بمناسبة إصداره لمجلة أطلق عليها اسم «نور» خصصها لإسلام مرحلة الأنوار وللربيع العربي، أجرت مجلة «أفريك مغازين» حوارا مع مالك شبال، الباحث الفرنسي ذي الأصل الجزائري المتخصص في علم الأديان، تناول فيه القضايا المطروحة في العالم العربي حاليا ودور الإسلاميين، كما تناول فيه وضع الإسلام في فرنسا. هذه أهم مقاطع هذا الحوار. { ما هي الحصيلة التي يمكن أن نستخلصها من الحكم الإسلامي في مصر وفي تونس؟ قدم التونسيون جوابا وعبروا عن غضبهم وعن قلقهم؛ أما التجربة المصرية، فهي كذلك تجربة واضحة. لا يمكن للمسيطرين على الحكم العسكري، من خلال انقلابهم السريع ولمبرمجي البقاء متشبثين بيقينهم. واليوم، بعد أن قاموا بعزل الرئيس الإسلامي،»لعدم كفاءته»، أصبح عليهم أن يظهروا لنا مهاراتهم الخاصة على مستوى الدمقرطة الحقيقية للنظام واحترام الإرادة الشعبية ومحاربة الفساد، فأكثر من 20 بالمائة من الثروة المصرية تحت سيطرة العسكر الذين لم يسبق أن كسبوا حربا واحدة. إن ثمة تحديات كبيرة تنتظر السيسي، الجنرال الذي استولى على الحكم في شهر يوليوز 2013 ورفاقه، وهي تحديات كبيرة و مستعجلة، لأن مصر دولة فقيرة، تقريبا مثل أو أكثر من تونس التي يجب عليها، إضافة لذلك تسوية مشكل المتمردين الإسلاميين. وبما أن البلدين يعيشان أساسا بفضل الثقة التي يمكن أن يبثاها في قلوب الملايين من السياح المحتملين، فأخشى أن تكون المعادلة معقدة للغاية بالنسبة لهما. ورفع هذا التحدي يتطلب من البلدين الكثير والكثير من الحكمة.
{ هل يمكن للإسلاميين المتطرفين تسيير دفة الحكم؟ شخصيا، أتبرأ من كل مصائب وكوارث الأنظمة التي تستند على الدين. مرة أخرى، الدين هو تدبير وإدارة النفوس والمعتقدات، وليس شهادة دكتوراه في الحكامة البشرية. إن حكامة النفوس هي من اختصاص وصلاحية الأئمة الذين يمارسونها داخل المساجد، والذين يتكلمون أمام مؤمنين يترددون على هاته المساجد بكل حرية؛ أما حكامة البشر فمن صلاحيات رجال منتخبين بطريقة مثالية من أجل تسيير البلاد لفترة محددة، ويمكن سحبها منهم عند الاستحقاق الموالي. إذن، لا يجب أن تطرح قضية الإسلاميين المتطرفين. ويجب منع كل المتطرفين من الاقتراب من صناديق الاقتراع وتحويلها لصالحهم.
{ هل يجب أن يكون الإسلام متواجدا داخل الحقل السياسي؟ يبدو جليا أننا نعيش هذا الوضع. والآن، يجب البحث عن سبل لحصره داخل مجال يكون فيه مفيدا. وبشكل عام، يجب أن نطرح أمرا هاما بكل وضوح، لا يجب الترخيص لأي حزب له أساس ديني للمشاركة في الاستشارات السياسية. أيضا، يجب أن تكون هناك سلطة قوية بما فيه الكفاية من أجل تطبيق هذه القاعدة. وعلى عكس ذلك، يجب علينا معاقبة كل الأحزاب التي تهين المتدينين، فقط لأنهم لا يسايرون توجهاتها، وكل الذين يجعلون من الكراهية الدينية الدافع الرئيسي لدعايتهم. إن الديمقراطية بدون ثقافة ديمقراطية تؤدي دائما إلى الطريق المسدود. إن فرض الدين على الناخبين هو شيء شاد وغير سوي، ولكن القول إن لا حق للناخبين في التدين، يعتبر انحراف آخر يرسله لنا الشارع الإسلامي يوميا.
{ هل يوجد مكان للأحزاب الدينية داخل المشهد السياسي؟ إن المسلمين هم مواطنون مثل الجميع، ولكن تعبير»حزب ديني» هو الذي يبدو لي غير مناسب.
{ هل يمكن للوضع المصري أن ينقلب إلى حرب أهلية؟ نعلم جميعا الوضع المصري اليوم، ففي الأساس الشعب المصري مسالم، ولكن لا يمكن التحكم تماما في بعض المشاعر، خاصة إذا قام بعض مشعلي الحرائق بصب الزيت على اللهب.
{ هل يبقى الإخوان المسلمون القوة السياسية التي لا مناص من التفاوض معها؟ إن الخطأ الذي تم ارتكابه يتجلى في ترك الإخوان يتقدمون لصناديق الاقتراع تحت يافطة الإسلاميين، وبشعارات دينية حصريا، والقبول بمشاركتهم في عملية التصويت على أساس ديني. هنا، حدث الضرر الكبير الذي تلاه الانقلاب. يتطلب الوضع من المكلفين بصياغة قانون الانتخابات الجديد التحلي بالكثير من التبصر والشجاعة.
{ لماذا نجت الجزائر من الربيع العربي ومن الموجة الإسلامية؟ لأن الإسلاميين الجزائريين لا يتوفرون على قناعات عميقة، ولأن رزم الأوراق المالية كانت قادرة على جعلهم ينقلبون على توجهاتهم. بالنسبة للباقي، لا أحد بإمكانه القول كيف يمكن للجزائريين أن يقوموا برد فعل أمام ضربة قاسية محتملة. يقول الجزائريون بفخر إن بلادهم كانت لها ثورتها قبل الآخرين. نعم، أنا متفق معهم. فالتسلسل الزمني يعطيهم الحق في قول ذلك، ولكن ماذا فعلوا بربيعهم العربي السابق لأوانه؟. هل استخلصوا منه الدروس الحسنة؟. نحن نرى الكيفية التي يمارس بها الحكم وغياب توزيع عادل للثروة النفطية بطريقة شفافة وانتشار الرشوة الكبيرة التي تخلع عن البلاد سيادتها الوطنية. هذا البلد يشكو من غياب الجدية الأمر الذي يمكن أن يؤدي بنا نحو غضب عارم آخر أكثر من الذي سبق أن عرفناه(...)
{ كيف تفسر تشدد الإسلام في مالي وفي نيجيريا، مع وجود حركات مثل بوكو حرام، في الوقت الذي كانت هاته الدول تحت سيطرة الإسلام الصوفي؟ الإسلام الصوفي هو التسمية «الناعمة» للإسلام غير السياسي. وفي كل مكان، أصبح الإسلام السياسي يكتسب مواقع جديدة، وبشكل خاص في إفريقيا أكثر من أي مكان آخر.وباسم هذا الإسلام، يمارس بعض الأشخاص الأكثر عنفا إيديولوجيتهم الشريرة. وكل هاته المجموعات أفرادها من المعذبين في الأرض.
{ هل يعتبر إسلام الأنوار حقيقة وواقع أو أنه مجرد تمنيات؟ يمكن لحقوق الإنسان أن تكون هي كذلك مجرد نوايا وتمنيات. فهل بمستطاعنا أن نقول أنها تحظى بالاحترام في كل مكان وبدون نقاش؟.إن أفق حقوق الإنسان يسائلنا بشكل فردي. إن صدى كلمة «ديمقراطية» يرن منذ أكثر من ألفي سنة داخل أذهان الناس. فهل تجسدت بدون مطبات، وبدون ارتدادات، وبدون احتجاجات؟. والحال أن كل الشعوب تطمح للعيش تحت هدا النظام. إن إسلام الأنوار تعبير فلسفي لما هو عليه الحال اليوم، دون أن يكون ذلك ملموسا. وما ينبغي أن يكون عليه غدا...
{ ولكن ألا يصل إسلام الأنوار سوى إلى أقلية من المسلمين؟ إن الثورات لا تصل في بدايتها سوى إلى الأقلية. وهذا الأمر أكثر صحة بالنسبة إلى الثورات الثقافية(...)، وعلى كل حال ما ألاحظه حتى الآن، أن إسلام الأنوار أخذ يكسب العقول أكثر فأكثر...
{ هل يمكن لإسلام التنوير أن ينتشر في فرنسا، وأيضا داخل العالم العربي الإسلامي؟ في فرنسا، أصبح تعبير إسلام التنوير أو الأنوار تعبير ثابت في الخطاب السياسي والصحفي. وكان مجلس الشيوخ الفرنسي قد احتضن يوم 7 أكتوبر 2013 ندوة تحت عنوان «من أجل إسلام للتنوير». وفي العالم العربي الإسلامي بدأت الفكرة تشق طريقها، ليس بالضرورة تحت هذا الشكل النظري والفلسفي، ولكن من خلال ممارسات ملموسة في المواجهات النقابية والسياسية والثقافية، وكذلك في المجتمع المدني، سواء كان في توافق مع المجتمع السياسي أو كان ضده، أو في مواجهات الإسلاميين ضد العلمانيين. وفي النهاية، فهناك مدرسة للتفكير في طور الولادة تعنى أساسا بإسلام التنوير. وأذكرك أن «تغيير الإسلام»، كتابي الأخير الصادر عن منشورات «ألبان ميشيل» يتضمن إحصاءا لأكثر من 250 مصلحا مسلما، عملوا على ظهور ونشر هذا التوجه الفلسفي الجديد الذي أجد نفسي فيه.
{ هل يعتبر الخوف أو معاداة الإسلام في فرنسا حقيقة وواقع أم تهيآت خيالية خادعة؟ إذا اعتبرنا أن أفعال بعض المجموعات المتعصبة التي تقوم بتدنيس المقابر والمساجد والتي تسب الإسلام، تعكس وجود تيارا ضمنيا. إذن، فالجواب هو نعم. يمكن أن نقول إن الخوف من الإسلام موجود. ولكن، منذ البداية، كنت أبحث عن إيجاد طريق ثالث، دائما باسم إسلام التنوير. وهذا الطريق لا يقوم على الانخراط في معركة مباشرة مع أولئك الذين يمنحون أو يعلقون على صدورهم صفة يافطة «معاداة الإسلام»، ولكن ينبني على التواصل الجيد حول الإسلام الذي من شأنه أن يكشف أن هذا الدين لا يقوم على كراهية الآخرين، وأنه يحافظ على هدوئه أمامها، ويركز على الخصوص على تحسين صورته. فيجب أن نتصدى للحماقات الإنسانية بانتهاج الطرق البيداغوجية؛ حتى ندفع المعادين للإسلام إلى السقوط في تناقضاتهم.