في مختلف المدن المغربية تنتشر العشرات من «المعشبات الطبية» حتى أضحت اليوم تنافس عيادات الأطباء والصيدليات. يلجها المرضى بناء على نصائح من أصدقاء جربوا مستحضراتها أو بعد الاطلاع على الأنترنت أو سماع وصفات برامج إذاعية، مطلِّقين خبرة الأطباء وعلمهم في سبيل الحصول على «خلطات» معقولة الثمن وسريعة الفعالية. فما هو سرّ الالتفاف حول محلات الأعشاب الطبية في الآونة الأخيرة بسوس؟ وهل يشكل ذلك خطرا على صحة الناس؟ «فكر جديد وأسلوب علمي متطور... هدفنا الصحة والجمال... خبرة واسعة ودراسة معمقة لمكافحة أبشع الأمراض... أول مؤسسة تقدم لكم منتجات أعشاب نادرة»، بهذه العبارات وغيرها يشهر مالكو المعشبات الطبية خدماتهم عبر مواقع على شبكة النت ومن خلال نشرات ومطويات توزع علنا في الشارع العام لتسويق «الخلطات العشبية»، وعبر يافطات أمام تلك المحلات التي أطلق على بعضها «مؤسسات مختصة في الأعشاب الطبية» أو «مؤسسة مختصة في الطب البديل». «خلطات نباتية طبية»... هكذا وصف لنا عبد الله، صاحب معشبة، منتوجه الذي يسوقه عبر الأنترنت وفي «مؤسسته» في حي الداخلة من مدينة أكادير. مالك المعشبة درس هذا المجال وحصل على دبلوم للتداوي بالأعشاب النباتية الطبية من إحدى الجامعات في الخارج، وبعد تمرس في إحدى المعشبات في الدارالبيضاء، قدم منذ سنتين إلى أكادير لينشئ «معشبة» للعلاج بالنباتات الطبيعية. أما الحاج عمر، صاحب مؤسسة مختصة في الأعشاب الطبية الصحراوية، فإن أقدميته في «الحرفة» ناهزت 23 عاما، جعلته، حسب تعبيره، «خبيرا متميزا» في التداوي بالأعشاب الطبية، له مركز رئيس في مراكش وفروع في مدن أكادير وأولاد تايمة والرباط وبني ملال وطنجة والجديدة وفاس والصويرة وآسفي. العشاب الحاج عمر قال ل«اليوم24» إن مؤسسته «تعالج المريض وتخفف الآلام بمستحضرات صحراوية نادرة تخلق المفاجأة في علاج جل الأمراض المستعصية»، حسب تعبيره ومنشوراته التي يعرض فيها خدماته.
شهادات مرضى مجربين أمام المعشبات التي بدأ البعض يتضايق من تناميها بسبب التنافسية والمواقع التي تحتلها، يصطف عدد من مرتادي خدمات «المعشبات الطبية». أمام تلك المحلات، قد يطول الانتظار لساعات حتى يصل دور طالبي العلاج. فاطنة (56 سنة) مصابة بمرض «القولون» قدمت إلى إحدى المعشبات في «إنزكان» علها تشفى وتخفف آلامها. تقول: «جربت الأطباء وقمت بفحوصات لدى أخصائيين غير أن حالتي مازالت كما هي». تأمل فاطنة أن تعالج بخلطة عشبية بعد أن نصحتها سيدات مجربات بذلك. تشخيص حالتها تطلب أداء مبلغ 100 درهم فيما كلفها الدواء العشبي 850 درهما في الشهر لمدة 3 أشهر، حسب ما ترويه فاطنة. أما الشاب كمال ذي ال36 ربيعا الذي يعاني السمنة، فقد كان برفقة صديقه عماد الذي ساعدته «خلطة عشبية» على نقص 8 كيلوغرامات من وزنه شهريا، وبدأ جسمه يستعيد نشاطه بعد سنوات طويلة من المعاناة مع السمنة. يقول كمال: «ما حفزني على تجربة الأعشاب هو حالة صديقي عماد الشاهد على فعالية دواء المعشبة الطبية في علاج السمنة بعيدا عن العمليات الجراحية والأدوية». تشخيص المرض وتقديم الدواء يتطلب من المريض (الزبون) ساعات من الانتظار حسب طبيعة المعشبة وشهرتها وخدماتها وصداها لدى الناس. «ننتظر أكثر من أربع ساعات كي يصل دورنا، ويكشف لنا المختص عن المرض ويقدم لنا الدواء ثم ننصرف»، يروي أحمد الذي قدم من مدينة كلميم رفقة أبيه للبحث عن علاج لمغص المعدة الذي ألم بوالده المسن بعد نصيحة من مجرب. بعض المرضى يتفادون طابور الانتظار طويلا، فمعشبات تضع أرقامها الهاتفية (المحمولة والثابتة) رهن الإشارة للسؤال والتشخيص. يقول عمر صاحب مؤسسة معشبية: «هناك من يسأل عبر الهاتف عن الدواء الصالح لعلاج هذا المرض أو ذاك... يأتي الزبون ويتسلم الخلطة النباتية المعشبية الجاهزة في الحين بعد أن نشرح له كيفية الاستعمال دون أن ينتظر». جل الأمراض التي تعالجها المعشبات، حسب إفادات أربابها، «ترتبط بالأمراض المَعِدية والبشرة والشعر والجلد وآلام الرأس والسمنة وفتح الشهية ونقص الوزن دون الأمراض المستعصية كالسرطان».
أية خلطات... وهل من خطر؟ وعن طبيعة الأعشاب التي يستعملها أصحاب «مؤسسة الأعشاب الطبية النباتية» للتداوي، أكد عدد ممن استقصينا آراءهم أن معظمها محلية، منها العسل والكمون وحبة حلاوة والبسباس والحبة السوداء، إضافة إلى بعض النباتات المستقدمة من الصين والسعودية وبعض الدول الآسيوية والأوربية. السر في هذه الخلطات العشبية يكمن، حسب مالك معشبة صحراوية، في «الاعتماد على ما تنتجه الطبيعة الصحراوية من عسل عنيبرة وأجود أنواع البخور والمنتجات العربية الصحراوية لشفاء العليل وعلاج المريض وتخفيف الآلام، منها وصفات لتصفية البشرة وتبييضها». كما تقدم عدد من المعشبات «الوصفة الصحراوية لتسمين الجسم بالشحم واللحم، فضلا عن وضع مواد نادرة في خدمة الصحة والجمال والرشاقة»، وهو ما يجعل النساء أكثر إقبالا على «خلطاتها» من الذكور، حسب صاحب المعشبة. «منقوع الزنجبيل» من المواد الأكثر استهلاكا من قبل الزبناء. يقول عبد الله مالك معشبة: «هذا المنتوج منقوع ساخن يخفّف من الآلام المختلفة، ومن بين أهم الأعشاب التي تزيد في القدرة الجنسية والتي تحظى بإقبال كبير من الزبناء بسعر لا يتجاوز المائتي درهم، من دون أعراض جانبية». وعن تداعيات هذه الخلطات العشبية على صحة المستهلكين، يقول محمد المختص في الطب البديل، والمالك لمعشبة في حي الداخلة بمدينة أكادير، ل«اليوم24»: «الاشتغال في هذا المجال غير مضبوط، كل من هب ودب يفتح معشبة ويقول إنها طبية ويقدم الخدمة، كما أن القانون مازال لم يقنن وينظم الترخيص لهاته المعشبات بمساطر واضحة ومسؤوليات محددة ومهام مضبوطة، فهناك بعض الطفيليين على القطاع المندسين الذين يمارسون التجارة ويودون كسب المال مهما تكن الوسيلة، ما قد تضر هذا القطاع والمهنيين المنتسبين إليه». أما جواب محمد، صاحب معشبة في أيت ملول، فقد كان مركزا، حيث قال: «كون كان فهاد الأعشاب شي خطر كون سدينا شحال هادي المحلات ديالنا ودخلنا لحبس». أما عبد المجيد، صيدلاني في أكادير، فلم يتردد في الإقرار بكون المعشبات تتنامى كالفطر في المنطقة. يقول الصيدلاني: «لدي تحفظ كبير بخصوص الخدمات التي يقدمها هؤلاء، فلا يعقل أن يدرس الأخصائيون لسنوات ويمارسون أبحاثهم في مختبرات صيدلية وبيولوجية، ثم تزاحمهم فئة بلا دراسة ولا تأطير، وتفتح دكاكين يبيع فيها منتجات بلا وصفات ولا تشخيص ولا أجهزة طبية». ويضيف الصيدلاني ل« اليوم24»: «لا ضمان لعدم ظهور تأثيرات جانبية لأي خلطة يتناولها المريض خارج وصفات الطبيب والصيدلي». وأيا كانت الأسباب التي تدفع الناس إلى اللجوء إلى تلك المعشبات، فإن لا شيء يضمن أن يكون هناك علاج فعال من الأمراض في غياب قانون ينظم قطاع «المعشبات»، حيث تختلط الأمور بين المعشبات التي ينشئوها مختصون في الطب البديل والدكاكين التي ينشئها المتطفلون بغرض التربح والبحث عن المال بأية وسيلة ولو كانت التلاعب بصحة وحياة الناس.