"ملك بدون عرش"، "ملك الحشيش المغربي"، "ميسي الحشيش"، تعددت الألقاب التي تطلق عليه في إسبانيا ودول غرب أوروبا، لكن الشخص المعني واحد وهو بارون المخدرات المغربي عبد الله الحاج. عاد اسمه بقوة إلى واجهة الأحداث الأمنية والإعلامية بالجارة الشمالية، الأسبوع الماضي، بعد احتفال الشرطة والحرس المدني الإسبانيين بتفكيك الشبكة التي يتزعمها، والتي وصفت "بالخطيرة والكبيرة"، والمتخصصة في تهريب الحشيش انطلاقا من السواحل المغربية صوب الجنوب الإسباني. لكن فرحة الأجهزة الأمنية لم تكتمل بعد، نظرا لعجزها عن اعتقال "ميسي"، واكتفت بالقول إنه فر إلى المغرب؛ في المقابل، لم تقدم الأجهزة المغربية أي توضيح بخصوص الادعاءات الإسبانية. سقوط الشبكة دونَ الزعيم العملية الأمنية "بابادوس" التي قدمت الشرطة تفاصليها، مساء يوم الأربعاء الماضي، شملت كل التراب الإسباني، وأسفرت عن اعتقال 19 مهربا مغربيا وإسبانيا يشتغلون تحت إمارة البارون الحاج عبد الله (ملك الحشيش)، كما تم، كذلك، حجز 13 طنا من الحشيش، علاوة على ثلاثة أسلحة حربية وثلاثة مسدسات وذخائر من مختلف الأنواع؛ علاوة على حجز 7 عقارات تابعة ل"ميسي" بقيمة 700 مليون سنتيم، و8 سيارات رباعية الدفع قوية، و7 سيارات فارهة. عملية البحث لاعتقال "ميسي" وتفكيك شبكاته انطلقت منذ أوائل 2016، إذ قام الأمن الإسباني بمجموعة من التدخلات سمحت بحجز بعض الكميات المهربة من الحشيش واعتقال بعض المهربين، لكنه كان يفشل في اعتقال الزعيم الذي كان يفلح دائما في الإفلات من الاعتقال. في يناير 2017، اكتشف "ميسي" أنه أصبح المطلوب رقم واحد بالجارة الشمالية فقرر الهرب إلى المغرب، لكن المخابرات الإسبانية علمت فيما بعد أنه يستعد للعودة في مارس الماضي لحضور حفل موسيقي يحييه فنان جزائري بملهى تابع له في الجزيرة الخضراء. وبالتأكيد حضر "ميسي" الحفل، غير أن الكمين الذي نصبه له الأمن الإسباني فشل بعد أن استطاع معاونوه تهربيه من الملهى بأعجوبة في مواجهة أصيب فيها أمنيان. ليكتشف الإسبان بعد ذلك أن "ميسي الحشيش" استطاع مراوغة الجميع وتمكن من العودة إلى المملكة على متن قارب سريع في 17 مارس الماضي ! حتى المسؤولون الأمنيون والحكوميون الإسبان يعترفون بسيطرة عبد الله الحاج على مياه جبل طارق، ويتحرك بكل حرية بين البلدين كما لو أنه في منزله. أنطونيو سانث، مندوب الحكومة الإسبانية، وصف تفكيك شبكة عبد الله قائلا: "هذا خبر عظيم ومن من الدرجة الأولى"، معترفا بأن البارون المغربي قادر على تهريب "8 أطنان من الحشيش في ليلية واحدة" من السواحل المغربية إلى الشواطئ الإسبانية. إنهم "يحركون الكثير من الملايير"، يقول أمنيون إسبان، ويضيفون قائلين: "علاوة على ذلك لديه رجاله في جميع الأماكن والضفتين". ابن طنجة.. ملك بدون عرش ولد عبد الله الحاج في مدينة طنجة يوم 11 يوليوز 1983. يعتبر الابن البكر لأسرة عادية تتكون من خمسة أشقاء. وصل إلى إسبانيا رفقة أسرته عندما كان يبلغ من العمر 14 عاما، بعد ذلك تزوج من فتاة إسبانية رزق منها بطفلين، قبل أن يطلقها ويدخل في قصة غرامية مع الحسناء الإسبانية "ساميا". من يعرفونه يقولون إنه كان قريبا من عالم الإجرام والمخدرات منذ سن المراهقة، وشق سنة بعد سنة طريقه نحو "العالمية" في تهريب الحشيش، حيث نسج علاقات مع شخصيات مرتبطة بهذا النشاط بإسبانيا والمغرب الذي كان يزوره باستمرار. هكذا انتقل المهاجر عبد الله من مستهلك إلى موزع ثم مهرب إلى أن أصبح بارونا للحشيش طبقت شهرته الآفاق. صورة للذكرى مع رئيس الريال ! يظل حجم العقارات والأرصدة التي يملكها مجهولا، لكن الأكيد أن ثروته تعد بالملايير، مما سمح له بالاقتراب من الكبار في ميادين عدة بعيدا عن تهريب المخدرات، إذ التقط صورة مثيرة للجدل مع رئيس ريال مدريد، فلورينتينو بيريز، علاوة على الصداقة التي تجمعه بمدافع ريال مدريد، سيرخيو راموس، هذا الأخير وقع للبارون المغربي قميصه قائلا: "إلى صديقي مع الكثير من المودة والتعاطف"؛ البارون المغربي تمكن كذلك من التقاط صور لأبنائه مع لاعبين كبار في الدوري الإسباني من أمثال مدافع الريال "كارباخال". رغم صوره مع رئيس ولاعبي الريال، إلا أن البارون المغربي يعشق نجم برشلونة ليونيل ميسي، الذي يعتبره إلى جانب نادي برشلونة الأفضل في العالم. لهذا يفضل أن يلقب ب"ميسي الحشيش".
رجل المهمات الصعبة يقول من عاشروا الرجل من المهربين إن "90 إلى 95 في المائة من العمليات التي يقوم بها تتم بنجاح"، وإن "كل من يعمل معه يشعر أنه محمي"، أكثر من ذلك، "فالرجل يدفع جيدا لمعاونيه"، حسب صحيفة إلموندو. المصدر ذاته أشار إلى أن عبد الله الحاج يربح تقريبا من تهريب كيلوغرام واحد من الحشيش أكثر من 3000 درهم صافية، و300 مليون سنتيم مقابل طن، و600 مليون سنتيم مقابل طنين. يقال، كذلك، إنه يدفع للربان الذي يقود قاربا ينقل من المغرب 3 أطنان من الحشيش نحو 50 مليون سنتيم. عبد الله الحاج معروف كثيرا في فنادق وحانات وملاهي الجنوب الإسباني، إذ يترك للنادل بقشيشا يصل في بعض الأحيان 600 درهما. طريقة فريدة عندما يتخذ عبد الله الحاج قرار تهريب شحنات جديدة من الحشيش من المملكة إلى إسبانيا، يأمر معاونيه بإرسال قارب سريع إلى المغرب، حيث يقضي يوما واحدا، وفي الغد يعود محملا بالحشيش، وفي بعض الأحيان تتم عملية التهريب في يوم واحد، كل شيء مرتبط بالتطورات الأمنية في عرض البحر بين المملكتين. بعد وصول الحشيش إلى سواحل قاديس يتم تفريغه في سيارات رباعية الدفع، وينقل إلى مخازن محروسة، قبل أن يتم توزيعه في إسبانيا وأوربا. يبلغ طول القارب الواحد 12 مترا وله 3 محركات من "250 cc "، تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليون سنتيم.
الأيادي الخفية ل"ملك الحشيش" المهرب المغربي "ديدي" أو "لويس هاملتون" قوارب الحشيش، نسبة إلى البطل البريطاني في سباق السيارات فورميلاو 1، لويس هاملتون، سبق وكشف كيف يحصل من كبار بارونات الحشيش، من أمثال عبد الله الحاج، على حوالي 30 مليون سنتيم بعد تأمين وصول حوالي 3 أطنان من الحشيش انطلاقا من السواحل المغربية إلى الجنوب الإسباني. في المقابل، يعترف أنه يربح حوالي 2.5 مليار سنتيم (في حالة بلغ الكيلوغرام الواحد 2 مليون سنتيم) إذا هرب 3 أطنان من الحشيش لحسابه الخاص على متن قاربين سريعين في ملكيته بعد ربط الاتصال بمنتجي الحشيش بالمغرب. وبفضل هذا النشاط يملك التطواني "ديدي" بدون مشاكل عقارات وسيارات وأشياء أخرى في المغرب وإسبانيا، علاوة على أموال طائلة تجعله يعيش حيوات أخرى، حسب موقع الإسبانيول. الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية واعترف المهرب المغربي بأنه لا يجد أي صعوبات أو مشاكل في تهريب الحشيش من المملكة إلى السواحل الإسبانية قائلا: "في المغرب ليس هناك أي مشكل في تهريب الحشيش: نشتري المنتجين في الجبال (الريف)، والأمنيين المرابطين في الطرقات، والشواطئ والسواحل"، مضيفا، "كلهم يأخذون وبشكل مسبق، من أجل ضمان ‘صفر خطر'، ولهذا ليست هنالك أي إمكانية لخسارة رحلة. نعم حتى الأمنيون يحمون ظهورنا عندما نشحن القوارب السريعة". أما في إسبانيا، ف"ديدي" يؤكد أيضا أنهم يدفعون إلى القادة الأمنيين للتستر عنهم قائلا: "ندفع لعناصر الحرس المدني الإسباني لغض الطرف"، موضحا أن العادي هو أن يتم "شراء تواطؤ عنصر أو عناصر أمنية نعرف أنها المكلفة بالحراسة في الليلة التي نرغب فيها شحن وإفراغ الحشيش"، مضيفا "أما إذا كان الأمر يتعلق بمجموعة من الأمنيين فيوزعون الأموال في ما بينهم". شراء قضاة ومدعين عامين إسبان وأوضح المهرب المغربي أنه يتم شراء ولاء قضاء ومدعين عامين إسبان، عبر محامين معروفين بدفاعهم عن "بارونات المخدرات"، مما يسمح بحصولهم على البراءة أو تخفيف الأحكام عنهم للخروج بغرامات مالية تقيهم شر السجن، قائلا: "دفعت 24 مليون سنتيم مقابل خروج صديق لي (في عالم التهريب) من السجون الإسبانية، إذ سلمت المال لمحاميه الذي بدوره وزعه على القاضي والمدعي العام". "ديدي" يشرح أكثر مضيفا: "نتعامل مع القضاء والمدعين العامين عبر محامين معروفين بالدفاع عن التهريب. بواسطة المحامين نعرض عليهم الحصول على الأموال"، مبينا: "المدعي الذي يوجد لديه ملفك يقدم طلبا خطيا أمام القاضي يشير فيه إلى أنه لا يوجد خطر الهروب أو طمس الأدلة. هكذا خلال التحقيق، دوما ما يستجيب القاضي لطلب المدعي العام". قبل أن يستدرك قائلا: "أما إذا كان محاميك لا يعرف أي أحد فإنك ستغرق في السجن".
قيمة الحشيش بالأمس واليوم كانت قيمة الحشيش تبلغ في مزارع شمال المغرب قبل 20 عاما نحو 2400 درهم، أما اليوم فتبلغ أكثر من 6000 درهم. هذا الكيلوغرام الواحد كان يساوي بعد تهريبه إلى إسبانيا 7210 درهم قبل 20 عاما ، لكنه يصل اليوم إلى 14000 درهم؛ علما أنه عندما يتم تهريبه، أيضا، من إسبانيا إلى هولندا وألمانيا أو بعض بلدان الشمال ألأوروبي، كانت قيمته تصل حينها إلى 12000 درهما، في حين أن القيمة تتجاوز اليوم 22000 درهم. كل هذا يعني أن قيمة الحشيش المغربي تضاعفت مقارنة مع أواخر التسعينات، حسب تحقيق ل"الدياريو دي قاديس". وحجزت السلطات الإسبانية 373 طنا من الحشيش سنة 2016، 40 في المائة منه حجز في الجنوب الإسباني، حسب تحقيق لموقع "الإسبانيول". في نفس السياق، يوضح تحقيق آخر لصحيفة "إلباييس"، أنه في جميع التراب الإسباني تم حجز 378 طنا من الحشيش سنة 2015، مبينا أن 299 طنا منه حجز في منطقة الأندلس القريبة من الشمال المغربي، أي أن المحجوزات التي تمت في هذه المنطقة تمثل 78 في المائة من محجوزات الحشيش في كل إسبانيا، حسب أرقام مركز الاستخبارات لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.