إلى وقت قريب، ارتبط اغتصاب الأطفال بالرجال، لكن بين الفينة والأخرى تصدمنا قصص اغتصاب «فريدة» يصعب تقبلها، بطلاتها نساء لا يتوقع «أكبر المتشائمين» أن تتلطخ «أيديهن» بانتهاك حرمة جسد قاصر، وهن من يفترض فيهن أن يكن الحضن الدافئ والحامي للبراءة، لكنهن يتحولن إلى مغتصبات، وينتقلن من مانحات للأمان إلى معتديات، قاسيات بدون قلب، فقط من أجل إشباع «رغبة مريضة» لدقائق، تنتهي بتحطيم حياة إنسان آخر وترهن سنواته للعاهات النفسية والجسدية. أيمن.. اغتصاب وانتقام أواخر شتنبر الماضي، اهتزت مدينة آسفي على وقع جريمة اغتصاب طفل في الرابعة من عمره، عبثت أيادي متوحشة بجسده الصغير في غياب الجدة المُوكل لها احتضان حفيدها، لأن والدته تشتغل في الدارالبيضاء لإعالة أسرتها بعد طلاقها. "اليوم24″ التقى الوالدة المكلومة في مقر عملها بإحدى الشركات وسط العاصمة الاقتصادية. شابة بقصة شعر قصيرة.. بخطوات متثاقلة استقبلت فريق العمل. فشلت مساحيق التجميل في إخفاء الحزن الطافح من عينيها. «في إحدى الليالي الباردة، اتصلت بي والدتي من مدينة أسفي تخبرني أن ابني «شدوه»، ففهمت من حديثها أنه تعرض للضرب من قبل طفل خلال اللعب أو اغتصب من قبل رجل»، قبل أن تضيف وهي تسترجع تفاصيل تلك الليلة المشؤومة: «بعد ساعات من السفر، عرفت حقيقة ما جرى، كان الأمر صادما وصاعقا.. أيمن اغتصبته بكل قسوة جارتنا المتزوجة..اغتصبته فقط بدافع الانتقام. لقد ضربتني في مقتل وهي تعتدي على ابني بكل تلك الوحشية». الخبر صدم الأم فدخلت في حالة ذهول وعدم تصديق في البداية: «واش ممكن لشي مرا، ولا أم، أنها تغتصب دري صغير؟ كيفاش؟ ما يمكنش»، أسئلة من بين أخرى ظلت الوالدة تطرحها وتعيدها دون أن تجد تفسيرا معقولا. رضا المحاسني، أخصائي علم النفس، يحاول استيعاب ما اقترفته الجارة ضد القاصر، كما يسعى إلى إيجاد تفسير نفسي لسلوكها «الشاذ»، لينطلق من فكرة أن المجتمع استوعب متأخرا أن المرأة تملك رغبة وشهوات جنسية مستقلة، وأنها ليست مخلوقا لإشباع رغبات الرجل فقط، بل «لها رغبات ونزوات، وأنها كذلك قد تعاني أمراضا وانحرافات جنسية شاذة، كالرجل تماما»، ومن هنا، يضيف المحاسني، «يجب الانتباه إلى أن المرأة قد تستغل الأطفال كأداة لإشباع شهوة جنسية.. وهو على كل حال سلوك جنسي مرضي ينتج عن أسباب عديدة».ويشدد أخصائي علم النفس على أن «اغتصاب تاء التأنيث للأطفال لا يقتصر على فئة دون أخرى، بل يتواجد في جميع الشرائح، وفي جميع المجتمعات. هناك أوجه اشتباه بين الحالات، لكن الفعل واحد». تستمر فاطمة الزهراء في استرجاع تفاصيل ليلة مرعبة عاشها ابنها، وتروي، بصوت فيه الكثير من الحزن والغضب، أنها نقلت ابنها إلى مستشفى الشيخ خليفة بن زايد، قبل نقله إلى المستشفى الجامعي ابن رشد، حيث حصلت على شهادة طبية تثبت تعرض صغيرها لاعتداء جنسي باستخدام آلة حادة. تحكي الأم بألم واضح ما سمعته من ابنها، الذي لم يُكمل بعد ربيعه الرابع، وظل يردده على مسامع الطبيب ورجال الأمن، ووكيل الملك، فقد كان يكرر ثلاث كلمات فقط، وكانت وحدها كافية لكشف فظاعة ما تعرض له: «مريم، حاحا، قزيبتي». أيمن، وقبل لفظ أنفاسه الأخيرة، ظل لحوالي عشرين يوما يتألم، معه تألمت أمه كل دقيقة: «في الليلة التي توفي فيها، وكانت ليلة اثنين، بدأ يتغوط سائلا أخضر سرعان ما تحول إلى دم.. كان نزيفا حادا في الدبر عجل بموته في حدود الخامسة والنصف صباحا»، تقول الأم وهي في حالة انهيار، قبل أن تضيف: «كان الأمر مؤلمًا للغاية، فوق كل ما تتصورون». مرت أزيد من خمسة أشهر على وفاة الطفل أنور، ولا تزال الوالدة المكلومة تطرح على نفسها العشرات من التساؤلات عن السبب الذي يدفع امرأة متزوجة وأما لأطفال إلى اغتصاب طفل. «فراق ابني صعب جدا، لكن الأصعب أن الوفاة ناتجة عن اغتصابه على يد امرأة.. لا أزال إلى حدود اليوم تحت وقع الصدمة، ولم يستوعب عقلي بعد أن التي يفترض أنها منبع للحنان قد تغتصب طفلا انتقاما من عائلته»، تردف فاطمة الزهراء وهي تحاول التقاط أنفاسها. مروة: معلمتي «اغتصبت» براءتي قصة مروة لا تختلف كثيرا عن قصت أيمن إلا في التفاصيل وفي كونها أنثى. الزمان والمكان مختلفان، لكن الفعل واحد. فقبل ست سنوات جاءت مروة إلى عالم أسرة متوسطة الحال في الدارالبيضاء. مروة التي جعلت البيت ورديا بابتسامتها التي تتفتح يوما بعد يوم، مغذية بذلك أمل والديها في الحياة، ستنطفيء فجأة وبدون سابق إنذار، بسبب «نزوة وحشية»، لتُصبح الطفلة عنوان آفة اجتماعية تكاد لا تصدق. فمروة هي الأخرى ضحية اعتداء جنسي من طرف المُعلمة المُرافقة بسيارة النقل المدرسي بمؤسستها التعليمية الخاصة. على عكس فاطمة الزهراء، اختارت كلثوم، أم مروة، الحديث دون وجه مكشوف ل «ل"اليوم24″ ، بسبب مجتمع لا يرحم، خوفا على نفسية ابنتها التي لا تزال تعاني اضطرابات بعد حادث الاعتداء الجنسي. تفاصيل ما وقع، حسب الأُم، يعود إلى رمضان الماضي، حين عادت ابنتها إلى المنزل تحمل دوائر يميل لونها إلى الأزرق. في الوهلة الأولى ظنت الوالدة أن الأمر يتعلق بلسعات»بعوض»، لكن إجابة الطفلة البريئة كانت تحمل شيئا صادما ومثيرا للذهول: «هادي ماشي قرصة شنيولة. هادي بيزو دارتها لي الأستاذة». الجواب الصاعق والمثير للشكوك جعل الوالدة تمطر طفلتها بالأسئلة، لتكون التفاصيل مخيفة: «الأستاذة كتمص لي عنقي. وكتمص لي شنايفي. وكتجلسني على الركبة ديالها. وكدير لي أصبعها في تيتين ديالي (تقصد منطقتها الحساسة)»، بهذه العبارة أجابت الطفلة ذات الست سنوات والدتها، التي كادت أن تفقد وعيها في الحين. في اليوم المُوالي، رافقت كلثوم ابنتها إلى المؤسسة لتستفسر عن حقيقة ما وقع، غير أن كلامها ووجه بعدم التصديق، لتُقرر إيداع شكاية لدى وكيل الملك، فيما لا يزال الملف إلى حدود كتابة هذه الأسطر حبيس رفوف المحاكم، لأن المُرافقة متشبثة ببراءتها، وترفض الاعتراف، حسب ما تؤكده الأم، التي تتساءل بحرقة: «هل يعقل أن طفلة لا يتجاوز سنها ست سنوات يمكن أن تكذب وتختلق مثل هذه القصص؟ لا يمكن أبدا.. طفلتي لم يسبق أن شاهدت مثل هذه الأمور». في البيت وعلى طول النهار نُشغل قناة خاصة بالرسوم المُتحركة، هل يُعقل أن تتعلم هذه التفاصيل من «الميكيات»؟ مستحيل!!!»، تساؤلات تطرحها الأم كل يوم دون أن تجد إجابات تُشفي غليلها. وبحرقة الأُم المكلومة واصلت كلثوم: «مرت أزيد من أربعة أشهر على الاعتداء جنسيا على صغيرتي. طول هذه المدة لم أستطع لمس ابنتي.. تنتابها كوابيس تجعلها تقفز من مكانها وكأن شخصا يحاول الإمساك بها. ترفض بشكل كلي أن ألمسها أو أغسل لها مناطقها الحساسة.. لم يعد لها أي علاقة بي، فبعد الحادث تدهورت نفسيتها كثيرة، وأصبحت تعاني عقدا كثيرة ولا تنام، إلى درجة أن الهالات السوداء أضحت تحيط بعينيها من قلة النوم». وتشدد الأم بكلمات متقطعة: «يكفيني أنني نشوف طبيب يحل رجلين بنتي وهي لم تتجاوز 6 سنين، أنا قتليني وما نشوفهاش في هاد الحالة وهي صغيرة»، متسائلة: «كيف ستكون نفسيتها في المستقبل؟ كنا نخاف على أبنائنا من الرجال، ودابا ولينا نخافو عليهم احتا من لعيالات، أين سنضع ثقتنا بعد اليوم؟ من سيأخذ حق فلذات كبدنا من هاد المتوحشات؟ من سيضع حدا لكل هذه المعاناة؟ هل سينفصنا القضاء؟». في انتظار حُكم يشفي الغليل.. أم أيمن وأم مروة تعتقدان أن لا شيء يمكن أن يصلح ما جرى، وأنه لا عقاب سيحقق العدالة، بل تجزمان أن ما انكسر يستحيل إصلاحه. الأولى فقدت ابنها إلى الأبد، والثانية ترى ابنتها في حالة متقدمة من المعاناة. اليوم، المتهمة باغتصاب أيمن لا تزال خلف القضبان، لكن في الخارج تعيش الأم عذابا مزدوجا، بين فراق فلذة كبدها، وبين انتظار نطق الحكم لإطفاء النار المشتغلة بداخلها: «مطلبي الوحيد أن تأخذ تلك السيدة الجزاء الذي تستحق.. هي تستحق الإعدام لتكون عبرة لكل المتوحشات، والإعدام سيريحني، لأنها اعتدت على طفل لا يعرف شيئا عن عالم الكبار ومكائده ووحشيته». نفس الإحساس والمطالب تعبر عنها أُم مروة، التي أنهت حديثها مع بالقول: «لو كان القانون يسمح لي لعذبتها ولأذقتها بعد العذاب النفسي الذي تعيشه ابنتي». بكار: عيوب في القانون حاتم بكار، محامي بهيئة القنيطرة، يشرح أن القاعدة القانونية عامة ومجردة، خاصة في القانون الجنائي، الذي يعاقب على الفعل، ويفسر أنه «متى كان هناك اغتصاب إلا وينطبق القانون وتقع العقوبة، هذا من حيث منطق العقاب، أما فيما يخص الصياغة فالفصل القانوني حمال أوجه، ويشوبه لبس كبير، لأنه في تفصيله للفقرات، وإن كان يبدأ بمفهوم القاصرين الذي يجمع الطرفين، إلا أننا نجده في فصوله ينحو نحو الذكر الذي يغتصب الأنثى دون أن يعير الاهتمام للأنثى التي «قد» تغتصب الذكر في مرحلة الطفولة أو المراهقة»، يشرح المحامي. بكار يرى أن قضايا الاغتصاب بشكل عام تحظى باهتمام الرأي العام المغربي، لكن «للأسف هناك اهتمام في اتجاه واحد فقط، هو اغتصاب الذكر للأنثى، فالمجمتع الحقوقي والقانوني عندما يتكلم عن الاغتصاب لا يتحدث عن العكس، ما يجعل النضالات تسير في هذا الاتجاه، الأمر الذي ينعكس على الممارسة القضائية»، وبخلاف الواقع، «هناك حالات كثيرة لاغتصاب أطفال قاصرين ذكور من قبل الإناث أكبر منهم سنا». وهنا يشرح بكار، أن المجتمع بصفة عامة، له مقاربة ثانية مع الجنس، وهي مقاربة جسدية، وهو ما يؤكده النص القانوني، حيث جاء في الصياغة القانونية الملامسة أو هتك العرض أو الإيلاج أو افتضاض البكارة باعتبارها جميعها أفعال مادية في تغييب كامل للجانب المعنوي الذي يعد شقا مهما في الممارسة الجنسية، وهو أخطر جانب لكونه يستمر مع الإنسان مدى الحياة، وهنا يتساوى الذكور مع الإناث وهنا أيضا مكمن فشل القانون من حيث المفهوم الحمائي وتم حصره في البعد الزجري والعقابي، والنتيجة تتجلى في معاقبة الذكور حين يغتصبون الإناث على خلاف الإناث حين يغتصبن الذكور.