تحول حكم المحكمة الابتدائية بطنجة بشأن إثبات نسب طفلة لأبيها من غير زواج شرعي، والذي يعتبر سابقة في تاريخ القضاء المغربي، إلى قضية رأي عام بعد أن دخل الفقيه المقاصدي، أحمد الريسوني، على الخط، منوها بالحكم الذي وصفه ب"حكم صحيح سديد". وظلت نسبة المولود خارج إطار الزواج الشرعي لأبيه مطلبا رفعته عدد من الحركات النسائية لسنوات طويلة، غير أن المجالس العلمية والقوى المحافظة ظلت تتحفظ على ذلك، بحجة الخوف من اختلاط الأنساب. ووصفت عائشة الشنا، أول ناشطة نسائية رفعت هذا المطلب منذ سنة 1991 ورئيسة جمعية التضامن النسوي، القاضي الذي أصدر الحكم ب"الشجاع"، وقالت ل"أخبار اليوم" إن قاضي طنجة "بذل جهدا كبيرا من أجل تعليل هذا الحكم، لقد بحث في الدستور وفي القوانين الوطنية، وفي الاجتهادات الفقهية الإسلامية، كما بحث في القوانين الدولية والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، لكي يمنحنا حكما قضائيا يشرف المغرب كدولة ديمقراطية ومنفتحة". من جهته، قال أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح وفقيه مقاصدي، "أرى أن حكم المحكمة بإثبات النسب في هذه الحالة حكم صحيح سديد. وكذلك لو حكموا بالنفقة للبنت، فهي مستحَقة وتابعة ضرورةً للحكم بثبوت النسب". وأضاف الريسوني إن هذا الموضوع "سبق لي أن عالجته منذ 25 سنة، في أطروحتي للدكتوراه (نظرية التقريب والتغليب)، التي نوقشت سنة 1992، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وفيها عرضت رأيي مفصلا ومعززا بالأدلة الشرعية". وأصدرت المحكمة الابتدائية، بطنجة حكما قضائيا أقر مبدأ حق الطفل المولود خارج إطار الزواج في انتسابه لأبيه البيولوجي، وحق الأم في التعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء إنجاب ناتج عن هذه العلاقة، وعللت المحكمة قرارها بنصوص من اتفاقيات دولية ومن الدستور. وأيّد الريسوني الشق الأول من الحكم القضائي، أي إثبات نسب الطفلة لأبيها بالاستعانة بالخبرة الطبية(تحليل الجينات)، لكنه اعترض على الشق الثاني منه، أي إقرار تعويض قدره 100 ألف درهم لأم المولودة، وقال الريسوني "كيف سيكافأ شخص على فعل مجرم هو شريك فيه على التساوي مع الشريك الآخر"، ودافع بدلا عن ذلك بإقرار النفقة "لو حكموا بالنفقة للبنت، فهي مستحَقة وتابعة ضرورةً للحكم بثبوت النسب" على حد قول الريسوني. وقضت المحكمة بالتعويض بمبرر أن النفقة تقتضي وجود علاقة زواج شرعي، وهو الشرط غير القائم في الحالة التي عالجتها وصدر الحكم القضائي بشأنها. وخّلف هذا الحكم ارتياحا لدى عائشة الشنا، غير أنها عبّرت عن تخوفها من أن يتم إلغاءه في مرحلة الاستئناف، بسبب "ضغط القوى المحافظة التي تريد احتكار الدين لنفسها"، وتعتبر الشنّا أن "إثبات النسب عن طريق تحليل الجينات يعد أحد المداخل الفعالة من أجل التغلب على ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم ".