رئيس الحكومة التزم الصمت فيما هاجم مزوار الجزائر بشكل مباشر رغم حرصه على تجنب الأضواء الدولية، وابتعاده عن خوض المعارك الدبلوماسية وتولي مهام السياسة الخارجية، المجال المحفوظ للملك، وجد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران نفسه في اليومين الماضيين، في قلب معركة دبلوماسي محمومة مع الجزائر، بعد توليه مهمة تمثيل الملك محمد السادس في المؤتمر الفرنسي الافريقي حول الأمن والسلم. الجارة الشرقية أخرجت منذ اللحظات الأولى مدفعيتها الدبلوماسية والدعائية الثقيلة، للدفاع عن توجهها الدبلوماسي القائم على حصر التدخل في الشؤون الافريقية على الأفريقيين، وهو التوجه الذي يخفي في عمقه دفاعا عن استمرار هيمنة محور الجزائرنيجيرياجنوب افريقيا على القارة الافريقية من خلال منظمة الاتحاد الافريقي. فيما يعتبر المؤتمر الذي دعت إليه فرنسا ونظمته أمس بعاصمتها باريس، اختراقا دبلوماسية غير مسبوق للمغرب، حيث مهدت فرنسا من خلاله طريق حضور المغرب من خلال دعوتها الى مؤتمر فرنسي إفريقي، وليس بين فرنسا والاتحاد الافريقي. التحرك الجزائري الشرس في اليومين الماضيين، يأتي بعدما كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد فاجأ المحور المعادي للمغرب داخل القارة السمراء، بإعلانه من داخل القمة الافريقية الاخيرة التي انعقدت في نهاية ماي من السنة الحالية، للاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الافريقية، عن تنظيم قمة فرنسية إفريقية حول الامن والسلم، تستبعد منظمة الاتحاد الافريقي. فرغم التعبئة الكبيرة وغير المسبوقة التي قامت بها الجزائر وحلفائها الأفارقة لتوجيه ضربة دبلوماسية للمغرب، عبر إدراج ملف الصحراء ضمن جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي المصادفة لمرور خمسين سنة على تأسيس هذا الكيان الإفريقي؛ شهدت أشغال القمة مفاجأة غير متوقعة قلبت موازين القوى لفائدة كتلة الدول الفرنكفونية المعروفة بتحالفها التاريخي مع فرنسا والمغرب، بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شخصيا أشغال القمة. فبعدما اعتمد المغرب على الدعم القوي لحلفائه في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة منهم الغابون، في كواليس الأشغال التحضيرية للقمة الإفريقية الأخيرة لمنظمة الاتحاد الإفريقي؛ قدمت فرنسا منفذا جديدا لحضور المغرب في الساحة الإفريقية ومشاركته في حلّ مشاكلها، من خلال الدعوة المفاجئة التي وجّهها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أمام القمة الإفريقية التي انعقدت في العاصمة الإثيوبية، إلى رؤساء جميع الدول الإفريقية من أجل حضور مؤتمر حول الأمن في إفريقيا. هولاند الذي فاجأ المتتبعين بانتقاله شخصيا إلى أديس أبابا، قال إنه يدعو إلى مؤتمر ينعقد نهاية السنة الحالية في العاصمة الفرنسية باريس، من أجل تدارس قضايا السلم والأمن في إفريقيا، على ضوء التدخل الذي قامت به فرنسا مؤخرا في شمال مالي. الآلة الدعائية الجزائرية تحركت عشية انعقاد المؤتمر، الذي انطلق امس الجمعة ويستمر اليوم السبت، من خلال تقارير لوكالة الأنباء الرسمية، قال أحدها إن الجزائر ذهبت الى باريس لتذكر بمواقفها المبدئية حول قضاياالسلم والامن في افريقيا. ونقلت الوكالة عن مصدر دبلوماسي جزائري قوله إن التصور الجزائري حول المسائل الأمنية "يكمن أولا في "التكفل" بالقضايا الافريقية من طرف البلدان الافريقية نفسها و"تدعيم" قدرات الاتحاد الافريقي من خلال آلياته لاسيما على المستوى الإقليمية بإمكانيات مالية و هذا ما ستسعى الجزائر الى "تثمينه" خلال هذا اللقاء ممثلة بوزيرهاالاول عبد المالك سلال. هذا الخير قاد بمجرد وصوله الى باريس حملة سياسية وإعلامية قوية، حيث حرص على لقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ومباشرة بعد خروجه من قصر الاليزيه، صرح سلال أن اللقاء "جرى في اجوء جيدة" وان الطرفين الفرنسي والجزائري "مع شراكة استثنائية". الوزير الاول الذي يمثل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذا القمة، ويخوض حملة واسعة داخل الجزائر لتمهيد الطريق امام ولاية رابعة لبوتفليقة، قال مخاطبا ممثلي الصحافة الجزائرية والفرنسية انه سيدلي بتصريح بعد اختتام القمة حول السلم والامن في افريقيا، ما يعني ربط الموقف الجزائري بما ستسفر عنه القمة وحجم الاستجابة الفرنسية للمطالب التي من المؤكد ان سلال قدمها لهولاند. المطالب الجزائرية تكتشفها التصريحات التي نسبتها وكالة الأنباء الرسمية لمصدر دبلوماسي، حيث قال هذا الاخير إن "الاتحاد الافريقي طلب دوما التكوين وتقاسم المعلومة مع شركائه الذين يتوفرون عليهما والتي يمكن استعمالهما من قبل القوات الافريقية في اطار مهامها حول حفظ السلم. كما سيطلب الاتحاد الافريقي من شركائه خلال قمة باريس تعزيز هندسته الموجودة حتى يتكفل الافارقة بقضايا سلمهم و أمنهمو تنميتهم". وأضاف ذات المصدر أن "الافارقة قاموا بتطوير هندسة موحدة وكاملة حولالسلم والامن لم تطورها اية قارة اخرى وتصور يجند أيضا الوسائل التقليدية للحل السلمي للتوترات التي قد تظهر". هذا التحرك الجزائري صادف نكسة جديدة، حيث صادق مجلس الأمن الدولي ليلة الخميس-الجمعة، أي عشية انطلاق القمة، على قرار يفوّض فرنسا مهمة الإشراف على تدخّل عسكري يعيد الاستقرار إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، تلاه إصدار المغرب بلاغا يكشف فيه عن مشاركته العسكرية في هذه العملية. البلاغ أصدرته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عبّرت فيه عن ترحيب المغرب بالقرار الأممي القاضي بتحويل البعثة العسكرية الإفريقية الموجودة حاليا في هذا البلد الإفريقي، إلى بعثة أممية. وأضاف البلاغ أن تعليمات ملكية صدرت لنشر "عناصر من القوات المسلحة الملكية، ستشكل وحدة الحرس لمكتب الأممالمتحدة المتكامل لبناء السلام في إفريقيا الوسطى". المغامرة العسكرية الجديدة، تعتبر اختراقا سياسيا ودبلوماسيا جديدا يحقّقه المغرب من خلال تحالفه الاستراتيجي مع فرنسا، حيث إن التدخّل الإفريقي كان قد تم في إطار الاتحاد الإفريقي الذي لا يعتبر المغرب عضوا فيه، بينما مكّنته المظلة الأممية والإشراف الفرنسي من موطئ قدم جديد في القارة السمراء. وفيما التزم رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران الصمت، وتجنب الأضواء بعد وصوله الى العاصمة الفرنسية باريس، انبرى وزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار للدفاع عن التوجهات المغربية، حيث قال لوكالة المغرب العربي للأنباء إن المغرب يعد فاعلا أساسيا معترفا به في مجال حفظ السلم والأمن في افريقيا "بفضل ريادة جلالة الملك محمد السادس وعمله المضطرد لفائدة الاستقرار بالمنطقة"، مضيفا أن المقاربة المغربية بافريقيا مندمجة وتشمل أيضا الأبعاد الأمنية والتنمية الاقتصادية والبشرية. مزوار عاد ليقول من خلال قناة "فرانس 24"، التي استضافته عشية افتتاح القمة، إن أن المغرب لا يعتبر نفسه "مستبعدا" من إفريقيا، بل إنه "فاعل قوي ونشط ومتواجد" ويربط "علاقات قوية" مع العديد من البلدان الإفريقية. مزوار ذكر بأن المغرب لم ينسحب من الاتحاد الإفريقي بشكل طوعي، "بل كان مجبرا لأن الاتحاد الإفريقي لم يحترم مبدأ الوحدة الترابية". وأكد، في هذا السياق، أن الجزائر التي تحتضن ما يسمى ب"الجمهورية الصحراوية" "تنتهك مبدأ من ميثاق الاتحاد الإفريقي". ثم وجه مزوار حديثه بشكل مباشر الى الجزائر داعيا إياها إلى الانخراط بجدية في استقرار وأمن وتنمية المنطقة المغاربية، "بدلا من خوض النزاع حول الصحراء"، مؤكدا أن هذه الإرادة ليست مفيدة بالنسبة لاستقرار المنطقة، وقال: "التكامل المغاربي أصبح ضرورة وعاملا لإيجاد حلول لمشكل المنطقة".