لا يشكل الخطاب مصدر الخلافات الوحيد بين نشطاء الحراك في الريف والداعمين له. قضية تمجيد الرموز المحلية، إلى حد تغييب وتهميش الرموز الوطنية، تشكل نقطة إضافة في لائحة الخلافات كذلك، إذ مقابل حضور مكثف ل«العلم الأمازيغي» و«علم جمهورية الريف»، هنالك غياب واضح للعلم الوطني. وتتخذ السلطات المحلية من تهميش العلم الوطني مقابل حضور مكثف للرموز المحلية سببا للطعن في أهداف المحتجين، إلى حد وصمهم ب«الانفصال» وتلقي «التمويل والدعم الأجنبي»، خصوصا أن بعض النشطاء يعبرون صراحة، على الفايسبوك، عن قناعاتهم الجمهورية، ويطالبون بالانفصال عن المغرب. تهمة الانفصال لم تصل إلى آذان قادة الحراك الشعبي في الريف مع تصريحات قادة أحزاب الأغلبية، بل بلغتهم قبل ذلك من مسؤولين محليين «يشككون في وطنيتنا. هذا لا تفعله أي حكومة تحترم نفسها في هذا العالم»، يقول إبراهيم، الشاب ذو ال30 عاما والعاطل عن العمل، «هل تتهم إسبانيا سكان الباسك بالانفصال؟ ألا يرفع لاعبو كرة القدم المنحدرون من الباسك أعلام هذا الإقليم أمام كل دول وشعوب العالم؟ لماذا لم نسمع يوما حكومة إسبانيا تتهم الباسكيين بالانفصال؟». ينصرف إبراهيم إلى ساحة محمد السادس، حيث كانت تتجمع الحشود استعدادا للتظاهرة، كان يمشي بخيلاء وهو يرتدي قميصه الأبيض مكتوبا عليه: «كلنا زفزافيون». فؤاد السعيدي، شاب في الثلاثينات من العمر ويعمل مصورا في الحراك الشعبي، يرفض تعميم تهمة الانفصال على جميع النشطاء. بالنسبة إليه، «علم جمهورية الخطابي تراث محلي للريفيين، وحقيقة تاريخية يقر بها العالم أجمع، ولا يمكننا نحن أبناء هذا الإقليم أن نتنكر له». وأضاف: «بسبب علم الجمهورية يتهموننا بالانفصال، وهل كان الخطابي انفصاليا أو عنصريا؟ ما أعلمه أنه سعى إلى تحرير المغرب العربي، وأسّس لجنة خاصة بذلك، وكان قوميا عربيا في قناعاته». وتبدو هذه القناعة منتشرة بين نشطاء الريف، حسب المواقف التي استقتها «أخبار اليوم» منهم. سيليا الزفزافي، مغنية الحراك، تؤكد بدورها: «من حقنا أن نرفع راية الخطابي، لأنه رمز المقاومة، لقد رفعها مولاي موحند (الاسم المحلي للخطابي) في مواجهة الاستعمار الإسباني وليس في مواجهة بلده المغرب». وتتفق سيليا مع فؤاد السعيدي في أن الهدف من وراء وصم السلطات النشطاء بتهمة الانفصال يكمن في محاولة عزل الحراك الشعبي في الريف عن بقية جهات المغرب، حتى يظل منحصرا داخل الحسيمة. لم يغضب نشطاء الحراك من تهمة الانفصال فقط، بل غضبوا أكثر من تهمة قادة أحزاب الأغلبية لهم بتلقي التمويل الأجنبي. مثل هذه التهمة صدرت، حسب مصدر أمني، بعد رصد التحويلات المالية التي تم ضخها خلال فترة الاحتجاجات من قبل مهاجري منطقة الريف في أوربا، ويعتقد أن جزءا منها يصل إلى النشطاء. كما أن التهمة تم تداولها بعد تبادل التهم بين نشطاء في الحراك الشعبي، وصلت إلى صفحات الفايسبوك. وقال مرتضى إعمراشا، أحد من وجّه انتقادات تتعلق بتدبير الموارد المالية للحراك: «لا اعتراض لدي على تحويلات مالية من إخوتنا في المهجر إلى عائلاتهم، ويوصون بأن يخصص جزء منها لدعم الحراك. لقد انتقدت تدبير تلك الأموال وليس مصدرها». يعترف النشطاء بتلقي تمويلات من مهاجرين أبناء مدينة الحسيمة في دول أوربا، ولا يرون في ذلك مذمة أو منقصة. تقول الزيتوني إن «أغلب عائلاتنا يعولها أبناؤها في الخارج. التحويلات تشكل مصدرا رئيسا لعيش الساكنة هنا، لأن الحكومة لم تقدم لنا شيئا سوى الوعود». وبالإضافة إلى تلقي مساعدات من الخارج، يحصل النشطاء على دعم محلي «نجمع التبرعات في الوقفات، وخلال الجموع العامة من النشطاء، لكن هذا لا يكفي، هناك تجار يدعموننا كل بطريقته، بعضهم يوفر لنا سيارة، وآخرون قد يطبعون لنا اللافتات بمقابل بسيط، ومن بين أصحاب الطاكسيات من ينقلوننا مجانا، أو مقابل دفع ثمن البنزين فقط».