عبرت جماهير المواطنين التي حجت إلى الرباط يوم الأحد 13 مارس 2016 عن حقيقة واحدة لا ثانية ولا ثالثة لها هي التمسك بالوحدة الترابية، وإعادة تأكيد مغربية الصحراء..وإذا كان الرقم المتداول في وسائل الإعلام مضبوطا من حيث أن عدد المشاركين فاق الثلاثة ملايين، فإن الأمر يتعلق بمسيرة ثانية، بقرابة عشرة أضعاف المسيرة الأولى التي ضمت 350 ألف مواطن ومواطنة عام 1975. كان للمسيرة الأولى طبعا سياقُها، وجوانبُ إبداعها، والمقاصدُ التي أوحت بها، وهو ما يختلف عن مسيرة الرباط الأحد المنصرم. غير أن الخيطَ الرابط بين المسيرتين يظل واحدا: التمسك بثابت مغربية الصحراء، وعدم التفريط في القضية الوطنية، على الرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على هذا الملف. ليتذكر من عاش زمن المسيرة الأولى كم كانت اللحظة قوية سياسياً واستراتيجيا، ومؤثرة نفسياً وعاطفيا. لقد خلقت المسيرة الأولى حالة وعي جماعيأهمية الالتفاف حول الكيان المغربي والدفاع عن استمراره موحداً وقويا. والحال أن مسيرة الأحد الماضي أثبتت ديمومة هذا الوعي واستمراه مُنبثاً في المخيال الجماعي على الرغم من أن نسبة عالية ممن شاركوا في المسيرة الثانية لم يزامنوا المسيرة الأولى، واكتفوا ، بحكم عامل السن، بالسماع عنها عبر القراءة والمشاهدة البصرية ليس إلا. لذلك، فالدرس الأول المستفاد من المسيرتين أن ثمة إجماعاً وطنيا راسخاً حول ثابت الوحدة الترابية وضرورة التمسك به والدفاع عنه. في حين يتعلق الثابت الثاني بإستمرار الولاء للقضية الوطنية قيمةً مشتركةً بين كل الأجيال، بغض النظر عن تغير الظروف والسياقات والأولويات. السؤال هو هل يكفي هذا النمط من الوعي لتحصين قضيتنا الوطنية، وإمدادها بما يلزم من فائض القوة لتظل محل تأييد ومناصرة من قبل غيرنا من الدول والمجتمعات؟.أم أن الأمر يحتاج ، علاوة على معطى الولاء للقضية الوطنية والاستعداد وجدانيا للدفاع عنها، إلى رؤية متجددة أكثر، وإلى تخطيط عقلاني وناجع , وإلى إجتهاد خلاق في إبداع الأساليب والآليات التي تمكننا من توسيع دائرة التأييد لعدالة قضيتنا الوطنية، وإقناع الفاعلين السياسيين الدوليين بأهمية دعم رؤيتنا للملف الترابي وصيغ معالجته؟. لنعد إلى مسيرة الأحد المنصرم و نتأمل في بعض مشاهدها لنقدر حدود تأثيرها في الدفع قُدما بتحصين قضيتنا الوطنية أكثر وأعمق. لاشك أن أبعادها كانت واضحة، كما أن مقصدها الرئيس في إثارة انتباه الرأي العام الدولي إلى أن قدسية الملف الترابي لدى المغاربة قاطبة، أمر ثابت، وخط أحمر ، كما تردد كثيرا في تصريحات المشاركين في المسيرة وشعاراتهم. غير أن هذا لا يكفي وحده، لأن قضية وطنية من حجم قضية الصحراء المغربية، يحتاج إلى أكثر من التعبير للعالم عن الشعور الوطني العام ، والرفض القاطع للمغاربة لما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة بانحياز، ودون احترام لواجباته الأممية. لا أشك أن ثمة وعيا جماعياً بأن مسيرة يوم الأحد الماضي لا تكفي، وأن التوقف عند حدود ما عبر عنه المواطنون أثناء تظاهرهم بكثير من العفوية، وأحيانا بكلمات غير مستحبة ولا مقبولة في الأعراف الدولية من المعطيات والوقائع التي لا تبني تأييدا صلباً ودائما لدعم ملفنا الوطني.. إننا نحتاج إلى ما هو أكثر من التعبير الجماعي عن غضبنا.. نحتاج إلى إستراتيجية عمل منتظمة، مخطط لها، وفعالة وناجعة، وهي ، بكل المقاييس، عمل مقدور عليه، وفي مُكن الذكاء المغربي انجازه باقتدار. لم يعد العالم يُحكم بالنوايا الطيبة، أو بالمتمنيات الوردية، بل غدا منذ زمن بعيد، ولعله كان هكذا، محكوماً بالمصالح، ونباهة تحديد المصالح وحسن تدبيرها.. وقد تمكن المغرب منذ عقود من تكوين مواقع مصالح بمستطاعه توظيفها والاستفادة منها في دعم قضيته الوطنية. كما أن صناع قراره، والقيمين على دبلوماسيته، ومن تولوا وظيفة تمثيل المواطنين في مؤسسات الدولة ، ملزمون بالاجتهاد في بناء هذه الإستراتيجية والسهر على سلامة تطبيقها، وتقديم الحساب عن نتائجها الملموسة.. بدون ذلك سنستمر في ممارسة ردود الفعل.. نريد أن نكون فاعلين، وللمغرب اليوم كل المؤهلات أن يكون فاعلا ومؤثرا.