أصدر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود نهاية الأسبوع الماضي قرارا بإحالة المفكر والأكاديمي الكبير الدكتور يوسف زيدان إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه في بلاغ تقدم بهد محامي مسيحي يتهمه فيه بازدراء المسيحية ، لأنه قال (إن العصور التى سبقت مجىء عمرو بن العاص كانت اكثر ظلاما وقسوة على المسيحيين، وأن ما يلقنونه للاطفال فى مدارس الأحد ويحشون به ادمغة القاصرين ما هو إلا أوهام وضلالات تجعلهم فى عزلة عن المجتمع لهذا يسهل على الكنيسة استخدامهم سياسيا) ، القرار فاجأ الحياة الثقافية في مصر والعالم ووضع علامات استفهام كبيرة على مدى التزام الدولة بحماية حرية الفكر والتعبير وأيضا مدى خضوعها للابتزاز الذي تمارسه بعض الشخصيات المتطرفة باسم الدين ، وللأمانة فإن الدولة في السنوات الأخيرة بسطت حمايتها على مفكرين وكتاب ومغامرين مارسوا أسوأ ألوان الازدراء بالدين الإسلامي علنا وعلى صفحات الصحف والفضائيات والندوات العامة ، ووصل الأمر إلى شتم أصحاب النبي والطعن في القرآن والاستهزاء برسول الإسلام والكلام الفاحش في حقه وحق أهل بيته ، ومع ذلك رفض النائب العام بإصرار التجاوب مع البلاغات المقدمة وحفظها جميعها ، قلنا لا بأس ، الدولة تتجمل بأنها مع حرية التعبير وحماية الفكر ، فما الذي حدث مع البلاغ "المسيحي" على خلفية كلام يعتبر مثل "نسيم الهواء" إذا قيس بالجرائم التي ارتكبت في ازدراء الإسلام ومقدساته وحرماته ، ما الذي حدث يا سيادة النائب العام ، هل هناك دين في مصر مصون ومحمي من قبل الدولة ولا يجوز ازدراؤه أو المساس به بينما بقية الأديان أو تحديدا دين الأمة والمجتمع والدولة والدستور ودين الغالبية العظمى من الشعب المصري أصبح مستباحا بل ويتم حماية المزدرين به ، بل ويتم مكافأتهم من قبل الدولة ومؤسساتها من المال العام ومنحهم الجوائز ، هل أصبح كل من يستظهر على الدولة "بظهر" خارجي ، ويخوفها بالبعبع الأمريكي يجعلها تنبطح أمامه وتستجيب لإرادته ، هل هي إشارة تذكير لكل من أراد أن يحمي قضيته أو يحقق ردعا لخصومه السياسيين أو خصومه في الرأي أن الطريق واضح ولا غيره : اللجوء إلى الأمريكان ، سهلة يا سيادة النائب العام ، وأظن أن مئات المؤسسات الإسلامية وملايين المواطنين سوف يتجاهلون مكتبك "العامر" في وسط القاهرة ، ويتجهون مباشرة في المستقبل إلى السفارة الأمريكية مطالبين بالتحقيق في وقائع ازدراء الإسلام ومحاكمة من ارتكبوا هذا الجرم في حق الشعب المصري ، يا سيادة النائب العام صاحب هذا البلاغ الذي تقدم إليك وبسببه أحلت المفكر يوسف زيدان إلى نيابة أمن الدولة العليا ، في قرار مترع بالإرهاب والتخويف لمن يختلفون مع الكنيسة في الرأي أو الموقف السياسي ، هذا الشخص هو نفسه الذي ازدرى الإسلام علنا وسب رموزه وشتم الصحابي الجليل عمرو ابن العاص الذي تدين أنت وأنا وأهلك وأهلي له بالفضل ، بعد الله ، في نور الإسلام الذي ننعم به وتنعم به مصر اليوم ، ووصفه بأحط الأوصاف وشتمه بأخس الشتائم ، هل مثل هؤلاء تمنحهم الحق في محاكمة المفكرين والكتاب بدعوى ازدراء الأديان ، يا سيادة النائب العام هل نسرد لك اللائحة الطويلة بمن ازدروا الإسلام علنا هنا في مصر من المنتسبين إليه ومن الأقباط أيضا والكهنة وغيرهم ، وهم الذين تجاهلت محاكمتهم وأغلقت بابك دون البلاغات التي تقدم بها العشرات لوقف عمليات استباحة الإسلام وازدرائه التي يمارسونها ، يا سيادة النائب العام ، الناس في بلادي يعرفون أن قرارات النائب العام لها شقان ، شق سياسي وشق قانوني ، فهل القرار الأخير بإحالة يوسف زيدان إلى نيابة أمن الدولة العليا يعني أن جهة في الدولة أرادت تقديمه "قربانا" ضمن صفقة سياسية تدور الآن بين الكنيسة وقيادات رفيعة في الحزب الحاكم ، أتصور أن مثل هذا القرار الخطير الذي تجاهلته عمدا صحف ساويرس ، لأنه فضيحة للجميع ، من شأنه أن "يفخخ" الحياة الثقافية والدينية في مصر بغضب مروع