حسرة لدى المهتمين ومسؤولون بالجامعة لا يرون غضاضة في تعيين ناخب لمباراة واحدة يوجد المنتخب الوطني الأول لكرة القدم في وضع غريب، فهو بدون مدرب منذ شتنبر الماضي، تاريخ انتهاء العقد الذي كان يربط رشيد الطاوسي بالجامعة الملكية المغربية، على عهد رئيسها السابق علي الفاسي الفهري، مع أن هذا المنتخب سيتعين عليه أن يدافع عن كامل حظوظه في الظفر باللقب القاري، في دورة 2015 للنهائيات الأممية التي ستنظم في المغرب.
صرخة بنعطية وصداها لدى وادو.. كانت صرخة الدولي المغربي المهدي بنعطية، لاعب نادي روما الإيطالي لكرة القدم، في وقت سابق، دالة جدا، بعد أن قال، في تغريدة له على تويتر، إنه كان يتمنى لو أن المنتخب المغربي بدوره تمكن من التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل، مشيرا إلى أنه استشعر أسى عميقا وهو يشاهد زملاء له في النادي يغادرون في اتجاه بلدانهم ليشاركوا مع منتخباتها في المباريات الموافقة لتواريخ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". ولم يكد يمضي بعض الوقت على صرخة الدولي المغربي المهدي بنعطية، التي وصل صداها إلى عشاق الكرة المغربية، حتى علت صرخة أخرى تشبه الصدى بالنسبة إلى الصرخة الأولى، وجاءت هذه المرة من الدولي السابق عبد السلام وادو، العائد من تجربة سيئة بالدوري القطري، وقال خلالها، في تصريحات إذاعية، تداولتها مواقع كثيرة على الإنترنيت، إنه لا يفهم كيف تأخر تعيين ناخب وطني كل هذا الوقت، موضحا أنه قلق إزاء وضع الكرة المغربية، سيما أن المنتخب الوطني سيكون مطالبا بالظهور بشكل قوي في نهائيات كأس إفريقيا 2015، التي ستنظم في المغرب. عبد السلام وادو، وهو يؤكد صحة الصرخة التي صدرت عن زميله بنعطية بخصوص المنتخب، كان يدق ناقوس الخطر بشأن وضع غير طبيعي، استمر لوقت طويل، مع أنه كان يلزم التصحيح، في أفق تكوين نخبة قوية، بناخب يعرف أهدافه للمرحلة المقبلة جيدا، فضلا عن الطريق الذي يتعين عليه العبور منه نحو الأهداف المتوخاة.
وضع مكرر.. قصة غيريتس نموذجا.. أسوا ما في الوضع الذي يعيشه المنتخب الوطني منذ شتنبر الماضي هو أن القصة نفسها تتكرر، وليس ببعيد عنا ما وقع مع البلجيكي إيريك غيريتس، وهو الذي انتظرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تسعة أشهر حتى تعينه ناخبا وطنيا، فجاءت تجربته مع أسود الأطلس سيئة إلى حد بعيد، سيما أثناء المشاركة في النهائيات الأممية الإفريقية في دورة 2012 بالغابون، إذ خرج المنتخب الوطني من الدور الأول، بعد انهزامه أمام كل من تونسوالغابون، وفوزه على النيجر، في سباقة تتمثل في الخروج الأول للمغرب من أمم إفريقيا بعد إجرائه مبارتين. ولم تكن تلك التجربة الوحيدة مقطوعة الصلة بالماضي، أو بلا مثيل فيما سبق، ذلك أن المنتخب الوطني كان قد عاش وضعية كالتي يعيشها اليوم، ذلك أنه بعد إعفاء البرتغالي روبيرتو كويلهو ظلت الجامعة تتخبط في مسألة تعيين ناخب جديد، والدليل على ذلك أنها لم تتعاقد مع المساعد الزاكي بادو إلا بعد رحلة طويلة من الأخذ والرد، إذ كان هناك داخل الجامعة من يفضل التعاقد مع مدرب أجنبي، والاسم الذي كان يوجد في المفكرة حينها هو الفرنسي روجي لومير. وحدث الشيء نفسه تقريبا في الفترة الفاصلة بين إعفاء الزاكي بادو وإعفاء رشيد الطاوسي، ذلك أن الجامعة، في عهد الجنيرال بنسليمان، لم تتعاقد مع روجي لومير إلا بعد أن استنفذت الكثير من الوقت، ليأتي علي الفاسي الفهري، الرئيس الجديد، ويعفيه بعد فترة طويلة أيضا من القرار الذي كان موجودا في الدرج، وخرج متأخرا أكثر من اللازم، ليفضي إلى تجربة عجيبة، تمثلت في التركيبة الرباعية المكونة من حسن مومن، وجمال سلامي، وعبد العالي بناصري، والحسين عموتة.
تداعيات سيئة على الأداء العام.. تأثير التأخر في التعاقد مع ناخب وطني، أو التذبذب في الاختيار، أو الإعفاء المتسرع والمجاني، تكون له تداعيات سيئة جدا على الأداء العام للمنتخب، وهذا بالضبط ما أشار إليه اللاعب الدولي عبد السلام وادو حين قال إنه لا يفهم لماذا يفكر الناس في إفريقيا في النتيجة الآنية فقط، عوض أن يفكروا في مسألة أكثر أهمية، وهي تكوين منتخب على المدى الطويل، مشيرا في هذا الصدد إلى إعفاء أكثر من ناخب فقط لأن منتخبه لم يتسن له تحقيق نتيجة ترضي الناس في النهائيات الإفريقية. وحدث في المغرب أن أعفي الزاكي بادو، مثلا، لأسباب واهية للغاية، فلم يستقر حال المنتخب من بعده لفترة طويلة جدا. كما أن التعاقد مع خليفة للفرنسي لومير تأخر أكثر من اللازم، فعانى المنتخب مرة أخرى، والنتيجة تقهقر الأداء، وتيه اللاعبين، سواء منهم الدوليون الذين فقدوا البوصلة، أو المحليون الذين فقدوا مكانتهم أصلا، فلم يسترجعوها إلا بفضل الكأس الإفريقية المحلية، وأثناء تجربة رشيد الطاوسي، التي لم تستمر لفترة طويلة مع الأسف. ونتيجة للتأخير، وتكرار التجربة نفسها في الخطأ، لوحظ كيف أن أداء المنتخب الوطني تغير في منحنى سلبي، إذ أنه وهو يستعيد بعضا من توهجه مع امحمد فاخر، الذي عُين هو الآخر بشكل متأخر بعد إعفاء الزاكي بادو، سرعان ما عاد إلى التقهقر بفعل التغيير مع هنري ميشال، ثم التأخر في تعيين مدرب جديد بعد إعفاء ميشال، وما تلا ذلك من تذبذب كانت نتائجه تظهر جليا، نهاية كل شهر، في الترتيب العام للمغرب في التصنيف الشهري الذي يصدره الاتحاد تلدولي لكرة القدم.
تداعيات أخرى.. غياب نواة صلبة.. في مرة أطلق الدولي المغربي السابق فخر الدين رجحي، مدرب فريق شباب المسير حاليا، مزحة بشأن المنتخب الوطني، مفادها أنه صار شبه مستحيل إيجاد صورة كبيرة للمنتخب (بوستير)، ذلك أن لاعبين يتغيرون باستمرار بين مباراة ومباراة. وقد كان فخر الدين رجحي محقا للغاية في كلامه، ذلك أن المنتخبات الوطنية بشكل عام تتشكل من نواة صلبة لا تتغير إلا نادرا جدا، وهي النواة التي يضم إليها الناخبون لاعبون مهرة عادة ما يؤدون أدوار المساعدة، والتحضير، فيما يتكفل اللاعبون المهاريون بالتخطيط، والتغيير، والتهديف. وكان لتغيير الناخبين الوطنيين، أو التأخر في تعيين من الأصل، تداعيات كبيرة جدا على التشكيل الوطني، ذلك أن جملة من اللاعبين فقدوا ثقتهم في الجامعة، أو غيروا رايهم في الانضمام إلى المنتخب، أو أصبحوا يتعاطون معه بشكل غير جدي. فبين سنة 2004، التي شكلت على مستوى المنتخب الوطني زخما قويا جدا في ظل وجود لائحة مبدئية بأزيد من ثلاثين لاعب يستحق حمل القميص الوطني، وسنة 2014، التي أصبحت فيها مهمة إدارة المنتخب عبئا ثقيلا جدا، بفعل ندرة اللاعبين المستحقين كي يكونوا في لائحة الأسود، حدث أن تغير العديد من الناخبين، أو تأخر التعيين. وبينما كان الزاكي يلام في تلك الأثناء لأنه لم يختر اللاعب الفلاني أو غيره، بداعي أنه يفضل أسماء بعينها تؤدي تعليماته دون نقاش، سيلام اليوم كل من تحمل عبء قيادة المنتخب الوطني لأنه لم يتمكن من إيجاد لائحة قوية من 11 لاعبا فقط، بما أن الأسماء البارزة حاليا معدودة جدا، يمكن أن نذكر منها المهدي بنعطية، وننتظر كثيرا كي نجد اسما آخر في مستواه.
ناخب لمباراة واحدة.. المهزلة.. بعد أن عُين رشيد الطاوسي لمباراة رسمية كان القصد من ورائها التأهل إلى النهائيات القارية بجنوب إفريقيا لسنة 2013، وقبول الأخير بالمجازفة، ثم تعيين حسن بنعبيشة ليقود المنتخب المحلي في نهائيات أمم إفريقيا للمحليين 2014، جاء الدور على المنتخب الوطني الأول ليكون محل طلب تعيين ناخب وطني لمباراة فقط، ولكن هذه المرة ودية، وهي المباراة التي يفترض أن تجري بين أسود الأطلس والغابون يوم 5 مارس المقبل في ملعب مراكش الدولي، مثلما أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. ورغم أن هذا الوضع يبدو عبثيا، فإن جامعة تصريف الأعمال لم تتورع عن الحديث في الموضوع، والقول، عبر مصادرها الخاص، إن هناك نية لتعيين ناخب لمباراة واحدة، تلك التي ستجمع المغرب بالغابون، مشيرة إلى أنها أسندت مهمة الاختيار إلى كل من الهولندي بيم فيربيك، والمغربيان حسن بنعبيشة وعبد الله الإدريسي. يشار فقط إلى أن جامعة الجنيرال حسني بنسليمان كانت عينت امحمد فاخر في آخر لحظة كي يقود المنتخب الوطني في دورة مصر لنهائيات أمم إفريقيا 2006، بعد فسخ العقد مع الفرنسي فيليب تروسيي، ليُعزل بعد تأهيله المنتخب إلى دورة غانا 2008، والنتيجة أن فاخر عُين ناخبا وطنيا لقيادة منتخب لم يكن له فضل في تأهله لكأس إفريقيا، وأعفي من قيادة منتخب كان له فضل كامل في الوصول به إلى الكأس القارية.
مسؤول جامعي: "ما الداعي لتعيين ناخب وطني الآن؟" بخلاف الحسرة التي أبداها كل من المهدي بنعطية وعبد السلام وادو، وكثير من المهتمين بشؤون كرة القدم في المغرب، وبالكرة المغربية بشكل عام، بشأن التأخير في تعيين ناخب وطني، وبدء التحضير للمنافسات المقبلة، فإن أحد المسؤولين عن المرحلة الانتقالية كان له رأي آخر، مفاده أن هذا الحديث كله عبارة عن تغليط للرأي العام ليس إلا. الرجل، الذي تحدثنا معه قبل أيام، أوضح أن المسألة في عمقها لا تستدعي كل هذا الحديث الخاطئ، على اعتبار أن أي ناخب جديد يلزمه انتظار مواعيد "فيفا"، التي تبرمج فيها مباريات دولية ودية، كي يتسنى له تجميع اللاعبين، ولعب مباراة ما، وبالتالي فبالنظر إلى توقيت المباريات الموضوعة في رزنامة "فيفا"، لا داعي لكل هذا اللغط. الرجل نفسه، ولعله كان يحمل أفكارا تمثل تيارا كبيرا وأغلبيا داخل "جامعة تصريف الأعمال"، أوضح أن هناك مسألة أخرى لها أهميتها، وهي أن تعيين ناخب جديد في هذه المرحلة يعد عملا غير منطقي، "ذلك أن أي رئيس جديد ينبثق من الجمع العام الانتخابي (المرجح أن يعقد بتاريخ 15 مارس المقبل بقصر المؤتمرات بالصخيرات)، سيكون من حقه أن يعين الناخب الذي يراه يتماشى مع توجهه، وتوجه مكتبه الجديد، ومن تم سيكون من العبث تعيين ناخب في الوقت الحاضر". ولأن "جامعة تصريف الأعمال" ترى أن من حق الرئيس المقبل، ومكتبه الجامعي، اختيار الناخب الوطني، فإنها لم تر غضاضة في البحث عن مدرب، من بين ثلاثة هم الهولندي بيم فيربيك، المفروض أنه مدير عام المنتخبات الوطنية، وعبد الله الإدريسي، مدرب الفتيان، وحسن بنعبيشة مدرب الفتيان، لكي يقود المنتخب الوطني الأول في مباراته الودية الدولية ضد الغابون، التي تقرر إجراؤها يوم خامس مارس المقبل بملعب مراكش الكبير. السؤال هو:"كيف سيتعاطى الناخب المؤقت، أو ناخب المباراة، مع اللاعبين؟ ومن سيقبل التعامل معه؟ وعلى أي أساس؟".