حزب الاستقلال غاضب جدا، ويحس بأنه مستهدف قبل حلول ساعة الامتحان يوم السابع من أكتوبر المقبل، وهذا أمر ليس بعيدا عن الحقيقة. إليكم الوقائع قبل التعليق عليها.. أسقط المجلس الدستوري سبعة برلمانيين للحزب في مجلس المستشارين بضربة واحدة، وبهذا صار البام هو الحزب الأول في الغرفة الثانية، مؤقتا على الأقل، ثم أسقط القضاء الزجري الاستقلالي العائد من جبهة البوليساريو، الخطاط ينجا، رئيس جهة الداخلة، بدعوى أنه مقيم في موريتانيا، في حين أن الجميع يعرف مسكنيه في الرباط والصحراء، ثم تحركت المتابعة في حق عمدة وجدة، عمر حجيرة، في توقيت محسوب جدا، ونطق القضاء أثناء كتابة هذه السطور بحكمه في حق ابني شباط بثمانية أشهر موقوفة، والمنع من الترشح والتصويت لولايتين انتخابيتين، بعدما وجهت إليهما تهم الفساد الانتخابي في فاس، وجرى التشهير بهما وبغيرهما في الإذاعة والتلفزة والوكالة، حتى قبل أن يضعوا أرجلهم عند قاضي التحقيق. قرارات المجلس الدستوري وأحكامه لا يعلق عليها العقلاء عادة، لكن قرارات مجلسنا الدستوري الأخيرة تبعث على الاستغراب حقيقة، فقد قضى في حق عدد من المستشارين بالإدانة بناء على الشك في فحوى مكالمات هاتفية جرى التنصت عليها بطريقة انتقائية، ووضع قاعدة غير قانونية تقول إن القضاء الزجري يفسر الشك لصالح المتهم، والقضاء الانتخابي يفسر الشك ضد المتهم حرصا على سلامة العملية الانتخابية! بحثت، في ما استطعت الوصول إليه من اجتهادات فقهية وأعمال قضائية ونصوص قانونية في المغرب وخارجه، ولم أجد شيئا يشفع لحكماء المجلس الدستوري خرق مبدأ قرينة البراءة، وهو مبدأ دستوري منصوص عليه بصريح العبارة في المادة 23، التي تنص على أن «قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان»، وكان أولى وأهون على المجلس الدستوري أن يبرئ المشتبه فيهم بالفساد الانتخابي على أن يخرق مبدأ دستوريا هو حارس عند بابه ومستأمن على حمايته (الشك يفسر لصالح المتهم)، هو عمود من أعمدة قرينة البراءة، وهذه قاعدة عامة في جميع المحاكمات، أكانت زجرية أم انتخابية، وهي من ضمانات المحاكمة العادلة، زد على هذا أن المجلس الدستوري اعتمد على محاضر القضاء الزجري التي برأت المتهمين من شبهة استعمال المال لاستمالة الناخبين، لأن القضاء الزجري وجد عبارات متناقضة في مكالمات المشتبه فيهم، فمرة يقول هؤلاء للمتصلين بهم إنهم لا يستعملون المال في الانتخابات، وهذا كلام صريح يدل على البراءة من تهمة إرشاء الناخبين، ثم وجدوا في المكالمات نفسها حديثا عن البقر والخرفان وثمن كل واحد، وهذا كلام مرموز يوحي بأن المرشح يبحث عن أصوات الناخبين مقابل المال… فما العمل في غياب وسائل إثبات أخرى أو شهادات أو أدلة؟ هل يأخذ القضاء بالكلام الصريح أم بالكلام المرموز والغامض والقابل لكل أنواع التأويل؟ القاعدة هي أن الشك يفسر لصالح المتهم، وتراثنا الديني قرر هذه القاعدة قبل قرون عندما جاء فيه: «لأن يخطئ القاضي في العفو عن مجرم أفضل من أن يخطئ في الحكم على بريء». إذا كان القضاء الزجري، الذي يتوفر على عدة وسائل للتحقيق وجمع الأدلة واستدعاء الشهود ومقابلة بعضهم ببعض، لم يستطع أن يثبت جريمة شراء الأصوات على بعض مستشاري حزب الاستقلال وأحزاب أخرى، فكيف يستطيع المجلس الدستوري، الذي لا يخرج قضاته من مكاتبهم ولا يستمعون إلى أحد ولا يستجوبون أحدا، أن يحكم بالإدانة على مشتبه فيه برأه القضاء الزجري، دون أن يكون للمتهم حق استئناف أحكام المجلس الدستوري؟ لنترك القانون والفقه الدستوري لأصحابه، وهم صامتون في الغالب، ونعود إلى السياسة.. إن «النكبة» التي يعانيها حزب الاستقلال منذ شتنبر الماضي إلى الآن تعزز فرضية وجود «مؤامرة» لإضعاف حزب علال الفاسي، ودفع أعيانه بعيدا عن حميد شباط بمبرر أن قيادة حزب الاستقلال غير قادرة اليوم على الدفاع عن المنتخبين، وأنه من الأفضل للأعيان أن يترشحوا على قوائم الحزب الذي يستطيع أن يحميهم من السقوط من مقاعدهم البرلمانية، ويوفر لهم الحصانة القانونية والقضائية والسياسية، وهذه خطة غير ذكية لإسقاط بقرة حزب الاستقلال بعدما جرحت يوم الرابع من شتنبر، وإعطاء لحمها للجرار لتقويته في مواجهة المصباح، الذي يسيطر اليوم على المدن وعلى جل أصوات الطبقات الوسطى، حيث إن أصوات البادية لا يمكن أن تتوزع على أحزاب الاستقلال والبام والاتحاد الدستوري والحركة، وأن أفضل تموقع لمواجهة العدالة والتنمية هو إبعاد حزب الاستقلال عن المنافسة حتى لا تتوزع الأصوات على أكثر من حزب، فيما العدالة والتنمية يجري في مضمار شبه فارغ، وفوزه في المدن شبه محقق. سئل شباط عن الغرض من عقد مجلس وطني طارئ في شهر الصيام، وما إذا كان على جدول الأعمال قرار مقاطعة الانتخابات، فقال: «كل شيء ممكن، والمجلس سيد نفسه، أما بالنسبة إلي أنا كنقابي، لو رجع لي الأمر لدعوت إلى أكثر من مقاطعة الانتخابات»… هكذا وصل الغضب واللعب غير النظيف بحزب محافظ إلى أن يصير راديكاليا يهدد بالنزول إلى الشارع، يقول المثل الإنجليزي: «لا يتعلم الكلب السباحة حتى يصل الماء إلى أذنيه».