أبكيتني! ونعلت الزمان وسوء الحظ بخاطري! ورأيت رجولتي تنزف ذلاً أمام طرفك الحاني وأتاني صوت أبي العلاء المعري: ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل عفاف وإقدام وعزم ونائل تعالى يا شيخ المَعَرَةِ لترى المجد الأثيل في الوجهين المنكسرين، زوجان من فلقة القمر بينهما طفلة ينثران ورقة كتبا عليها: "ساعدوا أسرة سورية"، لم يستوعبا الموقف الغريب الذي هما فيه، لم يقبلا به: خجولان محتقران، حائران، فماذا يفيد بكاء طابور المارة ولا دراهم المحسنين؟! وسمعت العندليب يشدو بلسان نزار: والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا، إليك يا نزار بالشعر الغجري المتسول، باللّيْلِ البهيم المُنْسَدِلِ خلف هذه الغادة الحسناء ظَلاَما ً يعكس ما يدور في بلدها الحبيب من دمار وخراب وقتل وتقتيل، وما يَقْبَعُ في أنفسنا نحن من ذنب وفشل وغموض وخشية وجبن وأشياء أخرى..!! هي ذات الغادة الفاتنة مِنْ سِرب ليلى وبثينة وعزّة، من تَربَعَّتْ قلوب قيس وجميل وكُثَيْر هي الآن تَنْدُبُ حظها العاثر بِهذا الخلاء المُوحش، تتسول لقمة العيش، وقد كانت أَكْباد وقلوب الِّرِجال تَتَسَوَّلُ رِضَا جَداتِهَا زمن العزةِ والنَخْوَةِ والكرامةِ!! واستحضرت صباح فَخْرِي يرقص شادِياً: لو كان عندي قَمَرِي مَا بِتُّ أَرْعى قَمرك تعالى يا صباح ترى قَمركَ، نَسِيَهُ الرّاعي، وآثر وشلَّتَهُ أنفسهم، وغادرت الطيور أعشاشها وتناثرت عيون المَهَا وشِفَاهُ الكَرَزِ وَخُدودُ البنفسجِ، وجدائل اللّيلِ السَاكنِ على فوهة البَنَادِقِ والمَدَافِعِ وَأَشلاَءَ مُمَزَّقة، ومدت الفاتنةُ الحَسْنَاء وَزَوْجَهَا وطِفلتَهَا أَيْدِيهم متسولين بالشارع العام!! هل تُصدِّقُ مَرَّةً أخرى هذا الحور العين قول نزار: إنّي خَيَّرْتُكِ فَآخْتَارِي مَا بَيْنَ المَوْتِ عَلَى صَدْرِي أَوْ بَيْنَ دَفَاتِرِ أَشْعَارِي إنها تموت غَبْنًا وَكَمَداً وغَدْراً وَجُوعاً أمام أعيننا، نحن لا نستطيع شَيئاً فلسنا رجال سياسة، نحن أضعنا الوقت الثمين نُغَنِي: ياَ لَيْلُ طُل أَوْ لاَ تطُل لاَ بُدّ لي أَنْ أَسْهَراَ أَبْكَيْتِني حقاً وَنَعَلْتُ السياسة والسياسيين وقلت: أخْجلتني لَمَّا رأيت رُجُولتي في وجهك المكسور يرسم خيبتي في طَرفك الحاني كَأَصْدَقِ صورةٍ لمن يباهينا بأفضل أُمَةٍ