عندما رأيت إلياس المجاطي يحمل بندقية كلاشينكوف في سوريا، وقد انضم إلى مليشيا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف اختصارا ب«داعش»، صدمت لا لأني أعرف إلياس منذ كان مراهقا يطوف مع أمه فتيحة المجاطي على هيئات تحرير الصحف لعرض «ملفها» حيث لم تكن تطلب أكثر من تسلم جثتي زوجها كريم وابنها آدم، كان إلياس ملتصقا بجلباب أمه منذ كانت معتقلة رفقته بعد عودتها من السعودية... أعرف أن المراهق إلياس كان مريضا، وذاكرته لم تقو على تحمل الأهوال التي رآها وهو طفل ثم مراهق ثم شاب، فعوض أن يكبر وسط أسرة ومدرسة وزملاء فصل ولعب، فتح عينيه على معسكرات القاعدة وبنادق طالبان في أفغانستان، ثم مسلسلات هروب «هوليودي» من القصف الأمريكي على كابل إلى بلاد الحرمين، حيث قتل والده كريم المجاطي ابن العائلة البرجوازية وابنه آدم، الأخ الأصغر لإلياس، في مواجهات مسلحة مع الأمن في الرياض... قصة أشهر عائلة مغربية تنتمي إلى تنظيم القاعدة تستحق أن تروى، وأن تتحول إلى فيلم كبير عن الطريقة التي تستقطب بها القاعدة أعضاءها. فتيحة المجاطي، التي قالت لهذه الجريدة، تعليقا على سفر فلذة كبدها إلى سوريا للقتال في صفوف البغدادي، أمير تنظيم «داعش»: «أتمنى ألا يعود وألا أراه إلا يوم القيامة في الجنة».. فتيحة هذه هي بطلة هذه القصة، إنها امرأة جميلة عاشت في الدارالبيضاء، ودرست الحقوق في مدرجات جامعة الحسن الثاني باللغة الفرنسية، وعاشت متحررة إلى أبعد الحدود، إلى درجة أن بحثها لنيل الإجازة في الحقوق كان حول نقد «تعدد الزوجات في الإسلام»، الذي كانت ترى فيه حيفا وظلما، شأنها شأن «الفيمينيست» في العالم العربي... ماذا وقع لها حتى تحولت من النقيض إلى النقيض؟ تحولت من فتاة غربية إلى امرأة أصولية تحقد على أمريكا وأوربا والأنظمة العربية الموالية لها وتحمل قلبا أكثر سوادا من الخمار الذي يغطي رأسها إلى أخمص قدميها. كانت تعمل في الإدارة بإحدى المدارس الخاصة في الدارالبيضاء بعد أن أنهت دراستها، وكان لباسها لا يغطي سوى ربع جسدها كفتاة متحررة ومتأثرة بثقافة الغرب. ظلت على هذه الحالة إلى أن قامت حرب الخليج الأولى، فأحدثت صدمة وسط الشارع المغربي كما العربي. كانت صور قصف أمريكا للعراق، ثم حصاره وتجويع أبنائه، بمثابة الرجة التي أسقطت عن الغرب غطاءه الأخلاقي في نظرها، خاصة عندما وصل عدد ضحايا حرب العراق إلى أكثر من مليون شخص.. هنا وجدت فتيحة نفسها تعيد اكتشاف هويتها، كعربية ومسلمة. كان رجوعها إلى الدين تحت تأثير السياسة وحروب العلاقات الدولية، ولهذا كان رجوعا قويا وعنيفا ومسيسا... بماذا تبدأ هذه الشابة رحلة العودة إلى الذات التي كانت ترى في أمريكا وأوربا النموذج الحضاري الواجب الاتباع، وهي الآن تستفيق على وقع الصدمة، وترى أن سياسة حكام أمريكا وأوربا سياسة إجرامية تقتل الأطفال وتجوع الأمهات وتهين الشيوخ، وأين؟ في عاصمة الرشيد... كانت البداية من ارتداء الحجاب كعنوان للتمرد على اللباس الغربي، ثم تلى الحجاب الإدمان على أشرطة الدعاية التي كانت الحركات الجهادية تصنعها في التسعينات عن البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان، وكل بؤر التوتر التي كانت تنذر بتحول الحرب الباردة ضد العدو الأحمر الشيوعي إلى حرب ساخنة ضد العدو الأخضر الإسلامي... ثم جاءت الهجرة إلى أرض الإسلام حيث الجهاد فريضة حاضرة وليست غائبة. غدا نكمل القصة...