من الخطأ الاعتقاد أن الفضيحة حول منح ألمانيا شرف استضافة كأس العالم 2006، ستطوى صفحتها باستقالة فولفغانغ نيرسباخ من منصب رئاسة الاتحاد، بل بالعكس. فعلياً، أراد نيرسباخ عبر استقالته تحمل المسؤولية السياسية عن الفضائح المعلنة والخفية، وبذلك التقليل من الضغط الذي يواجهه الاتحاد، بيته الذي عمل فيه لأكثر من 27 عاماً. غير أن لهذه الاستقالة ارتدادات، سيكون قيصر الكرة الألمانية فرانس بيكنباور أول من سيشعر بها، لأنه وبعد انسحاب نيرسباخ من المشهد، باتت جميع الأنظار مصوبة حالياً على المهندس الفعلي للحملة التي قادتها ألمانيا عام 2000 للحصول على حق تنظيم مونديال 2006، والمقصود هنا قيصر الكرة الألمانية فرانس بيكنباور. ولأن الرأي العام الألماني لن يهدأ إلى حين توضيح ملابسات القضية، كمطلب رفعته أيضاً الأحزاب السياسية المختلفة والصحافة ومؤسسات المجتمع المدني، سارع راينر كوخ – الذي تولى برفقة راينهارد روبول نائب رئيس الاتحاد منصب نيرسباخ بشكل مؤقت، إلى مطالبة بيكنباور "المشاركة بشكل أكبر في محاولة لحل هذه الأزمة". وتابع أمام عدسات القناة الألمانية الثانية "زي.دي.إف" الاثنين (10 نونبر 2015) بالقول: "هذا طلب مهم من قيادة الاتحاد الألماني لكرة القدم إليه للإجابة على هذه الأسئلة". عقد بين بيكنباور وجاك وونر موازاة لذلك، تواصل كرة الثلج تدحرجها، فقد تمّ الكشف الثلاثاء عن "مشروع عقد" يعود إلى عام 2000 يقضي بتقديم أمول لدعم اتحاد الكونكاكاف. ولم يكن الممثل عن الجهة المستفيدة شخصاً آخر سوى جاك وورنر، نائب رئيس الفيفا ورئيس اتحاد الكونكاكاف سابقاً، والموقوف على خلفية قضايا الرشاوى والابتزاز، بعد أن تحول إلى أبرز وجوه الفساد بالاتحاد الدولي لكرة القدم. تاريخ هذا العقد يعود إلى السادس من يوليوز 2000، أي قبل أربعة أيام من تحديد هوية البلد المضيف لمونديال 2006. وإلى جانب بيكنباور، وقع أيضاً على مسودة العقد فيدور رادمان، ذراع بيكنباور اليمنى، والذي عُين فيما بعد عضواً في اللجنة المنظمة لمونديال 2006. ومن غير المعروف، ما إذا اتخذ العقد فيما بعد صبغة رسمية ودخل حيز التنفيذ أم لا، لكن وجود صيغة أولية لعقد يربط بين اسم القيصر بوونر في هذا التوقيت، سيكون بمثابة الشعرة التي قسمت بعير بيكنباور، فيما لا زال هو ملتزماً الصمت إلى غاية كتابة هذه السطور. خزينة سرية وقنوات مريبة ويعود آخر بيان صادر عن بيكنباور في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، رد فيه على اللغط الدائر حول مبلغ 6.7 مليون يورو، والذي يخشى المحققون وإدارة الضرائب المكلفة بالتحقيقات، أن تكون قد دفعت كرشاوى للفيفا مقابل تأمين الأصوات لصالح فوز ألمانيا بتنظيم المونديال. غير أن بيكنباور أصر على أنها دفعت للفيفا في إطار إنفاق تشغيلي يتعلق بحفل افتتاح كأس العالم. وهو الحفل الذي لم يُنظم أصلاً، ليتضح فيما بعد أن هذه الأموال استخدمت لسداد قرض لرئيس شركة اديداس السابق روبرت لويس-دريفوس المتوفى عام 2009، وفق تسريبات صحيفة "دير شبيغل" الألمانية. وفي تفسيره للواقعة الشهر الماضي قال نيرسباخ إن القرض الذي حصل عليه لويس-دريفوس كان من أجل تسليمه للفيفا في أعقاب اتفاق وقع بين بيكنباور والسويسري جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا الموقوف، وهو الأمر الذي نفاه بلاتر والفيفا. والغريب في الأمر أن هذه الأموال دفعت للفيفا في خزينة مجهولة، وعبر قنوات مريبة لم يفك المحققون شفرتها بعد، فالوحيد – كما كتبت صحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" في موقع الالكتروني الثلاثاء – القادر على تقديم توضيحات بهذا الشأن "هو من يسمي نفسه القيصر". وتتابع الصحيفة أن "صمت المعنيين إلى حد الدمار مؤشر على أن هذه الأموال ربما دفعت إلى جهة إذا عرفت هويتها سيتسبب ذلك في أكبر فضيحة على الإطلاق".