صناديق الاقتراع شفافة بطبعها. أصلاً صنعت كما هي، لا تقدر على اخفاء أي شيء. ويمكن في أي لحظة حماس مفرطة، أو احساس بالخيانة، وللدفاع عن ما صنعته لأجل كل هؤلاء ولم تصنع، أن تصيح في وجهنا جميعاً، أنها حزينة، وتخبرنا أنها تراقب في ركن ما، داخل دهاليز مقرات وزارة الداخلية المختلفة، نتائج ما تم حشوها به عنوة، دون أن يكون عزاؤها احترام نتائج ما تحملته. صناديق الاقتراع في المغرب وحدها يحق لها أن تشتكي من حال الديمقراطية. هذا المجسم الذي تتحلق حوله الكاميرات لالتقاط لحظة اقتراع "كبار القوم"، ويصرف عليها ملايين الدراهم في السر والعلن، يمكن يوماً ما أن تنظم نفسها، وتعلن حزباً، أو على الأقل جمعية، تنطق بقناعاتها التي تتشبع بها، أن تفضح من يحشوها بالورق بعد استلامه المقابل لأجل ذلك، وأن تفضح من يهربها بين أحضان القرى والجبال لأجل كرسي أحدهم، كما يمكن أن تكشف الأرقام بدقة دون انتظار تقرير من أحدهم، لأنها وحدها تكون الشاهد الأول والأخير على العملية برمتها. هل تعتقدون أن الصناديق ستستمر في أداء مهمتها دون احترام نتائجها؟ أنا لا أعتقد ذلك. لا يمكن أن نتذكرها ونهلل لأجلها في كل مناسبة تشريعية وجماعية، ثم نقول لها بعد ذلك "شكراً لك، ولكن لنا قرار غير ما جئت به". لا يمكن أن نكرر في كل مناسبة بعد أدائها لدورها، أمام هذا الكم من الوعي الذي يجتاح البيوت دون قيد أو شرط، لازمة "المصلحة العليا للوطن" (كذباً). صناديق الاقتراع رهان الكل في العالم، حتى الذين يحسمون نتائج فوزهم قبل اللجوء إليها، يزرون مقامها مجاملة، هم مضطرون لفعل ذلك، ينقلون صور الناس تحج إليها، منهم من يبتسم أملاً، ومنهم من يبستم عنوة، ومنهم من يبتسم فرحاً بنتيجة معروفة قبل أوانها، كما منهم من يبتسم فرحاً بنتائجها الحقيقية دون تزوير مادي أو معنوي. صناديق الاقتراع أصبحت معيار جذب الاستثمارات، وحجة من يبحث عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بل وبفعل تطور أساليب الانتخابات، غدت هدفاً لقرصنة نتائجها. يمكن أن تستهدف شركة أو مؤسسة أو هيئة وحتى منظمة… لفعل ما تريد بحاضرها ومستقبلها، لكن استهداف الصناديق ونتائجها اليوم يجعلك تتحكم بمصير شعب بأكمله، مع منحك إمكانية تحديد سياسيات منطقة، أو العالم كله كما حدث في الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة، التي تعترف فيها أجهزة الدولة العلنية والسرية بالولايات المتحدة أن التدخل الروسي في نتائجها حصل. كان عزاؤها عندنا التزوير وحشوها بالأوراق تحت جنح الظلام، لكن اليوم، لم يعد المتحكمون في نتائجها في حاجة إليها، يمكن أن تصدر هي أي موقف تريد، وفي الأخير سوف يحددون لها ما يريدون هم. كان عزاؤها التسويق لقيمتها وضرورة زيارتها حين يرغب القوم في تغيير أسماء من "يقودون ويقررون يوميات حياة الأمة"، لكنها اقتنعت، وإن جُعلت شفافة منذ مدة، أن هذا لن يشفع لها، لكي تستمر في تصديق أهميتها. لو أعطيت الكلمة للصناديق، ونطقت، لكانت أول من يرفض ما أفرزته حكومة "البريكولاج" بعد "البلوكاج". أكرر ولن أمل من ذلك، لا يجمع هذا الكائن مع حزب تصدر انتخابات 7 أكتوبر 2016 أي رابط ولو شعرة من شعرات معاوية، ولا يتقاسم معه ولو جزء صغير من أطروحته. لكن تلك الصناديق المسكينة، التي كنت أقاطعها لسنوات، وإن هي قليلة، جمعت لأجلها عائلتي الصغيرة في السيارة عبر أفواج، وتوجهت بهم نحو مكاتب التصويت على اختلاف مواقعها، وكل منهم صوت حسب قناعاته، وأخبرتهم قبل ذلك أن الأحوال تغيرت إلى حد ما، وأن من سوف يصل لموقع تنصيب الحكومة وإن اتفقتم معه أو اختلفتم، سوف يترجم بنسبة كبيرة نتائج هذه الصناديق المسكينة، ويمنح الكل فرصة للتدافع السياسي، وفرز إمكانية المواجهة الديمقراطية والسلمية. لكن مرة أخرى واللعنة على (لكن) مرة أخرى، يواجه أفراد عائلة هذا المخلوق بما يحدث اليوم وصنع بالأمس ضداً في جعلهم من المحبين للصناديق الشفافة. كل ما سوقته لهم كان كذباً. أسمع صراخ الصناديق، يصل مسامع الكبير قبل الصغير، حتى الذين ينتشون اليوم ب"فوزهم" على نتائجها، وهي تصيح "أنا لا أمثلكم".