الكتب الثلاثة الجديدة تحمل العناوين التالية: «متاهات الوهم»، «دوامات التدين»، «فقه الثورة». يرصد فيها كعادته القضايا الحساسة في الثقافة والمجتمع العربيين في ظل الحراك الحالي وما ترتب عنه من تداعيات خطيرة. أصدرت دار الشروق بالقاهرة الأسبوع المنصرم، ثلاثة كتب جديدة للكاتب والمفكر المصري يوسف زيدان، صاحب القلم المثير للجدل والذي يلامس الكثير من القضايا الحية التي يعيشها الوطن العربي اليوم وخاصة قلب العروبة مصر. تأتي هذه الأعمال بعد رواياته المشهورة «عزازيل» و«النبطي» و«محال» وكتابه «اللاهوت العربي»، وهي الكتب التي أثارت ضجات كبيرة استدعي على إثرها زيدان هذه السنة من طرف نيابة أمن الدولة في القاهرة للتحقيق معه في التهم الموجهة له والتي قدمها ضده مجمع البحوث الإسلامية متهما إياه بازدراء الأديان وإحداث الفتنة.
الكتب الثلاثة الجديدة تحمل العناوين التالية: «متاهات الوهم»، «دوامات التدين»، «فقه الثورة». يرصد فيها كعادته القضايا الحساسة في الثقافة والمجتمع العربيين في ظل الحراك الحالي وما ترتب عنه من تداعيات خطيرة. في الكتاب الأول، يتحدث المؤلف عن الأوهام التي أخذت بالعقل الجمعي العربي والمصري، وأدت به إلى التيه الجماعي المؤدي بالضرورة إلى حالة «الخبل العام» بسبب دوران أفكارنا حول محاور وهمية واعتقادات خيالية لايؤكدها إلا التاريخ الرسمي المغلوط. إن تبدبد هذه الأوهام كفيل بإعادة النظر في خرافات تخايل الدهان التي تأسس عليها وعي مغلوط ومليء بالمغالطات لتحقيق طموحات من يسعى إلى تجهيل الناس لإحكام القيود حول رقابهم ومن ثم السيطرة عليهم. في الكتاب الثاني، «دوامات التدين» وعبر سبعة فصول يعكس المؤلف حقيقة المفارقة بين جوهر الدين ومظهر التدين وهما أمران في نظره كثيرا مايتناقضان. أما الكتاب الثالث، «فقه الثورة» فهو يتناول المعنى العميق للثورة واستشراف مسار الثورات العربية التي صارت فورة، وتأمل لما جرى ويجري من حولنا من صحوة مجيدة كانت شرارة ثورة اندلعت على يد الأحرار تحت شمس الضحى ثم آلت بالليل إلى أصحاب اللحى. وهنا نأتي إلى صلب الموضوع وهو الخيط الرابط بين كل تلك الدراسات التي تضمنتها الكتب الثلاثة والتي عبر عنها المؤلف في الفصل السابع من الكتاب الأول تحت عنوان: «الإسلاميون والكرسي»، فالتوسل بالإسلام من أجل الوصول إلى السلطة مسألة ترتبط بأوهام من نوع الخلافة والاعتقاد بصفاء الزمن النبوي الأول الخالي من الشوائب، كما ترتبط بتوجيه التدين إلى أغراض سلطوية عبر عمليات توجيه لعوام الناس من خلال عملية تسييس الدين أو اللعب السياسي بالمشاعر الدينية المسطحة. بخصوص الإيهام السياسي بالإسلام يرى المؤلف بأنها مسألة بسيطة طالما استعملها أصحاب الاتجاهات الدينية في التراث العربي الإسلامي، حيث نجد في كل عصر من كان يستثمر الدين للدنيا وينطلق من أن الدين لا الدنيا هو المقصد، وبالتالي، ينبغي على الأمور الدنيوية كلها أن تنتظم وفقا لما يعتقد هؤلاء التجار أنه «الدين القويم» وهي خدعة انطلت على البسطاء من أهل اليهودية والمسيحية والإسلام، بكل ما في هذه الديانات من مذاهب فرعية وجماعات عقائدية. حول مستقبل السلفية في مصر، يقول المؤلف بأن هذه الجماعات استطاعت أن تجذب إليها الأنظار بقوة وذلك بطرح نفسها على الساحة العامة باعتبارها نتاجا للثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير 2011، في إطار ما يسمى بالربيع العربي الذي اجتاح الكثير من البلدان العربية، صحيح بأن هناك الكثير من المنتمين قد شاركوا في الثورة كأفراد مصريين زحفوا إلى الميادين للإطاحة بنظام مبارك، لكن الجماعات السلفية ليست وليدة الثورة كماهو معلوم، بل سارعت إلى خطف الثمار وظهر مبشروا الثورة ومفكروها وشعراؤها الأوائل الذين يتحدثون باسمها. كما وضح زيدان بأن هناك خلطا مريعا بين ما يسمى المد الديني وبين صعود الإسلاميين إلى المشهد السياسي العام، وهو ما بدا واضحا في نتائج الانتخابات بعد ثورة يناير، حيث كانت انعكاسا للواقع الاجتماعي السائد، وحدث خلط في أذهان العوام بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي (اختيار نائب في البرلمان). كما أكد بأن هذا الخلط لن يطول، فسرعان ما سوف يكتشف العامة من الناس أن أولئك الطيبين الذين كانوا يخففون على الفقراء وطأة الظلم الاجتماعي ليسوا بالضرورة هم الأفضل للحكم السياسي، بل سوف يطالبونهم بالكثير ثم يكرهونهم، لأن الناس لن يتهاونوا مع الحاكمين الجدد. وفي نهاية هذا الفصل، توقع المؤلف أن تنحسر هذه الموجة بالطريقة السريعة التي تمددت بها، إلا إذا حدث واحد من أمرين، الأول: أن يتمازج الإسلاميون مع بقية النسيج الاجتماعي الذي أبرزهم وهو نسيج إسلامي أصلا، فلا يصيرون من بعد مستحقين لهذا الوصف الملتبس: «الإسلاميين»، والأمر الآخر: أن يلجأ هؤلاء المتصدرون إلى استعمال الحق الإلهي المتخيل والحق الانتخابي (الفعلي) في هدم الآلية التي تصدروا بها المشهد السياسي، وهي الديمقراطية، كيلا يتفوق عليهم غيرهم.