شجرة تلعب بها الرياح. المشاركة في حكومة هجينة ليست تفصيلا سياسيا بلا معنى في هذه المرحلة.. المشاركة في حكومة جاءت ضدا على مسار التطور الديمقراطي، وضدا على إرادة الناخبين، معناها، أولا، ضرب المكتسبات السابقة، على تواضعها، وثانيا، قصم ظهر حزب العدالة والتنمية في بيئة حزبية تعرضت للتجريف، وأنهكت فيها الأحزاب السياسية حتى عادت بلا قدرة على الفعل أو المبادرة. ثالثا، المشاركة في حكومة بلا بوصلة إصلاحية معناها توفير غطاء حزبي لعودة السلطوية في أسوأ مظاهرها. يوما بعد آخر، وحادثة بعد أخرى، وقرارا بعد قرار، يظهر أن حزب العدالة والتنمية ارتكب خطأ فادحا بإذعانه لشروط خصومه، وقبوله المشاركة في حكومة دون احترام المنهجية الديمقراطية، وتغليب قادته مصالحهم الذاتية على المصلحة الوطنية… عندما اتضح للمصباح أن الدولة لا تريده في الحكومة بشرعية انتخابية قوية، كان عليه النزول إلى المعارضة، وامتلاك الشجاعة السياسية لمواجهة تداعيات هذا الموقف. ألم يكن بنكيران يقول ويردد في التجمعات الانتخابية جملة واحدة: «أعطوني أصواتكم، واتركوني بيني وبينهم سأتكفل بهم»، يقصد التماسيح والعفاريت، لكن، للأسف، لم يف حزبه بالوعد.