إن المتأمل في وضعية القراءة في المغرب، ومدى الاهتمام الذي توليه لها الدوائر الرسمية في البلاد، وعزوف المواطنين عنها،وعدم تفكير المسؤولين في تطوريها وتشجيع الاستثمار فيها، كلها مؤشرات توحي بوجود اهتمامات أخرى تصرف الناس عنها وعدم إدراك أهميتها في التنمية ومحاربة الفساد. ففي واقعنا نجد الاقبال المتزايد على أماكن الترفيه والتسلية كالمقاهي ،وصالات الألعاب وكما يقال " بين القهوة والقهوة قهوة" وهذا دليل على تواجدها في كل مكان، فأينما وجهت وجهك تجد أمامك مقهى، ناهيك عن اشتداد المنافسة بين أرباب المقاهي لجلب الزبناء وذلك عن طريق توفير مجموعة من الخدمات كالربط بشبكة الانترنيت و الجرائد بالمجان والتفاني في خدمة الزبون ومحاولة إرضائه بتلبية بعض احتياجاته، كما أن أصحاب الأموال أصبحوا يتهافتون على الاستثمار في هذا المجال لأنه من بين أهم المشاريع المربحة والتي تلقى إقبالا لا نظير له. الذهاب للمقهى ليس عيبا في حد ذاته، لكن العيب هو ما أصبح يهدد المجتمع اليوم من بروز بعض الظواهر السلبية في هذه المقاهي ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ظاهرة قتل الوقت التي تفشت بشكل مخيف في المجتمع والذهاب للمقهى عند الأغلبية مؤشر على الفراغ الذي لا يتم استثماره في ما يفيد، كما أن التدخين أصبح من أساسيات الجلوس في المقهى حيث أول ما تجده فوق الطاولة " الطفاية" فهذا دليل على أن أغلب رواد المقاهي مدخنون فإذا شعر النادل بأن الزابون لا يدخن سحبها خلسة والنسبة التي لا تدخن قليلة جدا، وحتى إذا اضطر شخص للجلوس في المقهى لغرض ما فإنه لا يسلم من استنشاق دخان السجائر المنبعث من كل جانب، فهو يتضرر أكثر من المدخن نفسه أي ما يسمى بالتدخين السلبي. كما أن المقهى لا تخلو من بعض المظاهر السلبية كشرب الشيشة وتناول بعض المخدرات، بالاضافة إلى أحاديث العشق والغرام بين الجنسين، حيث تفننت بعض المقاهي في توفير الظروف المناسبة، والأجواء المواتية كالأضواء الحمراء والموسيقى الهادئة التي تناسب الموقف، ناهيك عن ترويج القمار وغيرها من الظواهر التي تنخر المجتمع وتساهم في تمييع الشباب، وضرب قيمه وتشجيعه على ثقافة المسخ والاستهتار واللامبالاة. بالموازة مع ذلك لو فكر القائمون على الشأن العام في إنشاء مقاهي متعدد الاختصاصات طبعا تمنع فيه كل الأمور السلبية التي تطرقنا لها من قبل، هذه المقاهي تكون عبارة عن مكان للمطالعة والتثقيف بتخصيص فضاء لذلك، وربطه بالانترنيت لمن أراد أن يبحث في الشبكة العنكبوتية، كما يخصص جزء من هذا المقهى للكتب في شتى التخصصات،للطلبة والباحثين، وفضاء للمطالعة، فتتحول المقهى من مكان لقتل الوقت والتسكع وغيرها إلى فضاء يصنع الثقافة ويشجع على القراءة،فالقراءة القراءة يأمة إقرا، فمتى يتحقق هذا الحلم؟؟؟ وتساهم المقاهي في صنع الإنسان الواعي والمثقف الذي يبني مجد وطنه؟؟ فبالوعي يمكن أن نحارب الفساد، ونبني وطننا على قيم المحبة والإخلاص،و لن يتأتى ذلك إلا عن طريق تشجيع القراءة وطلب العلم، والتحرر من القابلية للفساد.