وفاة الفنانة نعيمة المشرقي أيقونة الدراما المغربية        "لا يقول صباح الخير".. لويس سواريز يهاجم مدرب المنتخب مارسيلو بييلسا    التوقيع بالجديدة على إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون المغربي الفرنسي في قطاع الخيول    نشرة انذارية… زخات رعدية قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الأحد بعدد من أقاليم المملكة    مجلس جماعة امطالسة يصادق على ميزانية 2025 وتمويل اقتناء عقار لاحتضان مركب للتكوين في المهن التمريضية    الممثلة نعيمة المشرقي في ذمة الله    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة بالعنف باستعمال السلاح الأبيض    "محكمة العدل" تغرد خارج سرب التوافق الأوروبي .. عيوب شكلية ومعالجة مُسيسة    عام على الإبادة... أوقاف غزة: إسرائيل دمرت 79 في المائة من المساجد و3 كنائس واستهدفت 19 مقبرة    رحيل أيقونة الفن المغربي نعيمة المشرقي    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        البكوري: عملنا يستند على إعمال مبدأ القانون في معالجة كل القضايا مع الحرص على المال العمومي    هنغاريا تدعم الشراكة بين أوروبا والمغرب    من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى    استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية    السكوري يُطلق منصة رقمية لخدمة التشغيل    انتقادات للبطء الشديد في عملية إعادة إعمار مناطق زلزال الحوز    "أطباء لبنان" تطلق نداء عاجلا لوقف "مجزرة" إسرائيل بحق الجهاز الصحي    رسالة بنموسى في اليوم العالمي للمدرس    هيئة: أكثر من 100 مظاهرة في 58 مدينة مغربية تخليدا للذكرى الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"    جيش إسرائيل يقصف مسجدا بجنوب لبنان    شركات يابانية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لتعويض نقص العمالة        حزب الله يستهدف قاعدة جوية في حيفا    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون قرار محكمة العدل الأوروبية    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. هنغاريا تؤكد على الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتدرس تطويرها وتوسعتها لمجالات عدة    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد: التحكم في السياسيين بالمغرب ممكن – حوار
نشر في اليوم 24 يوم 18 - 04 - 2017

على هامش صدور كتابه «aux origines du marasme arabe»، يتحدث حسن أوريد في هذا الحوار عن الحضور القوي للأنظمة في العالم العربي، مقابل الغياب الكبير للدولة كعقد اجتماعي، ويقول إن دولا كالسعودية والجزائر ومصر مصابة بالأنيميا، وإن العهود الزاهرة بدول الخليج قد ولت، وإن المغرب يوجد في منزلة بين المنزلتين، وإنه بحاجة إلى أشخاص لهم رؤية وجرأة.
لنبدأ بعنوان كتابك: «aux origines du marasme arabe»، الفتور بلغة الكواكبي أو le marasme هو مرض مرتبط بسوء التغذية. ما الأعراض التي جعلتك تخلص إلى أن العالم العربي مصاب بهذا الداء؟
بدأت، أول ما بدأت، بالتقرير الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 2002 حول التنمية البشرية في العالم العربي، وخلص إلى نتائج مريعة، منها أن العالم العربي يشكو أدواء مرتبطة بمنظومته الاقتصادية، فهو اقتصاد ريعي وخارج التنافسية الدولية ولا ينبني على علاقات بينية، أي ليست هناك علاقات تبادل تجاري بين الدول العربية المتجاورة. والمسألة الثانية التي خلص إليها التقرير تتعلق بالوضعية الثقافية في العالم العربي. فهو عالم ضحل الإنتاج، كميا ونوعيا. عدد ما يصدر في العالم العربي (300 مليون نسمة) كله من كتب أقل مما يصدر في دولة مثل اليونان (9 ملايين نسمة) مثلا، هذا إذا تركنا جانبا محتوى ما يصدر. إضافة إلى تخلف التعليم كميا ونوعيا. والمسألة الثالثة التي خلص إليها التقرير مرتبطة بما سماه الحكامة. وأخيرا قضايا ذات طابع اجتماعي، ومنها وضع المرأة. انطلقت من هذا التقرير والتقييم الذي أجراه بعض المثقفين على التقرير، واصطلحوا عليه ب«le marasme»، ما دعاني إلى أن أتبنى هذا الطرح ومن ثمة المصطلح. والطريف أني وقعت على تشخيص مماثل قام به عبد الرحمن الكواكبي، ووقف على أمراض العالم الإسلامي وأجملها في «الفتور» في كتابه «أم القرى». لست أدري إن كان يمكن أن نترجم le marasme» » بالفتور، لكني أعتقد أن هناك تطابقا في المعنى.
ما هي هذه الأعطاب؟ وما الغاية في نهاية المطاف من التشخيص؟
أدواء العالم العربي عميقة ولها جذور تاريخية، منها المرتبطة ببنية الثقافة العربية، التي لم تستطع أن تندمج في ما يسمى الحداثة، وإن تبنت بعضا من صورها، أو ما يسميه البعض بالحداثة المقرصنة la modernité piratée، ومنها أسباب أخرى تتجاوز العالم العربي باعتباره كان محط تنافس دولي منذ حملة نابليون. حلول نابليون في مصر سنة 1789، كان بالأساس من أجل قطع الطريق على بريطانيا نحو الهند. كانت المنطقة موضع تسابق بين القوتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، ثم فيما بعد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ويمكن أن نضيف تفسيرا للفتور أو لوضع الوهن الذي يعيشه العالم العربي، في ما شخّصه الصحافي اللبناني سمير قصير (الذي اغتيل) في كتابه «المأساة العربية» le malheur arabe وأرجعه إلى ما سماه ب«لعنة الجغرافيا». الكثير من الأدواء التي يعانيها هذا العالم ربما يكون مصدرها قربه من الغرب. العلاقة القائمة بين العالمين هي شبيهة بساعة رملية حينما تمتلئ من جانب تفرغ من جانب آخر، حسب الصورة التي استعملها سمير قصير.
ألم تمثل انطلاقة الربيع العربي في «المنطقة العربية» سنة 2011 بداية التعافي من هذا الفتور؟
من دون شك أن الكثيرين اعتبروا أن هذا العالم يتأهب ليخرج من اللعنة التي جثمت عليه، والتي برزت بشكل قوي بعد هزيمة 1967، وأن هذا الربيع سوف يغلق هذا القوس، وسيمكن من مصالحة العالم العربي مع القيم الكونية. نتذكر مثلا مقولة لواحد من الذين لهم رؤية ذاتية ومتعاطفة مع العالم العربي، «دومينيك دو فيلبان»، وزير الخارجية الفرنسي في عهد الرئيس شيراك، إذ قال أثناء الحراك إن الاعتقاد السائد هو أن العالم العربي مغلق ثقافيا hermétique إزاء الانغمار في الديمقراطية، وأن قوالب الحداثة لا تتطابق والثقافة العربية، ولذلك رأى، مثل آخرين، أن الربيع العربي إرهاص عن إمكانية الانخراط في الحداثة وفي القيم الكونية. كان هذا الشعور قويا، ويكفي للدلالة عليه أن نورد، مثلا، تصريحا للرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بأن ما يعتمل في الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط سيغير خريطة العالم، وهو الطرح نفسه الذي قاله الرئيس أوباما عقب إزاحة الرئيس المصري حسني مبارك، وما اعتبره فتحا في التجربة الإنسانية. اعتبر الكثيرون، ليس فقط من داخل العالم العربي بل من خارجه، أنه ربما ستقوم صفحة جديدة ليس في تاريخ العالم العربي ولكن في العلاقات الدولية. الواقع شيء آخر.
ماذا أظهر الواقع بعد مضي ست سنوات على انطلاق الربيع؟
هناك شيء لا يمكن القفز عليه، وهو الواقع الحالي، والواقع لا يرتفع مثلما يقال. فحينما نقوم بجرد، نلاحظ أن هناك دولا مهددة في وجودها، وأخرى تكاد تكون منتهية، وثالثة فاشلة، وأنظمة مهزوزة ومجتمعات متنافرة. لا يمكن، مثلما يقال، أن نحجب الشمس بالغربال. هناك واقع يفقأ الأعين. ودور المثقف هو أن يتجاوز التشخيص، ويسعى، جهد الإمكان، إلى أن يضع يده على مكمن الداء. وأعتقد، إجمالا، رغم تعقد الأمور، أن هناك، أولا، غياب الدولة كمفهوم. نعم هناك الدولة كأداة من خلال أجهزة زجرية وتدبيرية، ولكن الدولة باعتبارها القاسم المشترك، باعتبارها عقدا اجتماعيا، فهي غائبة. هناك أنظمة مرتبطة إما بطغمة أو بعشائر أو بمصالح.
عمليا، كأنك تربط الدولة بالديمقراطية؟
طبعا الدولة أساسية. نحن استوردنا الكثير من المفاهيم الغربية: الديمقراطية، المواطن، السيادة الشعبية، التقنيات من أجل فرز الإرادة الشعبية مثل الانتخابات، وبعض الأدوات مثل الأحزاب. ولكننا لم نفكر عمليا في مفهوم الدولة، فاختزلنا الدولة في أدوات أو في بعض المؤسسات. والدولة هي فلسفة، هي تعبير عن عقد اجتماعي وأداة للصالح العام، فحينما تتحول دولة ما لصالح فئة ما أو شريحة ما، فهي ليست دولة. حينما لا توجد مؤسسات، مثلا، أو تختزل في أشخاص، لا يمكن الحديث عن الدولة، حينما لا يكون هناك تطابق بين العضو والوظيفة، فلا يمكن زعم وجود دولة. نسمع أن هناك وزارات للتضامن الوطني، ولكن، هل تلك الوزارات تؤدي التضامن الوطني؟ هناك وزارات تسمى التربية الوطنية، هل تضطلع حقا بالتربية؟ وهل هي وطنية؟ التطابق بين العضو والوظيفة مؤشر على قيام الدولة. حينما تنتفي هذه العلاقة، من الصعب الحديث عن الدولة. مجلة «ليكونوميست» البريطانية أفردت ملفا خاص عن العالم العربي في يوليوز سنة 2014 قالت فيه، من ضمن ما قالته، إن هناك إمكانية لتعايش العالم الإسلامي أو العالم العربي والعقل والاختلاف والقدرة على الابتكار، لأن هذا العالم كان قبل عشرة قرون منارة عالمية، وليس هناك شيء ما يمنع هذه المنطقة من أن تزاوج بين ذاتها والقيم الكونية. والمسألة الثانية التي انتهت إليها المجلة هي أن السمة الغالبة في العالم العربي هي وجود أنظمة قوية ودول ضعيفة. وتحدثت عما سمته بالعَرَض الجزائري، الذي لا يقتصر على الجزائر algerian syndrome أي حينما اختطف الجيش انتصار الإسلاميين، ودخلت البلاد دوامة صعبة، وهو الأمر الذي يتكرر، للأسف الشديد، في مصر.
من جانبي، تحدثت عن قصور العالم العربي في مسألتين محوريتين، الاقتصاد والتربية. فالعالم العربي، على شساعته، يعيش، من الناحية الاقتصادية، على الالتقاطية. أكاديميا، لم ينتج نظرية واحدة، ولم ينجب مُنظّرا واحدا في الاقتصاد، ولم يقدم إسهاما يذكر في الإشكاليتين الكبيرتين في الاقتصاد وهما: العلاقة بين العمل والإنتاج، من جهة، وبين خلق الثروة وتوزيعها، من جهة أخرى، في حين نجد مثلا دولا صغيرة مثل الدول الاسكندنافية لها رؤية خاصة بتجربتها، ونجد دولا فقيرة، مثل البيرو مثلا، أنجبت مفكرين لهم باع طويل، ورؤية أصيلة في الميدان الاقتصادي. فأين هو العالم العربي اقتصاديا سوى ما يطبعه من التقاطية، إما من نموذج الاقتصاد الموجه، أو منظومة برتون وودس؟ والمسألة الثانية، وهي التربية، فمع استثناءات قليلة، كتلك التي قام بها طه حسين في نهاية الثلاثينات في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، أو فاضل الجمالي في العراق الذي ارتبط بصداقة مع الأمريكي المختص في قضايا التربية، جون ديوي، واستفاد من اجتهاداته.. باستثناء هذه المحاولات، ليس هناك تفكير حقيقي من أجل ثقافة عصرية وتربية عصرية، لأن التربية هي بالأساس تحويل.. تحويل للإنسان وللمجتمع، وليست سكب معارف. هذه، في اعتقادي، أهم الإشكالات الكبرى التي لم يحلها العالم العربي.
محمود حسين كتب وثائقيا عن «Quand le monde parlait arabe»، ويتساءل في نهايته: لماذا العالم العربي لم يتبدل في سنة 2011؟ وجاء في كتابك حديث عن مقال كريستوف عياد حول «اختفاء العرب»، هل يسير كتابك في منحى الكتابات التي تنذر أو تبشر ببداية أفول هذه التركيبة الثقافية والإثنية؟
وجه العالم العربي مقبل على التغيير سياسيا وثقافيا. وأعتقد أن ما نعيشه وعشناه هو نتاج منظومة استعمارية. والعالم العربي في نهاية المطاف، كمفهوم، هو إسقاط للغرب، هو الذي أنشأ شيئا اسمه العالم العربي، فقبل 1798، لا نجد مصطلح العالم العربي أو شيئا يحيل عليه. فكرة العالم العربي تعود بالأساس إلى الإمبراطور نابليون الثالث الذي راودته فكرة إمبراطورية عربية، وتحدث عن عالم عربي من العراق إلى الجزائر، مثلما أن القومية العربية هي رد فعل ضد الطورانية التركية، والحركة الصهيونية. ولذلك، كان لزاما علي أن أطرح في الكتاب سؤال: هل يوجد عالم عربي، على لساني ولسان مختصين؟ لا أنطلق من أي أرضية إيديولوجية، مع أني أعلم أن المسألة حساسة. في نهاية المطاف اعتمدت التعريف الإجرائي لمنظومة دول هي أعضاء في منظمة هي جامعة الدول العربية، ولغتها الرسمية هي العربية.
وبغض النظر عن الجانب الإجرائي، فالعالم العربي مقبل على التغيير. ومن دون شك هناك وحدات منسجمة ثقافيا من داخل هذا العالم، بلاد المغرب، وادي النيل، الجزيرة العربية، وفي حدود ما بلاد الهلال الخصيب، أي العراق وسوريا، وهي الوحدات الأربع المكونة للعالم العربي، وهو التقسيم الذي كان قد تبناه في الأربعينات أنطون سعادة، منظر سوريا الكبرى.
حينما تقول إن وجه العالم العربي مقبل على التغيير، ماذا تقصد بذلك؟ هل هو مقبل على التغيير من الناحية السياسية، تغيير الأنظمة مثلا، أم من ناحية بنية هذا العالم، لأن ما يفهم من كلامك أن هذه البنية تسير نحو التفكك أو نحو الاضمحلال؟
البنية التي عشنا عليها لحدود الساعة هي نتاج تركة استعمارية، ونحن مقبلون، في العالم العربي، على شيء جديد، ما بعد البنية الاستعمارية. كيف؟ لا أدري. لكن بغض النظر عن المآل الذي لا يمكن أن نتكهن به، فلقد تحدثت عن وحدات داخل هذا العالم، تلك الوحدات الأربع تشكل وحدات منسجمة. لكن، في الوقت ذاته، يمكن أن نقول إن هناك قضايا مشتركة، منها علاقة الحاكم والمواطن، وميكانيزمات ضبطها، وهو الأمر الذي يدبر إما بالخوف، أو بالتمرد الأهوج، الذي هو رد فعل على التسلط. هناك كذلك قضايا مشتركة في ما يخص علاقة المواطن والدولة، هل الدولة، مثلا، كما قلت، أداة بيد الحاكم أم هي تعبير عن عقد اجتماعي لفائدة مكونات مجتمع ما؟ وهناك قضايا مرتبطة بمفهوم الثقافة، هل هي أداة للتغيير والارتقاء أم أداة لإبقاء الأمور كما هي، وبتعبير آخر، لاستدامة التخلف والسلطوية والاستبداد؟ وهناك قضايا مشتركة في ما يخص وضع الدين وتأثيره في المجال العام. لا نستطيع، عمليا، رغم إقرارنا بالاختلافات التي تعتور هذا العالم، أن نقول إنه لا يشترك في قضايا متماثلة، والدليل هو أنه لأكثر من قرنين، فإن ما كان يعتمل في الشرق أثر في المغرب. لذلك، أعتقد أنه من الواجب، إن لم يكن من الحكمة بالنسبة إلى المثقف المغربي، أن يدرس ويرصد ويتتبع ما يعتمل في الشرق، لأنه يؤثر في المغرب.
ما أوجه هذه التأثيرات التي حملتها ريح الشرق إلى المغرب؟
أول شيء هو السلفية، ظهرت في المشرق وتأثر بها مغاربة، نحن نعرف أن «بوشعيب الدكالي»، مثلا، استقر لفترة بالحجاز وتأثر بالسلفية، ودرس في الأزهر ودرّس فيه، وأتى بفكر سلفي إلى المغرب. كل من رفعوا راية السلفية في المغرب تأثروا بما كان يجري في مصر والشام والجزيرة العربية. القومية العربية أو المد القومي العربي انتقل إلى المغرب. لا يمكن أن ننفي أن المغرب، أو نخبه على الأصح، تأثرت بالقومية العربية في الشرق. الحركة الإسلامية كذلك، فهذه القضايا الكبرى تبرز أن ما يحدث في الشرق يؤثر في المغرب.
تحدثت في كتابك عن طريق ثالث ما بين النموذج الإسلامي والنموذج السلطوي، ما هي معالم هذا الطريق؟
لكي أكون موضوعيا، لست صاحب هذه الفكرة. وقفت على كتاب أعتبره من أهم الكتب التي صدرت أخيرا في خضم ما يسمى ب«الربيع العربي»، وهو للمفكر والأكاديمي: «مروان معشر»، حيث كتب كتابا باللغة الإنجليزية سماه: «اليقظة العربية الثانية»، وقد استوحى عنوان هذا الكتاب من عنوان كتاب أصدره في الأربعينات مفكر أمريكي من أصل عربي، هو جورج أنطونيوس، ومؤدى فكرة مروان معشر هو أن اليقظة العربية الأولى كانت شأن النخبة دون الجماهير، أما «اليقظة الثانية» فهي شأن للجماهير دون النخب. هو يأسى لغياب النخبة، سواء الفكرية أو السياسية، عن هذا الحراك، ولذلك هو يقدم بديلا، إن صح التعبير، وهو ما سماه بالطريق الثالث، ذلك أن العالم العربي يتوزع بين الأنظمة السلطوية وبين حركات إسلامية التي هي رد فعل على هذه الأنظمة، وهو يقول إنه ينبغي تجاوز هذه الثنائية، ولكنه يقر بأن المسألة تقتضي عملا عميقا من داخل المجتمع، وتقتضي قواعد، منها العمل السلمي ونبذ العنف والإقرار بالاختلاف، سواء كان سياسيا أو فكريا أو ثقافيا بل وحتى عقديا، وتقتضي، من جهة أخرى، التأني والتؤدة، فلا يمكن قطف الثمار في سنة أو سنتين. هو لا ينكر شرعية الحركات الإسلامية، فهي نتاج للمجتمع تعبر عن أحاسيس وتطلعات مشروعة بداخله، وهي كذلك ثمرة عمل دؤوب، ولكنه يرى أنها لا تستجيب لما تستوجبه القيم الكونية، ولذلك يقترح طريقا ثالثا. أعتقد أن هناك وعيا متناميا لا يستثنى منه المغرب بخيار الطريق الثالث. لكن هذا الطريق الثالث ليس فقط شعارات موسمية أو نوايا أو يافطات انتخابية أو لحظات احتفائية. هو عمل عميق، فكرا وتنظيما وتأطيرا، وأرى أن المستقبل لهذا الخيار الثالث.
هل فعلا ترى أن المثقفين غابوا عن حراك 2011، ربما لم يحضروا بالشكل المطلوب، لكن الحركية واكبها على ما أظن نقاش للمثقفين؟
كان هناك عامل المفاجأة في ما حدث. صحيح أن من كان ينظر بإمعان إلى واقع العالم العربي كان يلمس حالة اعتلال، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يحدث ما حدث بالشكل الذي حدث. كنت كتبت في كتاب صدر لي قبل الحراك العربي، «مرآة الغرب المنكسرة»، أن الطبقات الوسطى سوف تغير ولاءها من الطبقات الحاكمة إلى الجماهير. كانت الطبقات الوسطى بالأساس إحدى أهم دعامات الأنظمة القائمة، وكانت تلك الطبقات الوسطى مستعدة لأن تتخلى عن مطالبها بالحرية شريطة الحفاظ على نوع من الاستقرار وعلى نوع من الرغد المادي، والذي حدث هو أنه مع تغول الليبرالية الجديدة، تأثرت مصالح الطبقات الوسطى، فخسرت ضعفين من حيث مصالحها المادية ومن حيث هامش الحريات، فغيرت ولاءها. هذا كتبته وكنت أرى أن التركيبة القائمة لا يمكن أن تستمر، وحينما نرى ما حدث في تونس أو في مصر نرى أن الطبقات المتوسطة غيرت ولاءها لصالح الجماهير، وانخرط كثير من المثقفين وهيئات المجتمع المدني في مصر وتونس في ذلك الحراك. طبعا الديمقراطية من جانب العملية الحسابية والعدد مهمة، وهنا يضعف دور المثقف. المثقف يحدث أو يتحدث إلى فئة قليلة. لذلك ارتأى البعض، عن صواب، أن الفترات الانتقالية تستدعي مقاربة مغايرة غير مقاربة العدد، وتقتضي إدماج كل الشرائح المؤثرة في ميكانيزمات القرار بعيدا عما تمليه صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي حدث، ربما بشيء من الذكاء والحكمة، في تونس، وهو الأمر الذي لم يحدث في مصر مثلا.
نعم المثقف كان غائبا في السابق لأن مهمة المثقف اختُزلت في باحث يدرس في حيز ضيق ويتخصص في أمر ما، وأحيانا يكون رجع صدى لمؤسسات معينة، ويتحكم فيه كذلك سوق النشر والإعلام. لم يعد المثقف يحتمي بالجمهور، لأنه لا يوجد مثقف من دون جمهور يمنحه الشرعية ويحصنه، ولا يصدر عن أرضية فكرية أو تصور سياسي. فحينما يكون المجال محصورا، بالنظر إلى عدة عوامل موضوعية، يتضاءل بالضرورة دور المثقف. جيد جدا أن يكون لدينا خبراء، أو الذين أسميهم أشخاص الحلول، لكن لدينا كذلك الحاجة إلى أشخاص يطرحون الأسئلة. نحن استمعنا، أكثر من عشرين سنة، إلى أشخاص قدّموا ما سموه حلولا في ما يخص التربية، ولم تُحل مسألة التربية. ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا؟ لماذا فشلت المنظومة التربوية؟ ولماذا فشل الإصلاح؟ سمعنا عدة مرات عن تقنيات في ما يخص التحرير الاقتصادي، ونسمع الآن خطابا آخر من لدن البنيات نفسها، وأحيانا من لدن الأشخاص أنفسهم. كانت العصا السحرية هي ما كان يسمى بتوافق واشنطن في الاقتصاد، أي تحرير المبادلات، والخوصصة، والتضحية بالنفقات الاجتماعية. الآن نسمع شيئا آخر. حالة «مصفاة المحمدية» معبرة. بتعبير آخر، نحن نحتاج إلى التقنيين لا شك، ولكننا نحتاج كذلك إلى أشخاص لهم رؤية شمولية بشأن قضايا المجتمع، قادرين على طرح الأسئلة العميقة، وبجرأة. لذلك، لا يمكن عمليا أن نخرج من هذا الوضع، على الأقل في هذا الحيز، وهو المغرب، من دون أشخاص لهم رؤية ولهم جرأة، وهو دور المثقف. هذا ليس معناه أنه ينبغي للمفكر أن ينعق كل يوم، ويصدح برأي كل أسبوع. لا بد أن يأخذ مسافة من الأحداث ليدرس الظواهر، وإلا سيقع في الابتذال، ولن يسلم من التناقض. نحن نتغاضى عن الصحافي حينما يقول الشيء ونقيضه لأنه يشتغل تحت ضغط اليومي، ونتغاضى حتى عن السياسي، لأنه مرتبط بسياق لا يتحكم فيه، وبولاءات لا يضبطها. لكننا لا نستطيع أن نتغاضى عن المفكر. لذلك، أرى أنه من الضروري أن يرسم مسافة إزاء الأشياء كي تختمر الفكرة، وتبرز الصورة، وكي يكون هناك خيط ناظم في بنائه. ليس معنى ذلك أنه لا يخطئ. وخطأ المثقف، على خلاف السياسي، حين يقع، فهو إيجابي. وأنا أشاطر مروان المعشر قوله إنه لا يمكن أن نخرج من هذا الوضع من دون أشخاص لهم رؤية ولهم جرأة.
لماذا اخترت العودة إلى الماضي لتفسير ما يجري؟ هل لأن هذا الماضي لم يمض؟
تماما. أنطلق من التقييم الذي قام به آلان غريش، وفحواه أن العالم العربي، وبالأخص الفترة التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى، يشكو ماضيا لم يمض. نحن الآن في 2017، قبل سنة كانت المئوية لاتفاقية سايكس بيكو. هذه السنة لا أقول نخلد، ولكننا نعيش مائة سنة على وعد بلفور. بعد شهرين ستكون الذكرى الخمسين لنكسة 1967. هناك زخم أحداث قوية، ولا يمكن أن نضرب صفحا عن هذا الماضي، مثلما أنه عموما لا يمكن فهم مجتمع ما دون الوقوف على ماضيه أو تاريخه. انطلقت من ‘‘راديوسكوبي'' الذي أجراه تقرير للأمم المتحدة، ثم انغمست في المحطات الحاسمة، لكي أفهم هذه الحالة التي استعصت على الانغمار في الحداثة: حملة نابليون، النهضة، حلم المملكة العربية، وعد بلفور، حلف باخرة كينزي ما بين أمريكا وأسرة آل سعود، القومية العربية، من ساطع الحصري، إلى ميشيل عفلق، فالنكبة، أو معنى النكبة، كما كتب عن ذلك قسطنطين زريق، أحد منظري القومية العربية، إلى النكسة. والطريف أن القصيدة الشهيرة لنزار قباني، ‘‘هوامش على دفتر النكسة''، انتهت تماما إلى ما انتهى إليه التقرير. أنتِ لم تعيشي وأنا أيضا لم أعش تلك الفترة، ولكني عشت تموجاتها أو تداعياتها. غداة الحرب العالمية الثانية كان العالم العربي واعدا، أي كان من القوى الثقافية الكبرى إلى جانب الصين والهند التي كان يُنظر إليها كما لو أنها يمكن أن تشكل بديلا سياسيا واقتصاديا وثقافيا. الصين شقت طريقها، والهند في طور شق طريقها، والعالم العربي انتقل من سيئ إلى أسوأ. هذه الوضعية تطرح كما هائلا من الأسئلة، وربما تطرح أسئلة حول المنطلقات ذاتها، هل كان من الضروري أن ننطلق من شيء اسمه «العالم العربي»؟
قلت إن العالم العربي في طور التبخر، وإن كانت هناك ثوابت ومحددات، ابتداء من اجتياح نابليون مصر، تتجلى في مركزية مصر في المنطقة وفي أهمية العالم الخارجي، هل قلب الربيع العربي هذين الثابتين، خاصة مع الدور المركزي الذي لعبته تونس، وكون الدينامية التي عرفتها «الساحة العربية» كانت في البدء محلية وداخلية؟
لا يمكن أن أنكر أثر دينامية الداخل، ولكن، في الوقت ذاته، وقفت على العامل الخارجي باعتباره إما محفزا أو كابحا. حملة نابليون كانت محفزا، وتدخل الفرنسيين والبريطانيين عقب الحرب العالمية الأولى كان كابحا. ومن دون شك كذلك، وهذا أمر انتهى إليه أشخاص اشتغلوا على العالم العربي أكثر مما اشتغلت عليه، ولهم دراية به أكثر مني، مثل إيريك رولو، فإن مصر، مثلا، كانت ضحية لصراع القوتين العظميين أثناء الحرب الباردة، وأدت ثمن صراع القوتين، هذا ليس معناه أنه لم تكن هناك أخطاء في التقدير من قِبل حكام مصر. أنا لا أنكر الديناميات الداخلية، ولكنها إما تصطدم بكابح وإما أنها تُوجّه، ولذلك فالعامل الخارجي كان أساسيا. أما عن مصر، فيبقى دورها محوريا. مصر لها ثقلها، فواحد من أربعة من العالم العربي يعيش بمصر، ونحن نتحدث على كتلة تضم زهاء مائة مليون نسمة. قلت في كتابي إن العالم العربي فقد أمرين، وهما العاملان الحاسمان في علاقة الغرب بالعالم العربي، أولا البترول، وثانيا الممرات البحرية الكبرى، جبل طارق، مضيق هرمز، قناة السويس، باب المندب.. هذه المعابر المائية كانت مهمة بالنسبة إلى الملاحة سابقا. الآن 70 في المائة من التجارة العالمية توجد في بحر الصين. البترول لم يعد استراتيجيا، هناك مصادر طاقة أخرى. ورغم ذلك يظل العالم العربي مهما بالنسبة إلى الغرب، أولا بحكم الجوار، فهو صورة مقلوبة للغرب، أو مرآته المنعكسة، ثم لأن هناك قضايا أمنية ملحة. ولذلك، فإن الاهتمام بالعالم العربي ليس ترفا. ليس ترفا بالنسبة إلى الغرب، لأنه يرتبط بشي أساسي وهو أمنه، وواجب بالنسبة إلى المغربي أن يفهم ما يعتمل في هذا العالم لأنه يؤثر عليه ثقافيا وسياسيا.
ألا ترى أن الديمقراطيين في المنطقة العربية أصبحت تونس قبلتهم، وأصبحت تشكل بالنسبة إليهم محور الاهتمام بالتجربة الديمقراطية بالمنطقة، على اعتبار أنها تجربة تسير بخطى حذرة، ولم يسط عليها الجيش كما حدث في مصر؟
لا شك أن هناك دينامية سياسية وثقافية في تونس، لكن هناك أيضا مشاكل كبرى اقتصادية وأمنية. هناك جوار مضطرب وهو ليبيا بالأساس ويؤثر في تونس، لا أدري إن كنت قد قرأت مقالا لمنصف المرزوقي صدر في ‘‘لوموند'' قبل شهر ونيف يعبر فيه عن أسفه لعدم وفاء الغرب بالتزاماته، ويخشى انحسار الأمل الذي شاع، بما فيه في تونس. لا أستطيع أن أقيّم تجربة أي بلد. أنطلق من الحيز الذي يمنحني شرعية وهو المغرب. لا أعتقد أن تونس ستأخذ يوما ما محورية مصر. على أي، بلدان المغرب ليست هي لب العالم العربي. حين نتحدث عن العالم العربي، فالقلب النابض له هو الشرق الأوسط.
قلت إن العالم العربي حاليا يمثل صورة ساطعة لبلدان ماتت سريريا كالعراق وسوريا، وأخرى في الطريق إلى هذا المآل كاليمن وليبيا، وإن البلدان العملاقة، كالسعودية ومصر والجزائر، تعاني الأنيميا، أليست صورة قاتمة؟
انطلقت من تقييم كريستوف عياد، وأعتقد أنه لا يمكن التستر على المشاكل التي تعيشها هذه الدول. هناك واقع لا يمكن تجاهله. لا يمكن التستر على وضع ليبيا مثلا، ولا يمكن التنكر لما يعيشه اليمن، لا يمكن كذلك أن ننكر أن بلدان الخليج ترفع يافطة الخطر الفارسي، وتعتبر أن هناك خطرا محدقا بأمنها واستقرارها. الحرب في اليمن حرب متعددة الأبعاد، بالنظر إلى الإيديولوجيتين المتضاربتين لكل من إيران والسعودية. فقيام قدم راسخة للنظام الشيعي في اليمن يهدد مصالح السعودية التي تحمل راية السنة. ثم نحن نتحدث عن دول لديها أقليات شيعية. كل هذا يجعل الوضع مضطربا. إلى متى سيصمد الحلف الاستراتيجي القائم ما بين الولايات المتحدة والسعودية؟ اهتز هذا الحلف مع أوباما. كان للسعودية عمق أو درع وهو العراق الذي حمى المنطقة في فترة معينة مع اندلاع الثورة الإيرانية. العراق انتهى، أو على الأقل قلمت أظافره، ولذلك حاولت السعودية أن ترتبط بأطراف أخرى، منها مصر وباكستان. العلاقات الآن متذبذبة بين مصر وبين السعودية. هناك تغيرات دولية في المنطقة عموما، والمسألة ليست مرتبطة بنظام معين أو بطبيعة هذا النظام. هناك عوامل خارجية أثرت على أصحاب القرار في السعودية، وعبروا عنها بنوع من الحسرة في ما يخص الولايات المتحدة. يكفي أن تقرئي ما كتبه مسؤول المخابرات السابق، تركي الفيصل، أو كذلك بندر بن سلطان تعقيبا على الحوار الذي أدلى به أوباما لمجلة ‘‘أتلانتيك''. هناك حركية عميقة تعتمل بدول الخليج. العهود الزاهرة ولّت، ودوله أمام تحديات غير مسبوقة.
وضعت المغرب إلى جانب الأردن ولبنان وتونس، باعتبارها بلدانا «بدون مشاكل»، في قائمة البلدان التي استثنيتها من الصورة السلبية التي عليها باقي البلدان السابقة، هل ذلك تكرار لمقولة الاستثناء المغربي؟
هناك خصوصية مغربية، هذا لا جدال فيه. خصوصية متأتية من الجغرافيا، لذلك فحينما يقال إن المغرب جزيرة، فهناك جانب من الصحة في هذا الطرح. وهذه الجغرافيا هي التي صاغت تاريخا معينا، ولكن، في الوقت نفسه، هناك روابط ثقافية مع الشرق. والذي كان يهمني هو أن أرصد مصدر هذه التأثيرات، لأن الشرق في العالم العربي أثر في المغرب؟ ليست لدي شرعية لأفرض رؤاي على أي كان، لكن من واجبي أن أدلي برأيي في ما يخص بلدي.
المغرب هو في منزلة بين المنزلتين، لديه عوامل نجاح، ويمكن أن ننتقل إلى ترسيخ بنية الدولة. أصبح هناك وعي في ما يخص مسألة التربية. ثم هناك شيء أساسي هو الشعور بالانتماء الموحد. قد نختلف سياسيا، قد نختلف حتى ثقافيا، ولكن هناك قواسم مشتركة، وهناك إحساس ضمني أو لاشعوري بالانتماء إلى شيء اسمه المغرب. هذه عناصر النجاح، لكن، في الوقت ذاته، لا يمكن كذلك أن نغفل أننا في سياق مضطرب نتأثر بما يموج وبما يروج. ومن الضروري استحضار الأخطار، ليس في ما يتعلق بالعوامل الخارجية وحدها، بل كذلك سوء التقدير، وعدم قراءة دينامية المجتمع قراءة عميقة، وعدم التمييز بين الثابت والمتحول… يمكن التحكم في الفاعلين السياسيين، وهم المتحول، لكن لا يمكن التحكم في الدينامية المجتمعية، وهي الثابت. العلوم السياسية تعملنا شيئا وهو أن التاريخ يتطور من جوانبه السلبية، والذي لا يبصر من الغربال يكون أعمى، كما يقول المثل العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.