يعتقد محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية، أن عبدالإله بنكيران كان سيُعفى من مهامه، حتى ولو قبل بالاتحاد الاشتراكي في الحكومة، لأن مسألة الاتحاد هي مسألة ثانوية، أمام الرهانات الحالية، التي تحاول فيها الملكية استعادة عدد من التنازلات التي قدمتها. ما تعليقك على بلاغ القصر الملكي حول إعفاء بنيكران؟ هناك نوعان من التعليق: من الناحية الدستورية، يبدو لي أن البلاغ يطرح بعض الإشكاليات، فقد جاء فيه أن الملك قرر تعيين رئيس حكومة آخر، في حين أن هناك رئيس حكومة قائم الذات، هو عبدالإله بنكيران، الذي لم يشر بلاغ الديوان الملكي إلى أنه قدم استقالته، لأن الملك لا يمكن أن ينهي تكليف رئيس الحكومة حسب منطوق الدستور، فالإعفاء يترتب عن استقالة رئيس الحكومة. على المستوى السياسي، فبعد إعلان نتائج انتخابات السابع من أكتوبر وتعيين رئيس الحكومة في مدة 48 ساعة بعد النتائج، دخلنا مرحلة ركود، والبلاغ يحاول أن يؤسس لمرحلة جديدة أخرى، إذ أخذت الملكية زمام المبادرة لإعادة ترتيب المشهد السياسي. هل يعيد التاريخ نفسه ويتكرر مع بنكيران ما حدث مع اليوسفي سنة 2002؟ هناك علاقة بنيوية بين الملكية والمؤسسات الأخرى تفرض سمو المؤسسة الملكية على المؤسسات الأخرى، هذا أمر بنيوي. وحالة بنكيران هي قريبة من حالة امحمد بوستة عندما قال لا للحسن الثاني، حينما اقترحه وزيرا أول ولم يكن راضيا عن وجود إدريس البصري. وفي جزء منها، أي حالة بنكيران، هي قريبة، كذلك، من وضعية عبدالرحمان اليوسفي، إلا أن هناك متغيرات لم تكن متوفرة في مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، وهي أن هناك شعبية متجددة لبنكيران، هذا شيء لم يكن متوفرا للزعيمين السابقين. من 2011 إلى 2015 تاريخ الانتخابات الجماعية، إلى 2016 تاريخ الانتخابات التشريعية هناك شعبية متجددة عرفها بنكيران، إضافة إلى أن ممارسة المسؤولية من طرف بنكيران رافقها الحفاظ على بناء حزبي متماسك لحد الساعة، وهذا اختبار حقيقي يمر منه حزب العدالة والتنمية في نظري لأنه سيبين مدى طبيعة النخبة الحزبية الموجودة في الصف الأول للعدالة والتنمية، وكذلك قدرتها على التماسك. عدم تمكن بنكيران من تشكيل أغلبيته هل هو فشل أم إفشال؟ من الناحية السياسية هناك دائما توجه نحو تحميل المسؤوليات، غير أن المشكل مطروح من عدة أوجه، انطلاقا من ذلك لا أعتقد أن فشل تشكيل الحكومة مرتبط بغياب مؤهلات لدى رئيس الحكومة، الذي بدون شك ارتكب أخطاءً، ولكن هناك عدة معطيات تؤكد أن المسؤولية موجودة وغير محددة. المعطى الأول، يتعلق بطبيعة الأحزاب المعروفة بفقدان الاستقلالية، والمعطى الثاني يهم المفاوضات، التي تكون دائما صعبة بغض النظر عن طبيعة المشهد الحزبي. ثالثا، هامش حركة الطرفين الرئيسيين في المفاوضات وهما بنكيران ونواة السلطة السياسية، كان هامشا محدودا، إذ لم تكن لبنكيران خيارات كثيرة، وكذلك الطرف الثاني. هل يعكس بلاغ الديوان الملكي عجز وفشل الأحزاب وقيادييها السياسيين في تدبير شؤونهم؟ أم إن المؤسسة الملكية مارست صلاحياتها الدستورية؟ يبدو لي أن المشكل مرتبط بحدثين أساسيين لفهم تطور الأشياء، فبغض النظر عما قاله بنكيران، وما رد به عليه أخنوش، تلك أمور عادية في الخطاب السياسي، لكن الأهم هو ما يجري على المستوى الواقعي. إذ ما جرى واقعيا، تجسد في حدثين أساسيين برزا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر. الحدث الأول، هو عدم قدرة النظام السياسي على التحكم في العملية الانتخابية ونتائجها رغم الإمكانيات اللوجيستيكية والمادية التي تمت تعبئتها لهذا الغرض، هذه القدرة تقلصت بشكل كبير، والمواطنون استطاعوا تجاوز عدة عراقيل وضعت لتوجيه أصواتهم. الحدث الثاني هو وجود قوة حزبية سياسية ليس لها منافس حقيقي في الحقل المؤسساتي وهي العدالة والتنمية، وأنا أتحدث عن الحقل المؤسساتي لأن الحقل السياسي يضم قوى أخرى غير منخرطة في المؤسسات؛ وجود هذه القوة قلص من هامش حركة المؤسسة الملكية، فالملكية تحتاج إلى حقل سياسي غير متوازن، مشتت، أو على الأقل متعدد يسمح لها بالحفاظ على القدرة التحكيمية، وصلاحيات الحفاظ على الكلمة الأخيرة عندما تكون أطراف أو على الأقل طرفين يتنازعان حول قضايا ما. إذن وجود هذه القوة هو نوع من الخلخلة للمشهد المؤسساتي، لهذا فالخمسة أشهر التي عشناها كانت تخفي ورائها، أيضا، مشكلا أكبر وهو محاولة خلق قوة حزبية أو تجمع حزبي قادر على إنشاء توازن مع حزب العدالة والتنمية، وهذا التجمع الحزبي ينبغي أن يتوفر فيه شرط هو أن يكون "عبر إيديولوجي"، أي يجمع كافة الأطياف ويخترق الانقسامات الإيديولوجية ك"البام". مسألة أخرى هي إيجاد شخصية ببروفايل آخر مخالف لزعامة "البام" لجذب الأفراد والأعيان وهيئات حزبية لتحقق التوازن مع العدالة والتنمية، وهذا ما لم يكتمل تحققه لحد الآن. ويبدو لي أن تكوين الحكومة سيبقى مرتبطا بخلق هذا التوازن، فحتى مؤتمر التجمع الوطني للأحرار المرتقب في ماي المقبل، يندرج ضمن هذا التصور، أي إيجاد بديل يحد من نفوذ وتجذر حزب العدالة والتنمية المستمر. هل البلاغ يعتبر إيذانا بنهاية زمن الربيع المغربي؟ يبدو لي أن البلاغ يندرج ضمن ممارسات روتينية في النظام المغربي ولا تثير الاستغراب، فمتى كانت هناك مراحل تنازلات عن صلاحيات، إلا ومباشرة تتلوها حركية من أجل استعادتها، فقد كانت دائما هناك جدلية التنازل وإعادة تملك هذا التنازل، وقد بدا هذا واضحا في مرحلة ما بعد الإعلان عن النتائج، فأن يعين الملك بنكيران من الحزب المتصدر للانتخابات أمر يعني أنه لم يختره هو، بل اختاره الناخبون، فهذا تنازل لم يكن بالبسيط في حينه، لكن كان من المتوقع أن تأتي بعد ذلك مرحلة لتدارك هذا التنازل، ونحن في مرحلة بدأ ذلك التنازل يفقد جوهره، في بعض الأحيان تكون هذه المرحلة في حلقات أو في دورات، مثلا دورة انفتاحية تدوم بعض الأسابيع، ثم يتم إعادة عقارب الساعة، وفي بعض الأحيان يكون في الآن نفسه تنازل ويتم إعادة النظر فيه فورا. خطاب التاسع من مارس وبلاغ 15 مارس، انسجام أم تراجع.. فيما يخص البلاغ هو بلاغ وسطي، وفي الوقت نفسه هناك تخلي عن بنكيران، ولكن الحفاظ على بعض المظاهر الدستورية تتمثل في أن الملكية ستعين لرئاسة الحكومة شخصا من ضمن من الحزب نفسه المتصدر للانتخابات، ولحد الآن فموقف الملكية هو موقف وسط، وربما الأمور ستتطور مستقبلا، فهناك موقف حذر نسبيا، أو كما نقول هناك ضربة سياسية معتدلة والضربات الأخرى هي في ملعب البيجيدي، وهناك انتظار لتأثير وقع هذه الضربة على الحزب، والفاعلون السياسيون بما فيهم الملكية ليسوا أحرارا في اتخاذ المواقف التي يشاءون، فهي مرتبطة بتفاعل بين هذه الضربات أي موقف يؤدي إلى مواقف أخرى. هل عبّر البلوكاج عن أزمة دستورية أم أزمة فعل سياسي أم أزمة نظام؟ ما سمي بالبلوكاج هو مرحلة لاحقة على مرحلة الدينامية والحيوية، هو مرحلة جاءت بعد شهور من الصراع الانتخابي المحتدم، تلته مرحلة الركود وهي تندرج ضمن دورة تحاول أن توازن وأن تحد من آثار المرحلة السابقة، فالمرحلة الأولى أي مرحلة الانتخابات كان المواطن فيها مشاركا، مشاركا في العملية السياسية في الحملات الانتخابية، ومشاركا أساسا بواسطة صوته، في حين أن المرحلة الثانية حيث تُختزل العلاقة بين الملكية والنخب الحزبية، أصبح الأمر في يد النخب ووُضع المواطن في دور المتفرج. ودور الملكية في المرحلتين مختلف، في مرحلة الفعل الانتخابي والحركية الانتخابية كان هناك عدم يقين وعدم القدرة على الضبط، في حين أنه في المرحلة الثانية توفرت الملكية على إمكانية كبيرة في التحكم في النخب، ذلك لأن عدد النخب الفاعلة هو قليل ومن بينها النخب المستقلة قليل جدا، إذن فقدرة تدبير الملكية للعلاقة مع النخب هي قدرة كبيرة جدا، إذن فمرحلة البلوكاج تتسم بشكل غير مباشر بترتيب العلاقة بين النخب. كثر الحديث عن الفصل 47 من الدستور وعن البياضات التي تعتريه، هل تعكس تلك البياضات غموض والتباس المرحلة التي فرضته، مرحلة الربيع العربي وحراك عشرين فبراير؟ وهل يمكن أن نقول عنه إنه كان فصلا تدبيريا لمرحلة أزمة سياسية؟ هناك جانبان في سؤالك، جانب تفسير الوضعية التي أفرزت الدستور بشكل عام والمقتضيات الأساسية التي جاء بها الفصل 47، طبعا الظرفية هي معروفة ومعروف أنه كانت هناك توافقات بين قوى معينة حول هذه المقتضيات، ولكن هذا لا يعني أن هذا الفصل صيغ في ظروف تجعل من الصعب استباق ما سيحدث، وحتى لو افترضنا أن النص كتب بشكل دقيق، فالمشكل السياسي كان سيبقى مطروحا، إذن يبدو لي أن المشكل هو في الأساس مشكل سياسي قبل أن يكون مشكلا دستوريا محضا. في سنة 2011 البعض أوّل الفصل 47 على أنه مدخل للملكية البرلمانية، بعد مرور ست سنوات هل فند الواقع هذا التأويل؟ الملكية البرلمانية هي طموح ومطلب لمجموعة من الفاعلين السياسيين، إذ إن الدستور الذي وضع لم يكن متوافقا مع هذا المطلب رغم وجود تنازلات، لكن لا يمكن اعتبار أنه يجيب عن الملكية البرلمانية إلا إذا كان هناك من يفهم الملكية البرلمانية هي كتابة هذه الجملة بالدستور. كيف تنظر إلى المفاوضات بين الأحزاب السياسية حول تشكيل الحكومة، هل ترقى بالنقاش السياسي أم تعبر عن انحطاطه؟ على مستوى المفاوضات هناك ما يتعلق بالشكل، أو ما يمكن أن نقول عنه أسلوب المفاوضات، وهو أمر أكيد لا يرقى لما تعيشه دول ديمقراطية ويمكن أن يقال عنه الشيء الكثير، لكن المشكل يتعدى الأسلوب، ذلك أن مشكل تكوين الحكومة هو مشكل سياسي في ظرفية ما بعد الانتخابات، وهو مشكل معقد نظرا للتحولات التي وقعت في الساحة السياسية والانتخابية، لأن البدائل المطروحة أمام الملكية وأمام البيجيدي هي بدائل قليلة وكل بديل له ثمن. إذن هذه ظرفية سياسية لا علاقة لها بأسلوب تدبير المفاوضات، ومن المسائل الجديدة المميزة لهاته الظرفية التي لاحظناها والتي يمكن اعتبارها إيجابية، هي أنه لأول مرة، ربما، بعد مرحلة بداية الاستقلال، نلاحظ أن هناك اهتماما شبه يومي لدى المواطنين بالمفاوضات بخصوص تشكيل الحكومة، وذلك من خلال تتبع ما يقوله بنكيران والشكل الذي يرد به أخنوش، وفي هذا الأمر قام بنكيران بدور مهم، وقد تم انتقاده على ذلك، حين تم اعتبار أنه يفشي أسرار المفاوضات، في حين أنه قام بإشراك جزء من المواطنين في تتبع هذا المسار والتفاعل معه. كيف تصف رفض بنكيران القاطع لوجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة وتشبث هذا الأخير بالوجود ضمنها؟ أن تكون لكل طرف شروطه قد تبدو مسألة عادية، لكن إذا ما استحضرنا السياق، فحتى لو قبل بنكيران كل الشروط كان سيعرف المصير نفسه، لأن النقاش لم يكن يتعلق بأمور تتعلق بالبرامج الانتخابية، بل كان هناك نوع من استعراض العضلات والاتحاد الاشتراكي كان مسألة ثانوية. تركيز بنكيران في كلمته في الوالدية على مرجعية الحزب الإسلامية، هل يحيل على صراع مع هذا الحزب على أساس إيديولوجي؟ لا أعتقد أن الصراع مع البيجيدي هو إيديولوجي، بل هو صراع بين فاعلين سياسيين. المشكل مع البيجيدي هو سياسي لأنه قوة سياسية لها تمثيلية مهمة، وبنكيران رغم حديثه المتكرر عن الرغبة في التعاون وعن وجوده خلف الملكية، إلا أنه يمثل قوة تزعج النظام السياسي. ألم يبرز البلوكاج مفارقة بين الوزن الانتخابي والقوة التفاوضية للأحزاب؟ هناك دائما عدم توازن بين القوة الانتخابية والقوة السياسية، والتحالفات في بعض المرات يمكن أن تقوم على أساس القوة السياسية. البيجيدي هو أقل عزلة مقارنة مع السابق لأنه يحظى بدعم حزب التقدم والاشتراكية، وكذلك حزب الاستقلال رغم كل ما حدث له في الآونة الأخيرة، والأمر الذي لم يكن متوفرا هو غياب ضوء أخضر لمجموعة من الأحزاب غير المستقلة، هذا الضوء الأخضر كان حاضرا في انسحاب الاستقلال، وفي دخول الأحرار. هل فعلا تكتسب الأحزاب في المغرب قوتها وتأثيرها في الفعل السياسي من الانتخابات؟ من الصعب أن نتحدث هكذا بشكل عام، فالبيجيدي مثلا يستمد قوته من مناضليه، ومن قاعدته الاجتماعية، وكذا من قاعدته الانتخابية، لكن أنت تتحدثين عن مجموعة الأحزاب الأربعة التي كانت في حوار مع بنكيران، فعلا هذه الأحزاب قاعدتها الانتخابية ضئيلة و"المشروعية" التي تتوفر عليها هي قربها من مختلف دوائر القرار. وهذا طرح مشكلا خلال المفاوضات: هل هذه الأحزاب كانت تتحدث بلسان حالها، بدون شك كانت لها مصالح فرغم أنها أحزاب إدارية وغير مستقلة، فلأطرها مصالح خاصة بهم.