في الوقت الذي كان متوقعا أن ينتهي الخلاف حول القانون التنظيمي المتعلق بلجن تقصي الحقائق بين الأغلبية والمعارضة في لقاء، أول أمس، للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب فاجأت فرق المعارضة نظيرتها في الأغلبية بالانسحاب، ورفض أي تسوية للخروج من الأزمة، في حين ردّت فرق الأغلبية بالمثل وقررت سحب مقترحي قانون حول الموضوع، لصالح الإبقاء على مشروع قانون الحكومة أرضية للنقاش. في آخر لقاء قبل أول أمس، كان الاتفاق بين الطرفين قد حصل على تشكيل لُجينة من الأغلبية والمعارضة، ستنكب أساسا على دراسة مقترحي قانون تقدم بهما كل من فريق الأحرار أيام كان في المعارضة، ثم مقترح ثان تقدم به فريق العدالة والتنمية، قبل أن تفاجئ الحكومة البرلمانيين بتقديمها مشروع قانون صادقت عليه في المجلس الحكومي ثم المجلس الوزاري، وأحالته على البرلمان للمناقشة، مما أدى إلى نقاش طويل أعاد طرح مدى أحقية البرلمانيين في اقتراح مشاريع قوانين تنظيمية. وللخروج من ذلك، تم التوصل إلى حل ثالث، إذ لم تعترض الحكومة على تشكيل لُجينة للنظر في مقترح البرلمانيين وكذا مشروعها بهدف التوصل إلى صيغة موحدة، تحافظ للبرلمانيين على الحق في المبادرة التشريعية، وفي الوقت نفسه لا تلغي مشروع القانون التنظيمي الذي تقدمت به وتم التصديق عليه في المجلس الوزاري. لكن فرق المعارضة وافقت من قبل على تشكيل اللُجينة، ثم عادت ورفضت الانضمام إليها دون كشف للأسباب. وفي لقاء أول أمس ظهر الخلاف كبيرا وسط المعارضة، ففريق الأصالة والمعاصرة اختلف أعضاؤه بين النائب محمد الحجوجي الذي طلب مهلة أطول للوصول إلى اتفاق، وبين خديجة الرويسي التي أعلنت الانسحاب من اجتماع اللجنة نهائيا، وهو ما تم فعلا. أما البرلماني الاتحادي حسن طارق، فقد اختار عدم الحضور إلى اجتماع اللجنة، فيما طالبت فوزية الأبيض عن الفريق الدستوري بمهلة أطول حتى يتم الوصول إلى اتفاق. وكانت المفاجأة حين أعلن رئيس اللجنة على رؤوس جميع النواب أنه وفي اتصال برؤساء فرق المعارضة، تم إبلاغه بموقف سياسي موحد يقضي بعدم الانخراط في اللُجينة التي اقترحت لتكون حلا وسطا بين الجميع، وهي الآلية التي كان الهدف منها هو التصويت على قانون ينظم آلية رقابية برلمانية مهمة بالإجماع، ويبدو أن ذلك لن يتأتى لمن فكروا فيها بهذه الطريقة. عقب ذلك، أعلن الطالبي العلمي، عن فريق الأحرار، أنه إذا رفضت فرق المعارضة الانخراط في اللُجينة، فإن معنى ذلك دفع فرق الأغلبية إلى خيارين: إما تشكيل لجينة بفرق الأغلبية فقط، أو أن يسحب فريق العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار مقترحي القانون اللذين سبقا لهما أن تقدما بهما. وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه محمد بن عبد الصادق، عن فريق العدالة والتنمية، بعد أن أكد أن اقتراح تشكيل لجينة كان بهدف البحث عن حل سياسي، أي عن توافق أوسع حول القانون لأنه يهم البرلمان كمؤسسة، وليس هذا الفريق أو ذاك. وبعد جدل حاد بين فرق المعارضة والأغلبية، انسحب على إثره فريق الأصالة والمعاصرة، واتهم خلاله فريق الاتحاد الدستوري الأغلبية بممارسة الديكتاتورية، بعد ذلك تم رفع جلسة لجنة العدل والتشريع التي يرأسها القيادي في الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، خمس دقائق، اتفقت خلالها فرق الأغلبية على سحب مقترحي القانون الذي كان قد تقدم بهما الأحرار والعدالة والتنمية، والإبقاء على مشروع قانون الحكومة. وبذلك أُسدل النقاش الذي عمّر أشهرا طويلة إذ عاد إلى نقطة الصفر، لكن على حساب حق دستوري أساسي هو حق البرلمانيين في المبادرة التشريعية، مع توكيد دور الحكومة العملي كمشرِّع أول وليس البرلمان.