دخلت الدبلوماسية الملكية المعبأة منذ شهور لاستعادة مقعد المغرب في الاتحاد الإفريقي، مرحلة سرعتها النهائية. فموازاة مع انتخاب هياكل مجلس النواب بشكل مستعجل والشروع في المصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي؛ تجري تحضيرات دبلوماسية ولوجستيكية مكثفة لإطلاق جولة ملكية جديدة في إفريقيا، يرتقب أن تقود الملك إلى كل من غاناوزامبيا ودولة جنوب السودان. جولة قالت مصادر "أخبار اليوم" إنها تندرج في إطار استمرار منهجية الدبلوماسية المغربية الأخيرة القائمة على اختراق مجالات جديدة في القارة الإفريقية، خاصة منها تلك الأنغلوفونية، والتي لم يكن للمغرب بها علاقات قوية في السابق. ورغم أن الزيارة الملكية إلى زامبيا كانت مبرمجة قبل أسابيع قبل أن يعلن عن تأجيلها، أوضحت المصادر نفسها أن هذه المحطة مازالت قائمة، حيث يرتقب أن تكون الثانية بعد محطة غانا، فيما يرتقب أن تكون "جوبا"، عاصمة جنوب السودان، الوجهة الأخيرة للموكب الملكي قبل التوجه إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور القمة الإفريقية نهاية يناير الجاري. الخبير المغربي في الشؤون الإفريقية، الموساوي العجلاوي، قال إن الجولة الملكية الجديدة تمثل ذروة النشاط الدبلوماسي للمغرب في الفترة الأخيرة، "وتعني أننا أصبحنا أمام دبلوماسية براغماتية بشكل تام. فمحطة زامبيا بالخصوص تعني أن المملكة توظف كل الأسلحة الممكنة لتثبيت مكانة المغرب الجديدة داخل القارة الإفريقية، أي إن الأمر لا يتعلق فقط، بالارتباط بمشكل الصحراء، بل بريادة إفريقية، وهي قمة النضج الدبلوماسي في ما يخص التموقع الجديد في القارة الإفريقية، وهذا يثبت أن التحولات الجارية في الاتحاد الإفريقي تُعطي للمغرب هذه الفرصة، وإن لم يلتقطها فإنها لن تُتاح له مرة أخرى، وهو ما يجعله يتموقع في دول ما كان أحد يعتقد قبل يوليوز 2016، أن بإمكانه أن يتوجه إليها". الجولة الملكية الجديدة، وهي الرابعة في أقل من ستة أشهر، يُرتقب أن تنطلق هذا الأسبوع نحو العاصمة الغانية أكرا، حيث جرت في الفترة الأخيرة ترتيبات مكثفة لاستقبال الملك محمد السادس. آخر لقاء دبلوماسي مباشر بين البلدين، كان قبل بضعة أيام حين مثّل وزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار الملك محمد السادس في مراسيم تنصيب الرئيس الجديد، نانا أكوفو أدو. هذا الأخير فاز في انتخابات دجنبر الماضي الرئاسية، على حساب الرئيس السابق جون دراماني ماهاما. مراسيم التنصيب هذه حضرها أيضا ما تسميه البوليساريو ووزيرها الأول، عبدالقادر الطالب عمر، حيث تعتبر غانا من الدول الإفريقية القليلة التي مازالت تعترف بالجبهة الانفصالية. فيما تعتبر غانا أحد أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، إلى جانب دولة جنوب إفريقيا. معقل آخر من معاقل البوليساريو في إفريقيا، وهي دولة زامبيا المجاورة لجنوب إفريقيا، مازال ضمن الأجندة المحتملة للجولة الملكية المقبلة، حيث قالت مصادر "أخبار اليوم" إن هذه المحطة أجلت ولم تلغ. هذا التأجيل سبق أن أعلنته وزارة الخارجية الزامبية مستهل شهر دجنبر الماضي، حيث كان يفترض أن يصل الملك إلى هذا البلد الإفريقي بعد زيارته إلى نيجيريا. الرئيس الزامبي إدغار لونغو واجه في تلك الفترة تحركا دبلوماسيا ضاغطا من جانب الجارة القوية سياسيا واقتصاديا، جنوب إفريقيا، والتي بادرت إلى استقبال رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي. هذا الأخير انتقل من بريتوريا إلى العاصمة الزامبية لوساكا، بعدما حصّل دعما دبلوماسيا قويا من ثاني أضلع المحور المعادي للمغرب في إفريقيا بعد الجزائر. الناطق الرسمي باسم الخارجية الزامبية، دوركاس شيلسي، قال في بدايات دجنبر الماضي إن الملك لن يحل بزامبيا إلا في موعد آخر السنة المقبلة، وإن وزير الخارجية الزامبي "سيعمل 24 ساعة على 24 كي يلتقي الرئيس لونغو الملك محمد السادس". المحطة الأخيرة والمفاجئة في هذه الجولة الأخيرة للملك قبل اللحظة الحاسمة لعودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، هي دولة جنوب السودان. هذه الأخيرة تعتبر آخر عضو التحق بالمنظمة، بعد انفصالها عن السودان، حيث سلكت المسطرة نفسها التي يسلكها المغرب حاليا للحصول على عضوية الاتحاد. الدولة الجديدة في القارة السمراء، ظلّت تثير حساسية لدى المغرب باعتبارها نموذجا سلبيا لكيفية تدبير ملفات المطالبة بالانفصال داخل القارة، وبحكم مسارعة هذه الدولة إلى ربط علاقات رسمية مع جبهة البوليساريو بمجرد حصولها على الاستقلال. الزعيم السابق لجبهة البوليساريو، محمد عبدالعزيز، كان ضمن أوائل الضيوف الأجانب الذين استقبلتهم جوبا بعد حصولها على الاستقلال، كما شارك في احتفالاتها الرسمية بهذه المناسبة. ومثّل المغرب حينها في تلك الاحتفالات التي جرت في يونيو 2011، وزير الدولة، الاتحادي محمد اليازغي. العجلاوي قال إنه وفي حال تأكد زيارة جنوب السودان، "يبقى السؤال المطروح هو ما الفائدة؟ فأولا من ناحية الدول الأنغلوفونية فهي براغماتية ولاحظنا ذلك في رواندا ونيجيريا وتنزانيا، حيث تتعامل مع المغرب كدولة كبيرة قادرة على حل مشاكل الدول الإفريقية، ورئيس جنوب السودان سيلفاكير سيركز بلا شك على مسألة الأمن الغذائي وهذه أكبر مشكلة في هذا البلد، وهذا من المنافذ الكبيرة التي ستضمن استقراره، ثم إن المغرب إن استطاع أن يساهم في الجانب الأمني لهذا البلد سيكون الفاعل القوي بعد إسرائيل في القرن الإفريقي، خاصة بالنظر إلى حضوره القوي في السودان وإرتيريا والشراكة الجديدة مع إثيوبيا، وهذه أشياء تبين أن المغرب في السنوات العشر المقبلة سيكون فاعلا أساسيا". وخلص العجلاوي إلى أن للمغرب صورة جديدة في إفريقيا، "وبالتالي عليه استغلالها لخلق جو جديد، فالبيان الذي صدر عن زامبيا بعد زيارة غالي يبين أنها أخذت العصا من الوسط، والمغرب بالتالي يسجل نقاطا متوالية في مرمى الخصوم".