ليس لنا الآن سوى صحف الغرب: لوموند والغارديان ونيويورك تايمز والواشنطن بوست ودير شبيغل... إنها أفضل المنابر اليوم لقراءة بعض الحقائق عما يجري في مصر، أما الإعلام المصري والخليجي والرسمي فإنه يقتل الضحية ويمنع أهلها من البكاء عليها جاء صوته مليئا بالحزن والعبرات المخنوقة وراء الهاتف على ما يقع في المحروسة التي استباح الجنرال السيسي دمها وعرضها وكرامتها تحت أعين العالم، وقتل المئات من أبنائها في ظرف ساعات، وجرح الآلاف في نصف يوم كان صيده وافرا. «ألو السيد توفيق كيف حالك؟»، قلت له: «الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، انتظرت مقالتك يا أستاذ وائل قنديل اليوم في جريدة الشروق المصرية لأقيس حرارة ما جرى بقلم ظل يقاوم ضد التيار لأشهر كاملة فلم أجده». ضحك نصف ضحكة ساخرة ممزوجة بالألم وقال: «لقد منعوها من النشر في الزمن الليبرالي على رواية السيسي». قلت له: «لم يحتملوا بضع كلمات في جريدة موالية على كل حال لخارطة طريق الجيش، وهي نقطة في بحر من الدعاية والنفاق الإعلامي والكذب الجماعي في وسائل الإعلام المصرية، ألهذا الحد صار صدرهم ضيقا؟»، قال: «نعم، هذا ما حصل، الرصاص الحي في كل مكان، في الميادين، وفي الشوارع، وفي رابعة العدوية، والنهضة، وصالات التحرير في الصحف والقنوات، الكل يسبح بحمد الجيش، أما الخارجون عن ملة الانقلاب ومذهب الديكتاتورية فليس لهم مكان اليوم في مصر». قلت له: «عزاؤنا واحد في النخب الليبرالية التي اعتقدنا أنها ستولد ولادة جديدة في زمن الربيع العربي»، فرد بخفة دم المصري: «تعرف، طلع الأصوليين الذين كنا ننتقد انغلاقهم الفكري أفضل مائة مرة من جماعة الليبراليين الذين لبس جلهم الحذاء العسكري ووقفوا طابورا واحدا خلف الجنرال». ضحكت من هذه الصورة الكاريكاتورية وقلت له: «ليس لنا الآن سوى صحف الغرب: لوموند والغارديان ونيويورك تايمز والواشنطن بوست ودير شبيغل... إنها أفضل المنابر اليوم لقراءة بعض الحقائق عما يجري في مصر، أما الإعلام المصري والخليجي والرسمي فإنه يقتل الضحية ويمنع أهلها من البكاء عليها». استأذنت الزميل والصديق وائل قنديل في إعادة نشر مقالته المحظورة، وهذا نصها: «تسلم الأيادي التي اتخذت قرار ارتكاب أكبر مجزرة جماعية في التاريخ ضد المصريين، أوقعت منهم عددا من الشهداء فاق عدد ضحايا الحملة الفرنسية وحفر قناة السويس ومذابح دنشواي وبحر البقر.. عن أيادي الجنرال الببلاوي والجنرال البرادعي نتحدث. تسلم الأيادي التي ارتفعت تنادي القوات وتناشدها سرعة الاقتحام والفض والقتل والتطهير العرقي، وفاقت في إصرارها أيادي نخبة الصرب أيام الإبادة الجماعية للبوسنة في سربرينيتشا وأخواتها في تسعينات القرن الماضي.. عن أيادي نخبة دراكولا وقتلة الليبرالية التترية المتوحشة نتحدث، من صنايعية أدب التصدير والأدب المحلي وأدباء الحرب، ومثقفي الحظائر المتسخة بغائط التبرير والتسويغ ومسح بلاط المستبدين القتلة في كل وقت. تسلم الأيادي الناعمة التي استقرت في أكف الجنرالات، تشد على أيديهم وتحييهم وتتغزل في رجولتهم وتستدعيها، وتناشدهم تخليص البلاد من «الشعب البيئة» الذي يقف حائلا أمام تطور الدراما وانتعاش الفن.. عن أيادي إماء الفن والإعلام الطري نتحدث. تسلم الأيادي التي امتدت لتكتب الإفك والبهتان وتصادر كل كلام يغضب القتلة والسفاحين، وتحذف وتبدل كما تشاء كي ترضي المشيئة العليا للقيادات العليا. تسلم الأيادي التي صفقت للقوات الباسلة التي استعرضت كل فنون القتال ومهارات القنص ضد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب... وتسلم الأفواه الملوثة بالروايات الأمنية والحناجر المزروعة بالتقارير المجهزة في مطابخ القتلة، والتي تهتف بحياة القاتل، ولا تقوى على إطلاق زفرة ألم على مئات القتلى.. عن الحناجر المستأجرات للصراخ في وجه من ينطق بكلمة حق في وجه السلطة الحرام، الجائرة الباطشة القاتلة نتحدث. تسلم الأيادي التي شخبطت على الحيطان: «يسقط حكم العسكر» وخطت: «طول ما الدم المصري رخيص، يسقط أي رئيس»، ثم فجأة تحول أصحابها إلى قرود رشيقة تلهو وتلعب فوق الدبابات والمدرعات، وتستقر على متنها وصولا إلى نعيم السلطة. تسلم الأيادي التي نقرت يوما على الكيبورد أن سقوط قتيل واحد يعني سقوط شرعية النظام، ثم أصيبت بالخرس والشلل عندما حصد رصاص السلطة مئات الشهداء، لأنها صارت جزءا من سلطة مسروقة. شكرا شيخ الأزهر.. شكرا محمد البرادعي.. وتسلم أيادي القناصة والرقاصة.. شكرا أيها الليبراليون القتلة. وتسلم أيادي صلاح عبد الصبور الذي قال في كل ما سبق: هذا زمن الحق الضائع».