عبد الوافي الفتيت، أو «عبد الوافي التفويت» كما أصبح الفيسبوكيون ينادونه، هو والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، وهو خريج مدرسة الطرق والقناطر بباريس، وهذه المدرسة العريقة في فرنسا تستعد الآن، (بعد صفقة 350 درهما للمتر المربع من الأرض)، لتعديل اسمها، بعد البلاء الخطير لأحد أبنائها، لتصبح مدرسة «القناطر والطرق والأراضي المفوتة»، وهذا عرفان لابن الدريوش بمواهب استثنائية في الحصول على 3755 مترا مربعا في السويسي، الذي يعد أغلى حي في العاصمة، بمبلغ مليون و389 ألف درهما (138 مليون سنتيم) فقط لا غير! لم يفسد على السيد الوالي سعادته سوى شخص مجهول ومتآمر وحاقد، سرب عقد البيع، الذي حصل بمقتضاه السيد عبد الوافي الفتيت على بقعة أرضية لتشييد فيلا مساحتها 3755 مترا مربعا بثمن شقة صغيرة في حي متوسط، إلى الصحافة، وإلى شعب الفايسبوك الذي يتلقف مثل هذه الأخبار كما تتلقف القطط الجائعة قطعة لحم أو بقايا سمكة، إلا أن الوالي -حفظه الله من شر الحساد- لم يلق إلى الرأي العام بسمكة، بل بحوت كبير، إذا لم ينهِ هذا الحوت عمره الوظيفي فإنه سيلاحقه ما عاش على هذه الأرض المليئة بنظام العطايا، الذي يوزع الملك العام والخاص للدولة كما لو أنه جزية تدفعها الدولة لخدامها وهي صاغرة لإرضائهم، ولتقويتهم على أعدائها المنتخبين، قطع الله دابرهم ودابر من اخترع بدعة الانتخابات هذه. هذه ليست فضيحة فقط، هذا لعب بالنار، واستهتار بدولة القانون، واحتقار لمشاعر الناس الذين يقضون الليل والنهار يشتكون الريع، وتضارب المصالح، واستغلال النفوذ، والاختلالات المالية الكبيرة المنتشرة في كل خلايا الدولة المغربية. السيد والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، الذي يبسط سلطته على المصالح الخارجية للوزارات، بما فيها وزارة المالية ومديرية الأملاك المخزنية باسم التنسيق بينها، حاز أرضا تابعة للملك الخاص للدولة بثمن رمزي جدا، وهنا لا بد من إبداء ثلاث ملاحظات جوهرية على «ضربة المعلم هذه»: أولا: كيف عرف الوالي أن إدارة الأملاك المخزنية بالرباط تتوفر على أرض في طريق زعير مساحتها 3755 مترا مربعا، وثمنها هو 350 درهما للمتر المربع؟ هل كانت هذه المعلومة متاحة لجميع المواطنين، أم إنها معلومة خاصة جدا استعمل السيد الوالي وسائل السلطة العمومية التي بحوزته ليصل إليها دون باقي الخلق؟ إذا كان الجواب هو أن هذه المعلومة كانت في متناول الجميع، فكيف لم يتقدم أي مستثمر أو منعش عقاري أو سمسار أو حتى «شناق» على شرائها وهي برخص التراب منذ قرابة 21 سنة، أي منذ صدور مرسوم عدد 295841 يوم 26 دجنبر 1995، الذي يقضي بجعل هذا العقار التابع لملك الدولة الخاص قابلا للبيع؟ أما إذا كان السيد الوالي استعمل ما بيده من سلط واسعة للحصول على هذه المعلومة التي قادته إلى «دجاجة بكمونها» دون باقي الخلق، فهذه جريمة اسمها «استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه» délit d'initié، وهذه جريمة معرفة بدقة في الدستور في الفصل 36 الذي ينص على ما يلي: «يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخلة بمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية». ثانيا: اللجنة التي تكفلت بتحديد سعر ثمن تفويت الأرض التابعة للملك الخاص للدولة كيف غاب عنها الرجوع إلى الأثمنة المرجعية لبيع الأراضي التي وضعتها المديرية العامة للضرائب، فحسب تقويم إدارة الضرائب، المنشور في موقع وزارة الاقتصاد والمالية، فإن العقار الذي تم تفويته للوالي الفتيت يقع في المنطقة السادسة لحي السويسي الراقي (طريق زعير كلم 9)، وبالتالي، فالثمن يتراوح بين 4000 و5000 درهم للمتر المربع للأرض العارية في هذه المنطقة، كما هو مبين بدقة في خريطة الأثمنة المعدة من طرف المديرية العامة للضرائب (الصفحتان 14 و15)، فمن أين أتت اللجنة الكريمة بثمن 350 درهما للمتر المربع في طريق زعير في منطقة معدة للفيلات الفخمة؟ هذا الثمن لا يوجد حتى في أفقر الأحياء بمدن المملكة الواقعة في خانة المغرب غير النافع، و350 درهما ثمن لا تستطيع أن تشتري به مترا مربعا في أرض فلاحية بعيدة عن الماء في البادية. إذن، يبدو أن اللجنة اعتمدت معيارا واحدا لتحديد ثمن الأرض التابعة لها وهو اسم المشتري، ومركزه الوظيفي، وسلطته على الأقاليم السبعة التي يحكم فيها (الرباط، سلا، القنيطرة، تمارة، الصخيرات، سيدي سليمان، سيدي قاسم والخميسات). ثالثا: وحيث إن مديرية الأملاك المخزنية، وممثلها السيد جواد بوخاري المدير الجهوي لأملاك الدولة (اسم على مسمى)، لم يقوما بفتح المجال للتنافس، ولتقبل مختلف العروض لبيع أرض مهمة في موقع مغر، فما كان أخلاقيا قبل أن يكون قانونيا، أن يقوم السيد الوالي بحيازة هذه الأرض وبثمن رمزي، وأن يربح بين عشية وضحاها مليارا وسبعمائة مليون سنتيم مرة واحدة (الفرق بين الثمن الذي اشترى به الفتيت الأرض والثمن الحقيقي لها). هذا اسمه الاغتناء غير المشروع، واستغلال النفوذ. كان يكفي السيد الفتيت حيازة البقعة الأرضية المطلة على بحر سيدي عبد الرحمان بالدار البيضاء التي أهداها إليه الوزير السابق في التجهيز والنقل، كريم غلاب، ومساحتها 364 مترا مربعا بسعر 41 مليون سنتيم! يحتاج السيد الوالي إلى «همزة» أخرى ويصبح منعشا عقاريا متخصصا في حيازة أملاك الدولة، لكن ما لا أفهمه هو كيف نسي الفتيت، الغارق في هذه البِركَة من الأراضي والعقود والامتيازات، كل هذا، وقرر متابعة محمد الصديقي، عمدة الرباط المنتخب، بتهمة تلقي «بريم» المغادرة الطوعية من شركة خاصة هي فيوليا؟ كيف وجد الجرأة ليقود الصديقي إلى الشرطة القضائية في المعاريف، ويمنعه من حضور الأنشطة الملكية قبل أن يقول القضاء كلمته، ولم يجد الجرأة ليخرج للدفاع عن نفسه، فمنذ ثلاثة أيام وهاتفه يشتكي عدم الجواب.