لم تكن السيدة الثلاثينية تتصور السيناريو، الذي صارت عليه جلسة المحاكمة في ابتدائية مدينة تطوان، لكن قاضيا خبر جميع أشكال الخبث، والتلاعبات، وتمرس في قراءة الأفكار، كانت له الفطنة والدهاء لكشف ملابسات لغز اغتصاب داخل غرفة النوم. اعتدل أعضاء هيأة الحكم في مقاعدهم، وجلس القاضي يتأمل مليا في الملفات المعروضة أمامه، قبل أن يعدل نظارته الطبية، ويرفع رأسه بثقة وثبات، ويعلن أول الملفات. كانت القاعة غاصة بالحضور، ملفات مختلفة، وقضايا متنوعة، والحضور كل له أمنية مختلفة، بين الرغبة في سماع حكم الإدانة، والبراءة التامة، لتنطلق الزغاريد، وتتهلل الأسارير، تلك هي حالة قاعات المحاكم. جلست المرأة على مقعد داخل القاعة، وتحسست الفولار فوق رأسها، وصففت خصلة شعرها العسلي البارزة من فوق ناصيتها، ومسحت جبينها، وهي تتأمل جلسات المحاكمة بشرود واضح.. ربما كانت تمرر شريط الأحداث أمامها، وفق التصورات، التي تريدها أو تتمناها.. ثم، فجأة تناهت إلى مسامعها قضيتها.. فجاءت اللحظة، التي انتظرتها طوال أسابيع، حيث وقت الحسم.. ندت عن شفتيها ابتسامة غامضة، وهي تمعن النظر في وجه شاحب في قفص الاتهام.. ظهر الارتباك على الشاب الواقف أمام القاضي، نظراته التائهة تحكي للقاضي أن الباطل رماه تحت مقصلة القضاء، وأن مكر النساء جره إلى المحاكم بدل لحظات سعادة عابرة.. التفت إلى السيدة الواقفة بجانبه، كان جلبابها البسيط و"فولارها" الكلاسيكي، يوحيان بمعاناة إن لم تكن مرت بها، فقد استطاعت أن تتقن دور المقهورة على أمرها.. لتنطلق المحاكمة في قضية اغتصاب السيدة من طرف الشاب الماثل أمام المحكمة. كان الشاب مصرا على أن العلاقة التي جمعته بالسيدة عادية، ولا دخل للقوة أو الاغتصاب فيها، مقرا بكونه كان يمارس معها الجنس، ولكن برغبة الطرفين.. كان القاضي يتأمل وجه السيدة، ثم ينتقل بعينيه الفاحصتين إلى وجه الشاب، الذي بدا في مأزق حقيقي. وجاء الدور على السيدة، التي طأطأت رأسها وقوست كتفيها، في حركة تبعث على الشفقة، وهي تحكي لهيأة المحكمة، كيف أن هذا الوحش، قام باغتصابها بالقوة، داخل شقته.. استمع إليها القاضي باهتمام إلى أن انتهت من سرد حكايتها.. تأمل في وجهها قليلا، ثم سألها عن مكان اغتصابها في الشقة بالضبط، فأجابته بارتباك واضح:"في غرفة النوم سيدي القاضي.."، حينها رفع القاضي صوته، وقال لها بنبرة سريعة وقوية، مشيرا إليها بحركة غير متوقعة:" إذن دخلت إلى غرفة النوم بحذائك.. ولطخت الزربية بالتراب !". فسارعت إلى الإجابة بسرعة مسايرة للإيقاع، الذي رفعه القاضي، وبصوت هو خليط من الرهبة والسداجة:"لا سيدي القاضي.. لقد نزعت حذائي قبل أن أدخل إلى الغرفة.." فانفرجت أسارير القاضي عن ابتسامة عريضة.. لم تصدق السيدة أنها هدمت بجوابها الأخير كل ما نسجته من حكاية اغتصابها، التي كسبت تعاطف الحضور داخل القاعة، لتبدو منهارة، وقد خسرت القضية بعد أن تأكد للقاضي أنها ليست ضحية اغتصاب، وأنما كانت تحيك مؤامرة للإيقاع بعشيقها..