بعد المهاجرين الآفارقة، جاء دور المهاجرين السوريين، لاجئون يفدون بالعشرات، وأرقامهم مرشحة للارتفاع بسبب استمرار الاقتتال في بلادهم.هنا أعداد منهم يمتهنون التسول أغلب المهاجرين المتحدرين من دول جنوب الصحراء الذين اتخذوا من مدينة وجدة محطة من محطات العبور، سكنوا المخيم الذي أعدوه لهذا الغرض بغابة «المساكين» المتاخمة لجامعة محمد الأول، خيام بلاستيكية لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، المهم أن يتوفروا على مأوى يأويهم إلى حين!
فرق لا يلغي الشبه! بالرغم من أن المغرب أطلق عملية للتسوية الشاملة لوضعية المهاجرين منذ بداية يناير الجاري، إلا أن النشطاء في مجال الهجرة يؤكدون استمرار الأوضاع المزرية التي يعاني منها المهاجرون «أوضاعهم تنعدم فيها أبسط شروط الكرامة والعيش الكريم»، يقول جواد التلمساني، الناشط في «الشبكة الجهوية للهجرة والعبور»، وهو الكلام نفسه، الذي يؤكده المهاجرون الذين لازالوا يحيون حياة الغابة! وإذا كان هذا هو حال مأوى الأفارقة من دول جنوب الصحراء، فإن اللاجئين السوريين أكثر حظا، حيث يتمكنون من كراء المنازل في الأحياء الشعبية التي تكون سومة كرائها منخفضة، غير أنهم يشتكون من عدم قدرتهم على سدادها ورغم ذلك «نحن بالكاد نوفر لقمة الأولاد»، يقول أب سوري يكتري رفقة أولاده منزلا بحي النصر. الاختلاف يمكن أن يمتد إلى الغرض من الهجرة أو اللجوء إلى المغرب «على خلاف المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء الذين يدفعهم حلم بلوغ الضفة الأخرى، وهو الحلم الذي يراود حتى شباب شمال إفريقيا عموما، واتخاذ المغرب بلد عبور، فإن المغرب بالنسبة إلى السوريين هو البلد العربي الإسلامي الشقيق، الذي يحفظ أعراضهم وحياتهم في جو الأمن والاستقرار الذي يعيشه»، يقول مراد زبوح، المحامي بهيئة وجدة، ورئيس فرع العصبة المغربية لحقوق الإنسان ببركان. هذا الفرق لا يلغي بتاتا التشابه في قساوة ظروف الحياة اليومية، التي قال عنها فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إنها غير لائقة، فالتغذية تبقى «هزيلة وغير متوازنة»، أما الألبسة فهي «غير واقية من البرد القارس»، حتى بالنسبة إلى السوريين «الذين يكترون منازل بمقابل يفوق قدراتهم المادية، حيث يفتقدون للأفرشة والأكل والدفء العائلي، معاناة تنضاف إلى معاناتهم مع غياب وقاية وعناية طبيتين ودعم نفسي وتوازن عائلي، وغياب التطبيب بالمستشفى العمومي، تؤكد الجمعية في آخر بيان لها حول أوضاع المهاجرين واللاجئين السوريين والأفارقة.
عائلة سورية يا إخوان! على بعد أمتار قليلة من المقر السابق لولاية الجهة ينتشر عدد من اللاجئين السوريين، يميزهم عن باقي المتسولين المغاربة العبارة التي يستجدون بها المارة «عائلة سورية يا إخوان» شاهرين في وجه المارة صورة لجوازات سفرهم، ولسان حالهم يقول «نحن سوريون وإن لم تصدقوا، تحققوا من هويتنا». (محمد.س) سوري دخل مدينة وجدة عبر الحدود البرية منذ شهرين تقريبا «عانينا الكثير قبل أن نصل إلى المغرب»، يقول قبل أن يضيف «انطلقنا في رحلة عبر مصر إلى الجزائر في الطائرة وبعدها أقمنا مدة في الجزائر قبل أن نفكر في دخول المغرب بعدما وصلتنا أخبار عن أهل المغرب الكرماء»، كرم يراه محمد يتجسّد في المساعدات التي تتلاحق على يده الممدودة بساحة 9 يوليوز المتاخمة لمقر الولاية. غير بعيد عن المكان الذي يتخذه محمد لمزاولة نشاطه، عدد من الأطفال يجوبون الرصيف حاملين نسخا من جوازات سفرهم وعائلاتهم، «يا عمي مشان الله صدقة الرجّال بدو إيجار البيت أو يطردنا»، يقول أحدهم وهو يستجدي مواطنا مغربيا لم تمهله كلمات الطفل مجالا للتفكير حتى جاد عليه بما استطاع. التسول ليس ميزة خاصة باللاجئين السوريين وحدهم، فقد سبقهم إلى مزاولة هذا النشاط، المهاجرون الأفارقة المتحدرون من دول جنوب الصحراء، فالناس هنا تعوّدت على مشاهدة نساء يحملن على ظهورهن أطفالا رضعا، ويستجدين المارة والسائقين عند إشارات المرور، هي الممارسة التي يتمكن السوريون والأفارقة من مزاولتها في وجدة وفي باقي المدن المغربية الأخرى، أمام غياب إطار قانوني يمكنهم من امتهان أعمال أخرى، وهو الأمر الذي اعتبرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عملا «ينتهك الحق في الكرامة للاجئين»، في الوقت الذي صدّق فيه المغرب على مجموعة من الاتفاقيات، خاصة اتفاقية جنيف 1951 المتعلقة باللاجئين، والتي تفرض وفق زبوح «إيجاد العديد من الصيغ التي تضمن لهم حقوقهم واعتبارهم لاجئين سياسيين، خاصة السوريين منهم، وضمان بالتالي، سكنا وصحة وعملا أو دعما ماديا للعيش».
مصير مجهول مباشرة بعد شروع السوريين في الدخول إلى المغرب، قرّرت الخارجية المغربية سحب ملفهم من يد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث سارعت إلى إبلاغها قبل أن تتوصل بأي طلب للجوء، بأن الدولة المغربية ستدبّر هذا الملف بطريقتها، وهو الأمر الذي طرح لدى الهيئات الحقوقية المتابعة لملف الهجرة واللجوء العديد من الأسئلة، واعتبره البعض أنه أمر مخالف حتى للظهير الملكي لعام 1957 الذي ينص على آليات تطبيق اتفاقية جنيف 1951 والأساس القانوني لهذا النظام، بما في ذلك دور المفوضية في تحديد وضع اللاجئين وآلية الاستئناف. وضعية جعلت اللاجئين السوريين الذين يكتسبون بقوة القانون الدولي هذه الصفة في مواجهة المجهول، خصوصا أنه تبين بأن هناك من دخل إلى التراب الوطني منذ أشهر عديدة، إلا أن الوضعية لم يتم إقرارها وفق ما يقتضيه التجاوب من الدولة عبر مكتب الهجرة وعديمي الجنسية التابع للخارجية.
مدرسة في مهب الريح! مباشرة بعد الإعلان عن توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي شملها تقريره الموضوعاتي حول الهجرة واللجوء في شتنبر الماضي، والتي توخت بلورة سياسة جديدة في المجال، مباشرة في الشهر الموالي (أكتوبر)، بعثت وزارة التربية الوطنية إلى الأكاديميات الجهوية والنيابات ومديري المدارس الابتدائية بمذكرة لإدماج أبناء المهاجرين المتحدرين من دول جنوب الصحراء، وتمكينهم من حقهم في التمدرس، لكن هذه الخطوة سرعان ما تعثرت ولم يلتحق أحد من أبناء المهاجرين بمقاعد الدراسة بمدينة وجدة، رغم العدد المهم من الأطفال الموجودين. فشل يرجعه التلمساني إلى أن المذكرة وضعت أولا «شروطا تعجيزية لتمكين الأطفال من الدراسة»، ثم ثانيا «لم تراع الظروف الاجتماعية التي يعيشون تحت وطأتها».
تسوية ولكن! وفي السياق نفسه، أي سياق تنزيل توصيات المجلس الوطني لبلورة سياسة جديدة في مجال الهجرة، شرعت في فاتح يناير الجاري مكاتب خاصة في عدد من العمالات في تلقي طلبات المهاجرين الراغبين في تسوية وضعيتهم، ولحد الآن «لم يتم التسجيل سوى في الرباطووجدة في الأيام الأولى من يناير ولا علم لي لحد الآن بمدن أخرى»، يقول شكيب الخياري، عضو الإتلاف المدني للهجرة واللجوء الذي أُسس مؤخرا بوجدة لمتابعة عملية التسوية. الخياري كشف بأن العدد المتقدم للتسوية «لا يكاد يقارن بالعدد الحقيقي للمهاجرين»، وعن الأسباب الكامنة وراء ذلك يحددها باقتضاب في»الحذر الشديد من المهاجرين، خصوصا الذين يتخذون من الغابات مأوى لهم»، وهو أمر يتفق معه فيه التلمساني الذي زاد عن عامل الثقة والخوف، مسألة الشروط الموضوعة التي اعتبرها تعجيزية، إذ كيف يمكن لمهاجر أقام في المغرب لمدة تناهز 5 سنوات أن يثبت ذلك، وهو لا يتوفر على أي وثيقة ثبوتية وعاش في الغابة؟. وبالرغم من ذلك، فإن الخياري أكد أن الوقت لم يحن بعد للحكم على التجربة «في الائتلاف المدني للهجرة واللجوء، اتفقنا أن نمهل الدولة شهرا لنقيم التجربة بعد ذلك، لا نريد التسرع في إصدار أحكام مسبقة، خصوصا وأن التجربة جديدة في المغرب، وطبيعي أن تكون هناك تعثرات كبيرة في البداية».
الجيران يطردون ونحن نستقبل ! يوم الثلاثاء الماضي أعلنت جمعية الوفاء للتنمية الاجتماعية أنها استقبلت 27 شخصا من جنسية سورية، بينهم 10 نساء و11 طفلا، ورضيع والباقي رجال، قالت في بيان تكلّفت ولاية الجهة الشرقية بتعميمه على وسائل الإعلام، إن السلطات الجزائرية رحلتهم في اتجاه المغرب. صبيحة بصراوي، رئيسة الجمعية كشفت ل«أخبار اليوم» أن السوريين ال27 الذين نقلتهم السلطات، صباح أول أمس، إلى العاصمة الرباط بعد ليلة قضوها في المركز الذي تشرف عليه بالقرب من الحدود، وصلوا إلى التراب الوطني في وضعية يرثى لها، مبرزة أن السلطات الجزائرية رحّلتهم، حيث كانوا يرغبون في التوجه نحو المغرب، قبل أن تؤكد بأن المرحلين أكدوا لها بأن «السلطات الجزائرية تبدي ضيقا واضحا عندما يعلن بعض السوريين التوجه إلى المغرب».