تنتشر في مقاهي المدينة ظاهرة التحضير "المختلط" للامتحانات، طالبات وطلبة يقصدون المقاهي "الهاي" بدعوى الاستعداد للامتحانات الجامعية، أو القيام بمراجعة جماعية للدروس والمحاضرات. "اليوم24" ينقل أسرار طلبة وطالبات "المقاهي"، ويكشف عن حقيقة ما يجري داخل صالات "الويفي"، التي يتداول فيها الطلبة كل شيء عدا الدروس والمحاضرات. هكذا بدأت الظاهرة ! ظاهرة المطالعة الجماعية ليست جديدة في صفوف الطلبة المغاربة، لكنها في تجلياتها الحالية تثير الكثير من التساؤلات، وتدفع لخلخلة الثابت والمتغير في ظاهرة بختلط فيها المقدس بالمدنس؛ تقديس طلب العلم والعمل على تحصيلة، وانحراف هذا الفعل عن مقصده، بالنظر إلى ما يجري في الخفاء. يقول "عاهد.ز" أستاذ التاريخ والجغرافيا في الثانوي التأهيلي ل"اليوم24″: " التحضير الجماعي للامتحانات، أو مراجعة الدروس والمحاضرات، ظاهرة متعارف عليها بين الطلبة والطالبات، وهذا ما يمكن الوقوف عليه في مقاصف الكليات، لكن خارج محيط الجامعة فهو شيء جديد"، مضيفا أن " على الأقل في مقصف الكلية توجد أعراف والفضاء مراقب.. عكس الفضاءات الخارجية". فين غادية؟ عندي "بريباراسيون مع صحاباتي فالقهوة" ! يتداول عدد من الطلبة والطالبات، خاصة مع اقتراب موعد امتحانات الدورة الأولى والثانية من الموسم الدراسي، مصطلح "البريباراسيون"، ويفيد التحضير الجماعي للامتحانات، ولن يكون كذلك إلا إذا كان في إحدى المقاهي "الهاي" بأحد الأحياء الراقية. تقول "ف.ب" طالبة في الحقوق:" التحضير الجماعي ضروري لتبادل المعارف والأفكار"، مضيفة في تصريح ل"اليوم24″:" أقول لوالدتي عندي بيرباراسيون مع صحاباتي". نفس الموقف عبر عنه زميل الطالبة في مقهى "هاي" بحي طريق عين الشقف في فاس، مؤكدا أن "الوقت تغيرات بزاف، وأساليب المطالعة تغيرت كذلك"، قبل أن ينخرط الشاب ورفيقته في مسلسل ضحك "مستفز". حقيقة ما يجري في المقاهي.. ! المبرر الذي تحصل به الطالبة على "رخصة" الخروج إلى المقهى للتحضير للامتحانات، ويجعل الأسرة مطمئنة هو "المراجعة مع صحاباتي"، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، لأن معاينة بسيطة لمقاهي حي "طريق عين الشقف" بفاس، أو حتى بعض مقاهي مدينة مكناس، تؤكد أن الصاحبة ليست سوى "صاحب"، قد يكون شاب أو رجل لا علاقة له بالدروس والمحاضرات. تقول له " أنت تشك في قدراتي.. والله حتى نجيب المعدل"، يرد عليها مبتسما " شربي قهوتك وسكتينا"، قبل أن تمرر يدها فوق ظهره، وتنزع عنه "الجاكيطة"، لتضعها فوق كرسي بجانبهما. هذا المشهد لم يكن سوى قليل من كثير، ذلك أن في الطابق العلوي للمقهى، حيث ملأ الطلبة والطالبات أرجاء الفضاء، لا شيء يوحي بالتحضير للامتحانات، أو مراجعة الدروس والمحاضرات، لأن الجميع كان منهمكا في الحديث عن الهواتف الذكية، وأحسن الرنات الموسيقية، وأفضل المقاهي المتواجدة في المدينة.. أما المطبوعات والوثائق فقد ظلت "مستفة" فوق الطاولات. فترة الزوال.. بداية التوافد على مقاهي "المطالعة" الخروج إلى المقاهي للتحضير ومراجعة الدروس، يبدأ، كما يكشف عن ذلك نادل يشتغل في مقهى منذ سنوات عديدة، من الواحدة زوالا، وهي الفترة التي يغادر فيها الزبائن كراسيهم، لتناول وجبة الغذاء. إن اختيار هذا التوقيت له اعتبار أساسي، حسب المصدر نفسه، وهو خلو الفضاء من الزبائن العاديين، واستغلال ساعات ما بعد الزوال للدردشة و"هريد الناب"، لأن "القليل من الطلبة من يأتي للمراجعة والتحضير للامتحانات"، يؤكد النادل. وعلى هذا الأساس، سن بعض أرباب المقاهي "قانونا" يقضي بمنع المطالعة في أوقات محددة، بل منهم من كتب إعلانا يمنع من خلاله المطالعة أو التحضير للامتحانات، بمبرر إزعاج "الكليان". محاضرات ووثائق.. وعلبة سجائر وولاعة ! لا تكتمل متعة المراجعة أو التحضير للامتحانات، حسب أعراف بعض الطلبة والطالبات، إلا بوجود متلازمات أساسية، تحقق التناغم بين الفعل والفاعل، وتجعل الجلسة "رجولية" بامتياز، يتعلق الأمر بعلبة سجائر، قد تكون من النوع "المصنف"، بالإضافة إلى فنجان قهوة أسود وولاعة و"سندرية"، هذه المكونات تضمن توليفة خاصة مع المطبوعات، الوثائق، الأقلام، والهواتف الذكية، وكأن العلاقة بينها لا تقبل التجزيئ أو الفصل. ولهذا الغرض، البعيد طبعا عن التحصيل العلمي، يختار الطلبة والطالبات، بل حتى تلاميذ الثانويات، الطابق العلوي للمقاهي، لكونه يضمن لهم نوعا من التحرر، ويعزلهم عن باقي زبناء المرفق. في هذا الإطار، يتحدث "محسن.ك"، أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع، مبينا أن" ولوج الطالبات والطلبة المقهى للمراجعة لا يعدو كونه مبررا لا علاقة له بالواقع، فقط لأن هذا الفضاء يوفر لهم ولهن نوعا من الحرية". بين الشوطين.. قبل ومداعبة وما خفي أعظم ! يحكي الدكتور "ع.ز"، أستاذ متخصص في التاريخ، في حديث مع "اليوم24″، ويكشف عن تفاصيل ما يسمى التحضير المختلط للطلبة والطالبات، مؤكدا " مع اقتراب نهاية الموسم الدراسي، بل خلال امتحانات الدورة الأولى، كنت ألاحظ ظواهر غريبة تخترق المقاهي الراقية، أبطالها طلبة وطالبات، شابات وشباب يقصدون المقهى لتدخين السجائر، وتبادل القبل، ولا يهتمون بدروسهم، لأن اللقاء يكون حميميا بامتياز". ويضيف الأستاذ، الذي قضى ما يزيد عن 8 سنوات في جامعة ظهر المهراز بفاس " انتشرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وبقدر ما تحمل على مستوى الفكرة معطى إيجابي يحيل على تبادل الأفكار والرؤى، فضلا عن التعاون وتداول الخبرات، فإنها الكثير من الطالبات والطلبة يستغلون "الفرصة" لمعانقة الحرية، بل يتخذون من المقهى مكانا لممارسة حميميتهم، وما خفي أعظم" ينهي الأستاذ كلامه. غياب فضاءات توفر شروط المراجعة والتحضير.. موقف تقدمي عبر عنه "محسن .ك"، أستاذ وناشط إعلامي، الذي تحدث ل"اليوم24″ قائلا: " في مدينة فاس مثلا اختفت جل المقاهي التي كانت توفر شروط المعرفة"، مضيفا " في غياب مقاهي متخصصة تراعي شروط المعرفة، تبقى لقاءات الطلبة والطالبات مجرد اجتماعات يغلب عليها الطابع الفوضوي أكثر من التحصيل العلمي".