يبدو أن خطوات رئيس الحكومة المعين السيد " عبد الإله بنكيران" نحو تشكيل الإئتلاف باتت قريبة من نهايتها، أو على الأقل بدأت ترسم صورة عن مكوناتها الحزبية. فزعيم حزب " العدالة والتنمية" كان متفائلا، عقب الإعلان عن نتائج إقتراع 07 أكتوبر 2016 وتصدر تنظيمه قائمة المتنافسين، حين صرح بأن تشكيل الحكومة الثانية بقيادته لن تجد صعوبات، وأنه سيتغلب عليها إن وُجدت. لقد شملت المشاورات مجمل الأحزاب السياسية ذات الوزن العددي في مجلس النواب، وهي تحديداُ إما أحزاب الأغلبية المنتهية ولايتها، أو نظيراتها في المعارضة..غير أن اللافت للإنتباه هذه المرة حصول اصطفاف وتنسيق بين كل من حزبي " الأحرار" و" الحركة الشعبية" من جهة، و" الإستقلال" و" الإتحاد الإشتراكي من جهة أخرى، ومن الواضح أنه تنسيق من أجل تقوية موقع كل طرف من هذين الطرفين في المشاورات من أجل المشاركة في الحكومة.. والأمر الثاني اللافت للإنتباه الوقع الذي خلفه الخطاب الملكي، الموج إلى البرلمان خلال افتتاح ولايته التشريعية العاشرة، على مواقف الأحزاب السياسية وسلوك قادتها، حيث علَت بعده مباشرة نبرةُ التشديد على " المصلحة الوطنية العليا"، و" التجاوب مع تطلعات الناخبين"، وتحصين " المسار الديمقراطي المغربي"، وغيرها من الشعارات التي يُراد منها إيجاد مسوغات لبناء التأييد حول ما يمكن أن يطرأ من تغيير في مواقفهم تجاه المشاركة. بل إن حتى بعض هذه التنظيمات قدم، بشكل مفاجئ ، دعوة إلى ما اسماه" المصالحة"، وكأن البلاد في " حالة حرب"!!، وليس في وضع بناء ديمقراطي يُفترض فيه أن يكون راشداً، و مرجحاً لقيم التنافس السليم والشفاف والنزيه. يبدو أن الإئتلاف الحكومي المنتظر سيكون فُرسانه من " العدالة والتنمية" وأحزاب الكتلة الديمقراطية، أي الإستقلال والإتحاد الإشتراكي والتقدم والإشتراكية. وإذا صحت هذه الفرضية، فإننا سنكون أمام نسخة قديمة جديدة من العمل الحكومي. الواقع أن الإئتلاف المكون من هذا الرباعي هو الأقرب إلى المنطق من زاوية التقارب في المسار التاريخي لأطرافه، والقدرة على بناء المشترك في السياسة والإنجاز إن حسُنت النيات وتوفرت الإرادات الصادقة. لكن كما نعرف، مع الأسف، حيز الأخلاق في السياسة ضيق وغير متسع، والسياسة في جوهرها مبنية على المصلحة، والمصلحة بدون وعاء ثقافي ديمقراطي يكبح جماحها تصبح أنانية قاتلة ومدمرة، وهذا ما هو حاصل في المجال السياسي المغربي. لاشك أن القارئ الكريم أحس بتبرم واستغراب كبيرين وهو يسمع تصريحات قادة أحزاب العدالة والتنمية والإستقلال والإتحاد الإشتراكي عقب المشاورات التي جمعتهم على مائدة الإئتلاف الحكومي المرتقب. ولا شك أن نباهة القارئ الكريم أسعفته في استحضار التصريحات المشينة المتبادلة بين هؤلاء سابقا، بل وحتى وقت قريب.. الم يلوح الكاتب الأول للإتحاد الإشتراكي عقب الإعلان عن الإقتراع الإنتخابي الأخير باللجوء إلى التحكيم الملكي، بغية الطعن في شرعية حزب " العدالة والتنمية" والأضرار الناجمة عنه؟؟. الواقع أن المواطنين تابعوا عبر شبكات تواصل الفضاء الأزرق، أو عبر المهرجانات الخطابية، فصولاً من النعوت القدحية، وأحيانا المُشينة، المتبادلة بين هؤلاء القادة، المُفترض فيهم أن يكونوا قدوة للجميع. وفي كل الأحوال سيكون مجدياً ونافعا ً للبلاد وللمصلحة الوطنية أن يُستفاد من تجربة الولاية السابقة للحكومة ( 2011 2016)، وأن تُقدم الحكومة الجديدة، إن ثبتت فرضية تكوين إئتلاف من أحزاب الكتلة بقيادة العدالة والتنمية، صورةً جديدةً مبنيةًعلى خدمة ما ينفع الناس، ويُشعرهم بالإطمئنان على أوضاعهم، والأهم يزرع فيهم الثقةَ في السياسات العمومية التي تتولى الحكومة صناعتها.. ثم إن الحكومة في أي بلد يَحترم مواطنيه وناخبيه يجب أن تكون قدوة في السلوك، وفي انتقاء نمط التعامل، وفي التحاور والتوافق حول استراتيجية العمل الحكومي وبرامج السياسات..ودون الإستفادة من دروس التحربة الحكومية السابقة والعمل على تحاوزها إيجابيا، ستجد النسخة الحكومية المرتقبة إن ثبتت فرضية تشكيلها من الأطراف المشار إليها أعلاه نفسها تدور في حلقة مفرغة، وتعمق أكثر صورتها المتقهقرة في إدراك الناس ووعيهم الجمعي.. وستخسر البلاد ، مع الأسف، مرة أخرى خمس سنوات من العمل غير الموسوم بالفعالية والنجاعة.