«لماذا حققت كتب بعينها أرقام مبيعات «خيالية»؟ هل للأمر علاقة بالموضوعات التي تتم معالجتها؟ أم بطريقة الكتابة والصياغة؟ أم بوجود اهتمام واسع من قبل القراء؟ مهما يكن، اليوم نكتشف النجاح الذي حققه كتاب «محجبات الإسلام» لهند التعارجي عندما صدر كتاب الكاتبة والصحافية هند التعارجي «محجبات الإسلام» (Les Voilées de l'Islam)، سنة 1989 عن دار «بالان»، شكل مفاجأة في سوق الكتاب، حيث سرعان ما اعتلى عرش مبيعات الكتب المغربية الصادرة في فرنسا. إذ طبعت منه الدار الفرنسية، في البداية، ستة آلاف نسخة في طبعة أولى، ثم 40 ألف نسخة في طبعة فرنسية ثانية صدرت بعد سنة من ذلك ضمن منشورات «ندير»، قبل أن تصدر بالمغرب سنة 1990 ضمن منشورات «إيديف» في ست آلاف نسخة نفذت عن آخرها. هكذا، اعتبر هذا الكتاب، بما حققه من مبيعات على الأقل، أحد المراجع التي انتشرت على نطاق واسع، سواء في فرنسا، أو في المغرب، أو حتى في البلدان التي شملها موضوع الكتاب. كتاب «محجبات الإسلام» عبارة عن تحقيق حاول الإجابة عن سؤال محوري وجوهري: لماذا ترتدي النساء الحجاب؟ وقد شمل هذا الكتاب/ التحقيق ست, بلدان إسلامية هي: الجزائر، ومصر، ولبنان، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، والكويت. أما منهجيته، فاعتمدت، كما قالت صاحبة المؤلف هند التعارجي لجريدة «أخبار اليوم»، على مقاربة ميدانية الغاية منها مقارنة الأسباب التي أدت بالعديد من النساء العربيات والمسلمات إلى الاقتناع بارتداء الحجاب. وقد توصلت التعارجي، من خلال هذه الرحلة الميدانية إلى البلدان المذكورة، إلى أن الأسباب والدوافع والمبررات مختلفة من بلد لآخر، حيث تتغير بحسب التوجهات الدينية والسياسية والإيديولوجية، وكذا ملامح الواقع في كل البلد. إذ تشير الكاتبة أن الدافع إلى ارتداء الحجاب، في لبنان على سبيل المثال، كان بسبب الاحتلال الإسرائيلي، الذي نتج تواري الأطياف اليسارية وصعود نجم حزب الله، حيث كان ارتداء العديد من الفتيات الحجاب تعبيرا عن المقاومة. في حين، تشير الكاتبة أن هذه الدوافع والمبررات تختلف في الفضاء الاجتماعي والسياسي التركي، ذلك أن ارتداء النساء الحجاب في تركيا تعبير عن إرادة ورغبة في مواجهة المنع، الذي كانت تفرضه القوى العلمانية على النساء، وتعبير أيضا عن مقاومة إكراهات سلطة هذا المنع من جهة أولى، ورغبة في تأكيد الهوية الإسلامية لهذا البلد من جهة ثانية. ويعود نجاح هذا الكتاب/ التحقيق، في جزء منه، إلى طبيعة الموضوع، لأن الحجاب اعتبر، ولا زال، من القضايا الفكرية والسياسية الإشكالية، التي أسالت مدادا كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية. هكذا، صنف كتاب التعارجي آنذاك، إلى جانب أعمال أخرى، من بين أول التحقيقات الصحافية والدراسات الميدانية، التي تتناول هذا الموضوع وواقعه في البلدان العربية والإسلامية. إذ خلق هذا السبق رغبة دفينة لدى القارئ في اكتشاف الموضوع، ومعرفة الاتجاهات الدينية، خاصة عند النساء، ولو من باب الرموز الدينية كالحجاب، الذي سيثير لغطا كبيرا على امتداد العقدين الأخيرين. كما كان لجودة الكتاب، الذي صدر في طبعتين أنيقتين، وكذا سعره المناسب بالنسبة للسوق الفرنسية، دور كبير في رواجه وانتشاره. ولا يقل أسلوبه وطريقة صياغته ولغته أهمية في المسامة في هذا الانتشار؛ ذلك أن اعتماد هند التعارجي مقاربة صحافية جعل الموضوع في متناول القارئ، مقروءا ومفهوما. ولو كان الكتاب عبارة عن دراسة أكاديمية بمنهج صارم وتركيب معقد، لكان جمهوره أقل بكثير مما حققته صيغته المتداولة.